الفصلُ الثـاني - سيلٌ من الذكريات

193 4 0
                                    

كان القناص يحملُ هاتفهُ وتفوّه بتلك الكلمات بصوتٍ خافتٍ من أعلى أحدِ المباني المحيطة بالميناء محدثاً رئيسهُ ثم أغلق الخط .

في حركة ناتجة عن أمرٍ تلقاه ، وجهَ القناصُ المكبر َ نحو رأسِ ماثيو ..
إرتعدَ جسدُ القناص ، وبدأت يداهُ بالإرتعاشْ
" هل هوَ ينظر نحوي ؟ كيف ذلك ؟ أنا بعيدٌ عنه بأمتار .. ماهذه النظرات التي يرمُقني بها .. هاتينِ العينين الزرقاوتين ذو الخطّ البنفسجي .. ماهذا الفتى بحقِ الجحيم ؟ "
ظل يتراجعَ بعيداً عن بندقيةِ القنص مرتعشاً ..
حتى إرتطم بشئ صلبٍ خلفهُ .
إتسعتْ عيناهُ رعباً وقبلَ أن يتلفظَ بـكلمةً أخرى تناثرَ اللون القُرمزي ليُزيّن لوحةً فنيه جديدة رسمها " آرثر "
حارسُ ماثيو الشخصيُّ ذا الشعرِ الأشقر و العينينِ الزرقاوتين .
----------------------------------------
نظرتُ نحوَ ذلك الشخص الذي يراقبنا منذ أن وصلنا إلى هُنا ، إختفى فجأةً ثم ظهرَ عزيزي آرثر بتلكَ الأبتسامةِ البريئةِ ملوحاً لي بـ يُمناهْ .
إنهُ الوحيدُ الذي يمكنني الإعتمادُ عليه من بعدِ عقلي وقُدراتي .

اوه ،
و أخيراً قد جاء العمُ جون ،
سيارةٌ فارهةٌ كالعادة ذات ستائرَ حمراء تحجبُ إيميلي .
يبدو أنها قبيحةْ لذلك يخفون وجهها بتلك الستارة .
هاهوَ بابُ السيارةُ يُفتحْ ، فُستانُ أسودٌ حريريّ يتدلى من أسفَلِ الباب ، يبدو أنها ليست طويلة كثيراً .
شعرٌ كستنائي اللونِ قد لُفّ ليكونّ تسريحةً ڤيكتوريةً بسيطة جداً ، أحمرُ شفاهٌ مخمليّ و بشرةُ أكادُ أجزمُ أنها فاقتِ الثلجَ بياضاً .
وقناعٌ أشبهُ بالذي يُرتدى من قبلِ ملكات العصرِ الڤيكتوري عندما يذهبنَ إلى ملهىً ليليّ .
هل هيَ مولعةٌ بالعصورِ القديمة أم ماذا ؟
كالعادة ،
قاطعني صوتُ آلبرت ويدهُ التي هبطتْ بقوة على كتفي قائلاً
" أعتقدُ أن الأمر إستحقَ كل هذا الإنتظار ، تبدو جميلة جداً "
نظرتُ نحوه تعلوني نظرةٌ مستهزئة ..
" أنتَ لم ترى شيئاً ، يغطي وجهها قناعٌ غريب اجزُم أنها ليست جميلة فالجميلات لا يُخفينَ وجوهَهُن !"
نظر نحوي آلبرت مبتسماً ..
" لا تعتمِد على ذلك "
ثم همّ متجهاً الى السفينة لاحقاً بإيميلي .. طفلٌ ساذج !
قاطعني صوتُ والدي منادياً إيايّ
" هيا بنا ماثيو "
تبعتُه بخطواتٍ بطيئةِ الأيقاعِ تُراقص الأرضيةَ المُثلِجة .
--------------------------------------
فورَ إقترابنا من السفينة ، مدّ والدي يدهُ منزلاً الستارةَ التي بجانبي ليُغطي وجهي عن الصحفيين فقد بذل جهوداً جبارةً ليمنع الصحافةَ من تقييدِ حياتي .
ناولني قناعاً غريباً لكنه لطيف ، كان يغطي ما يحيطُ العين والجُزء العلويّ من الأنف .
إرتديتهُ وبعد ثوانٍ تقدّم السائقُ ليفتحَ لي الباب ،
أضواء الكاميراتِ بدأت بالبريق ، لم أستطع الرؤية جيداً .
أحاطَ بنا الحُراس من كل الجوانب حتى إبتعدنا .
رفعتُ عينيّ يتملكني دوارٌ من بعد كل تلكَ الأضواء ،
أمامنا شابٌ طويلُ القامة أسودُ الشعرِ و معطفهُ ذو لونٍ مماثل ، بجانبهِ رجلٌ لا يمكننِي تحديدُ عمره ،
قصةُ شعرهِ عصريةٌ للغاية كذلك ، كلتا يداه تستقر في جيوبِ بنطالهِ القماشيّ الأسود .
أمامهما كذلك شابٌ بجانبهِ رجلٌ يمكنني أن أجزمَ أنه كبير في السنِ أيضاً بسبب طولهِ ومشيتهِ و العُكازُ الذي يحمله في يسراهُ .

بعد بضعِ ثوانٍ دخلنا إلى قاعةٍ فخمة ،
كانت هنالك ثُريـةٌ معلقةٌ مملوءةٌ بالشموع تُضفي إضاءةً ذهبيةَ اللون .
ممرٌ طويلٌ مفروشٌ بسجادةٍ قُرمزيةُ اللون ،
عشرةُ طاولاتٌ على يمينها وشمالها يُغطيها قُماشٌ أبيضُ اللون يتوسطُ كل منها شموعٌ على حاملٍ ذهبي .
خلفَ تلك الثريةِ العملاقةِ يوجد بيانو أسودُ ضخم في الأعلى ، يقُود إليهِ درجٌ لولبيٌ يقعُ الى يمينهِ و آخر يشابههُ يلتفُ على شماله .
اقتربَ نادلٌ بشوشُ الوجهِ نحوناً محدثاً إيانا قائلاً ،
" سيد جون ، آنسة إيميلي دعاني آخذُ كل منكما إلى طاولته "
نظرت نحوهُ ضاحكة
" لا بأس خُذ والدي ، و أرنِي مقعدي سأذهبُ إليه بنفسي "
إبتسمَ النادلُ مُشيراً بيمناه نحوَ طاولةٍ بها هذانِ الشابان الذان كانا أمامنا .
---------------------------------------
" إنها آتية نحونا .. هل ابدو جيداً ؟؟ "
ظل آلبرت متوتراً كلما اقتربَت منا إيميلي ، كانت تمشي بصعوبةٍ بسببِ الكعبِ العالي الذي ترتديه ، كيف لإبنة عائلة ثرية أن لا تعتادَ هكذا أحذية !
وضعتْ يديها على قُماشِ الطاولةِ الأبيض يتوسطهما ذلك القناعُ الذي كانت ترتديه .
رفعتُ عينيّ ببطء نحو وجهها يتملكني فضول شديد، وقبلَ أن أرى ملامحها حتى ، قال آلبرت بصوتٍ عالٍ
" جميلة جداً كما توقعت ، هل تذكريننا آنسة
إيميلي ؟ "
نظرت نحوه مبتسمةً محمرة الوجنتين
" شكراً لك ، بالطبع أذكُركم ! أنت آلبرت و الجالس هُناك هو .. اوه "
نظرت إيميلي للأعلى محاولةً تذكُر إسمي
حقاً ؟ ألا تذكرين إسمي يا إيميلي ؟
وتذكرين إسمَ آلبرت الذي لم تلعبي معه سوى بضعِ مرات عندما كنا أطفالاً !
" هل هو مارتي ؟ أم ماكس .. لا لا ليس ذلك أيضاً "
هممتُ بالوقوف ، فكل إسمٍ تذكره أقبحُ من سابقه .
-----------------------------------
وقفَ ماثيو فجأةً مغمض العينين متحاشياً النظر إلينا أنا و إيميلي ، هل هو غاضب ؟
لا يمكن لأحد ٌ معرفة إن كان غاضباً أم لا ، ذلك البرود يغمرهُ بشدة .
جعل يمناهُ تستقر في جيبهِ الموازي لها مقترباً منا أنا و أيميلي ، تسمّرت إيميلي مكانها محمرةً الوجنتين بسبب ماجرى .
مرّ مابيننا بخطواتٍ بطيئة متجهاً نحو طاولةِ المشروبات .
" ماثيو "
قالتها إيميلي بصوتٍ مرتفع تملأهُ البهجة ، ثم أردفت
" ماثيو .. صحيح ؟ تذكرتُك "
رفع ماثيو يُسراه ملوحاً دونَ الإلتفات
" لا يهِم ، الفتياتُ المدللات لا يحفظنَ سوى أسماءِ مصممي الفساتين وماشابه .."
إحمرّ وجه إيميلي غضباً ..
" لستُ مدللة "
توقف ماثيو ثم إلتفت نحوها متسائلاً بإستهزاء ..
" أخبريني إسم نوعٍ أمريكي لطائرة حربية شبحية ؟ "
فجأةً عم الصمتُ القاعة والجميع يحدِقُ بنا ، ينتظرون إجابة إيميلي التي ستدخل في مشاريعِ عائلاتنا لتجارةِ الأسلحة .. هل تعرفُ شيئاً كهذا بالفعل ؟
تلفظت إيميلي بعد صمتٍ طويل
" إف 22 رابتور ، طولها 18.92 متر ، باعُ جناحها 13.56 متراً تتبعُ السرب السابع بقاعدة لانجلي الجوية سابقاً "
صفقَ الجميعُ بحرارةِ لإيميلي ووالدها كانت تغمره سعادة عارمة .
أخرجت إيميلي ماكانت تكتمهُ في صدرها من هواءٍ جرّاء التوتر الشديد و عادت لكُرسيها .
هل هذا يعني أن عداوةً ستبدأ بينهما ؟
-------------------------------------
فور إنهائي ما قلتْ ، تعالى صوتُ التصفيق من كُل زوايا القاعة .
كان آلبرت يقول بعض الكلمات گ تهنئة ، على ماذا ؟
شئ لا أستحقه ، هاهو يدير ظهره مبتعداً نحوَ طاولةِ المشروبات ..
ماثيو .. أنت .. تتذكر ؟
أردتُ الركض نحوهُ و سؤاله ، لكن شئ ما حملني للإتجاهِ المُعاكس لهُ تماما .. نحو الكرسي خاصتي .
أنطلقت كلمةٌ من شفتيّ رغماً عني
" الفراشة " .
-----------------------------------
يتبع ..
نلتقي غدًا 🤍

عائدةٌ إليكَ - Back To YouWhere stories live. Discover now