الفصل الرابع : أراني .. أراك !

118 2 0
                                    

" أراني أراك "
جُملة عميقة مُقتبـسة من ديوان الكاتب مُصعب يونس.
إنها تهوي إلى الأسفل أمامي مباشرةً ،
تناثرَ شعرها الذي تلون بالكستناء كما رأيت دماءَ العمِ جون المخمليةَ تتناثر فور إطلاقِ النار .
وكأن القيود التي كانت تمسِكُ بي قد تحطّمت ،
ركضتُ مسرعاً لأُمسكَ بها فإن إرتطمَ جسدها بالأسفل فَـموتها محتومٌ حينها .
إستطعتُ تدارُك الموقفِ و جعلها تستقرٌ بين ذراعي ، تنفستُ الصعداء فقد كان ذلك وشيكاً ..
قد زاد ميلانُ السفينة فجأة مما هوى بجسدي بدونِ سيطرةٍ مني .
رفعت ُعينيّ للأعلى حيث جسد العمّ جون ملقىً على الأرض ، ماهذا الموقف الصعب !
هل أعودُ حيث جسد العم جون ؟
نظرتُ نحو إيميلي مغمضةِ العينين ، فيمَ كانت تفكر عندما هاجمته بتلك السكين الصغيرة ؟
" ماثيو أنا أثِقُ بك "
صوتٌ من الماضي ، قد طرق مسامع ماثيو ..
همّ واققاً حاملاً إيميلي راكضاً بإتجاه البوابة ،
لتتهاوى السفينةُ أكثر وتتزحلق قدمُ ماثيو ،
عادَ واقفاً متجهاً نحوَ البوابة ولكن ..
ما كان لا يعلمهُ أن مسدساً مصوباً نحوه ،
يتصيدُ صاحبهُ اللحظة المناسبة ،
وماثيو المتعبُ في مرماه كالفريسة الضعيفة .
--------------------------
" لن نتحرك حتى يأتي ماثيو ! "
صرخ ميشيل في وجه آرثر غاضباً ..
عضّ ارثر شفتهُ السفلى غضباً حتى نزفتِ الدماء ،
" ماثيو بحق الجحيم أين أنتَ ؟ هل يُعقل أن ؟
هل أخطأتُ بالأعتماد عليه لهذه الدرجة ؟ "
فجأةً و الجميع ينتظر ..
ظهر جسدٌ مسرعٌ من المخرج ،
" إنه ماثيو ! "
قالها ميشيل ..
كانت سُترةُ ماثيو البيضاءِ تغمرها الدماء ،
إقترب ماثيو من آرثر ناظراً نحو عينيه قائلاً وهو يلتقط ُ أنفاسه بصعوبةٍ بالغة ،
" إيميلي .. مصابة .. خُذها الى المشفى حالاً عليّ العودة "
حمل آرثر إيميلي قائلاً بغضب شديد
" أنت تنزف ، إصعد إلى قاربِ النجاةِ حالاً ! "
" يوجد قارب آخر هناك ، سأعود بسرعة .. أسرع بإيميلي إلى المشفى ! "
" ماثـ .. "
لم يلبث آرثر أن يكمل جملته ُ تلك إلا وماثيو قد كان مبتعداً عنهُ ..
-----------------------
دخل ماثيو القاعةَ مجددا ً مسرعاً نحو ذلك الدرجِ الذي بدا أشبهَ بسلمٍ بسببِ ميلانِ السفينة الشديد .
وصلَ حيث يفترضُ وجود جسدِ والد إيميلي لكن ..
لا شئ !
صُدِم ماثيو ثم راح يبحث لكن ميلانَ السفينةِ المُتزايد لم يساعدهُ على ذلك ، لمَح عقداً من اللؤلؤ مرمياً ، إتسعت عيناهُ متذكراً أن إيميلي كانت ترتديه !
حمله ثم عاد مسرعاً .
فور إقترابهِ من قارب النجاة طرأ إنفجارٌ آخرٌ على السفينة مما جعله يهوي للخلف بسرعة ،
لحسنِ حظهِ أمسك بمقبضِ البابِ المفتوح سريعاً .
فحأةً شعرَ برياحٍ قوية قادمة من الأعلى ، كانت بسبب المروحية التي تقتربُ منه .
نظر ماثيو للأعلى ليرى آرثر يقترب منه ماداً يدهُ نحوه بحذر ، أمسكها ماثيو صاعداً للمروحية .
