أضداد.

121 6 5
                                    

ستر سيدونا عينيه من أشعة الشمس الهابطة من بين السحُب مع شذرات المطر الهادئة مجعّدًا سحنته ‏«لمَ لا يمكننا الاحتفاظ بالشمس؟‏» قالها وهو يلتفت تِلقاء لورانس الذي كان يقطف بعض الأقحوان ويتأمّله في إمعان تام، فأكمل سيدونا مضيّقًا جفنيه بسبب الضوء الساطع المسلّط على وجهه ‏«أعني أن نتمكن من اختزال الجمال في أذهاننا، أن نشعر بكل شيء بمجرد أن نتذكره‏».

لاحت على لورانس أماراتٌ تعيسة من الكمد، فرفع رأسه وهو يمسح بتلات الأقحوان بأنامله الغليظة، ثم غاص مليًّا فيما قاله سيدونا، وأخذت تفاصيل خياله المنفصل عن الواقع بالنمو في رأسه حتى قال مجيبًا عقب تفكيرٍ عميق «لقد كانت ماري تحب الأقحوان كثيرًا.»

أشاح سيدونا بناظريه منكّسًا رأسه، بينما استتلى لورانس كلامه ‏«الطبيعة لا تُختزَل في أيدي البشر يا سيدونا، وهذه نعمة عظيمة. فكلّ شيء تطاله أيديهم يفقد تدريجيًّا روحه الحقيقية وجماله.»

‏«ألا تظنّ أننا جزءٌ من الطبيعة؟» نظره سيدونا بطرف عينِه ثم عاد ينظر في هدوء إلى خنفساءٍ متوسطة تحاول تسلّق حذائه الجلديّ العتيق.

‏«كلا، أؤمن أن لكل شيءٍ نقيض، كما أؤمن تمامًا أننا نقيض الطبيعة» أجاب لورانس.

‏«يقول الأب ترير أننا خُلقنا من تراب.»

‏«ليس الأب ترير من يقول هذا، بل الكتاب المقدس.»

‏«إذًا ألا تؤمن بما يقوله الله؟»

‏‏«يقول الله، أننا خلقنا من التراب وإلى التراب سنعود، بينما سترتقي أرواحنا إليه. لا أعتقد أن أجسادنا هي ما تسبب كل هذا الخراب في الكون.»

لم يحر سيدونا جوابًا فأتمّ لورانس قوله ‏«كما لا أعتقد أنه يمكن خلق نقيضين من ذات الصَّلب.»

‏«أواثقٌ من هذا؟» خرج صوتُ سيدونا متسائلًا بلا وعي، وعبّرت نبرته عن إيمانه المعاكس لتفكير لورانس الذي زفر في هدوءٍ وأكمل جمع الأقحوان تحت أنظار سيدونا حين قال ‏«وُلدت أمي وخالي من ذات الرحم.»

تصلّبت أطراف لورانس وتقطّعت به الأنفاس حين شعر أن تكهّناته بهدف سيدونا من حديثه صائبة، لكنّه بقي صامتًا حتى حينما عاد سيدونا يكمل ‏«ومع ذلك، كانت أمي من أطيب الكائنات، أما خالي، فكان من أدنئها. أحدهما وهب الحياة، والآخر سلبها.»

»

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
محبرةُ الأرواح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن