_
_
ما بينَ أشتات الذّاكرة يوجد للهجران معنًى، وحيدة مُتلفة بينَ أقطاب الماضي والحاضر، وبينَ أقطاب الحياة واللامكان، لطالما كانَ الفراغ أسوء المتاهات، وأشدَّها عتمَة، ولطالما كانَ الثُّقب في القلب يكبر في كلّ يوم حتّى أكلني وأماتني.
في اللحظة الّتي وَدِدتُ فيها أمانًا كانَ بقربي، أعطاني ما لم يعطِني إيَّاه والديّ، ذلكَ الحضن الدافئ، لقد شعرتُ وقتها للوهلة الأولى بأن كلّ شيء حتمًا بخيرٍ، يداه حول خصري وأنا منغمسة في صدره، كانَ كالوالِد عندما يحبّ مولودَته، رغم خوفي مّن البشر إلّا إنّي لم أخَفه، بل استميتُ قربه بلطفٍ بالغ!عجبٌّ مِّن حالي إلى أين وصلت؟! كل ما أريده مِّن الحياة تَجسَّد في رَجلٍّ أتى بِحجَّة علاج، أعلم بأنَّه يَودُّ تركي بعدما يحقق مبتغاه، ولكنّي لا أرغب بتركِ علَّتي ووحدتي هكذا، أرغب بدمعة تُخدِّره وتضفي السّعادة للأبد، لا أن يستمع لأنين جرحي ومّن ثُمَّ يعود مّن حيثَ أتى.
أكره صَفائح الهجران أو أن أتركَ بينها، هي أكبر آلامي وأبشعها، هي العذاب الواهن والحرمان الفاحل، بيداءٌ مبترةٌ وفيها لواذعٌ سامَّة لا نَجاة منها. لا أرغب في الضَّياع بينَ صفائحِ الحزن رُغم إنّي كذلك، ذُقتُ منها أشتّى أنواع السّقم، وما أزال في كلِّ لحظة أحاول النَّجاة مّن الصِّراعات أجد فيها نفسي أعمقُ مِّن ذي قبل، أغطس في أعماقِها اللامتناهية وأستشعر برودَتها في جسدي وأنا لا قدرة لي حتّى المقاومة، فقط مستسلمة لها وهي تأكلني وتَخنقني بدون رحمة!
«هل تُريد حقًّا أن أُشفى مِّن دائي؟».
صَوتٌ مرتجف في حلقي، عقلي طائِشٌ ومراهقٌّ، رغم ما قد كَسبه مّن آلامٍ وآثامٍ بليغةٍ تَجعله أكبر ممِّا ينبغي إلّا إنَّه يَبقى عقلُ طفلةً تبلغ سبعة عشر عامًا، ومراهقة فاقدة لشغفِ العيش والتَّجربة.
الواقع هي خاضت تَجربة واحدة ألّا وهي الموت!«ولمَ لا أفعل؟»
كانَ جالِسًا أمامي في منزلي_شقَّة أخي_ تَحديدًا على الأريكة وهي واسعة بالفعل، مُنذ البارحة وهو بِمسكني لم يُغادر منه ولو إنشًا، وَوجدتُ في وجودِه حلَّة لم أعهدها قبلًا.
أنت تقرأ
ذِكرى أبريل
Romance[الكتاب الأول من سلسلة الإكتفاء.] «لمَ أنا أضحك؟» تسائلت مع عيونٍ باهتة للّذي يجلِس أمامي. «لطالما تساءلت، لمَ أنا أضحك؟!». عندما تُحاول الخروج من قعر حزنكَ، ظلمتكَ، ويأسكَ، بعد أن اعتدتَ عليهم، سيكون الفرح، النور، والأمل، أشياء صعبةٌ...