تأوه َ ماثيو فور جلوسه على الكُرسي ،
نظر نحوه آلبرت بغضب
" لمَ عدت ؟ أنت مصابٌ بطلقة في كتفكَ و أخرى في قدمكَ اليسرى ! "
أسندَ ماثيو رأسه للوراء لاهثاً ، مغمضاً عينيه ببطء من الألم ليذهب لعالمِ اللاوعي .
بينما آرثر يناظرُ السفينةَ المحترقةَ الغارقه ،
بنظرةٍ مِلؤها الحذز ،
ملؤُها علمٌ بأن شيئاً خطيراً سوفَ يبدأ .
إنتقل بـبصرهِ نحوَ سيارةِ الإسعاف التي ينقلونَ بها إيميلي مضيّقاً عينيهِ هامساً
" تلكَ الفتاة ْ .."
- صباحَ اليومِ التالـي -
نورٌ قويٌ يتخلل عينيَ ،
رائحةُ المشفى ،
أ..أين أنا ؟
رأسي .. مالّذي ..؟
مرّت مقتطفاتٌ أمام عينيّ مسرعةً لِـما حدث قبل ساعات .. مما جعل إسمها أول ما أتلفظُ به !
" إيـم .. إيميلي ! "
يبدو أنني قُلتها بصوتٍ عالٍ كفاية ليجعل الممرضة تهرعُ إليّ .
" سيد ماثيو لقد إستيقظت ! "
----------------------------
ما .. هذا المكان ؟
أين أنا ؟
إنها .. تُمطر !
أبي !
إنتظر .. لمَ أنت تبتعدُ هكذا ؟
إنتظرني !
نورٌ قويٌ قادمٌ من شِمالي ، سيّارةٌ مُسرعة ..
أسدلتُ ستارةَ عينيّ فورَ إقترابِ ذلك الضوء المُخيف ، منتظرةً الموت !
هل مِت ؟
فتحتُ عينيّ ببطء ، شخصٌ ما .. تُحاوطني ذراعاه !
شعرٌ أسود ، عينانِ زرقاوتين !
مهلاً .. الآن هو يبدو أصغر سناً !
لم جسديَ .. صغيرٌ أيضاً ..؟
---------------------------
فورَ تفوَه الممرضةِ بتلك الجملة ، رمقها ماثيو بنظرتهِ الباردة كالعادة !
عمّ الصمتُ قليلاً حتى كسَرتهُ الممرضةُ قائلة بتوتر
" سأخبر السيد آرثر على الفور "
ثم همّت راكضة نحوَ الباب ، هرباً من برود نظراتِ و صمتِ ماثيو المخيفين .
إنتقل ماثيو ببصرهِ نحوَ الطاولةِ التي بجانب سريرهِ ليرى عقد إيميلي الذي أخذهُ معه .
حملَ جسدهُ المتهالكَ ليغدو جالساً على سريرهِ ،
نظر ليديه التي كانت تملأُها الحُقن ،الأنابيب وبعض الكدمات !
نزعها واحدةً تلوَ الأخرى ، ثم حمل قدميه متألماً لتلامسَ أرضيةَ المشفى الباردة !
إستجمع قواهُ ليقف مسنداً يدهُ إلى الحائط ،حاملاً بيدهِ الأُخرى عقدَ إيميلي .
خرج بخطواتٍ بطيئة من غرفتهِ ، مُميلاً رأسه يميناً يساراً وكأنه يبحث عن شئ محدد !
فجأةً شعر بأن أحدهم يحتضنُ قدميه فنظر للأسفل ،
فإذا بها طفلةٌ صغيرة ، لها عينينِ بلونِ العسلِ بنيةُ الشعر تناظر ماثيو الطويلَ ببراءة !
ظلّ ماثيو ينظر نحوها مستغرباً
" هـ .. هل أنتِ بخير ياصغيرة ؟ "
" هل تساعدني في البحث عن صديقي ؟ "
" صديقُك ؟ "
" إنه بهذا الحجم .."
ثم أشارت بيديها لحجم يديّ ماثيو !
نظر نحوها ماثيو متردداً ..
" حسناً .. كيف يبدو صديقك هذا ؟ "
" إسمهُ ( كلاود ) .. إنه بنيّ اللونِ ذو ربطةٍ حمراءَ في عُنقه "
إبتسم لها ماثيو قائلاً
" إذَن ، أين آخر مرةٍ رأيتِ كلاود ؟ "
أمسكتِ الصغيرةُ يدَ ماثيو جارَةً إياهُ خلفها ..
وصلتْ عندَ كُرسيٍّ أبيضُ اللونِ قائلةً بحزن
" وضعتهُ هنا .. ثم رحل "
نظر ماثيو نحوَ عينيها المملوءةِ بالدموع .
وضعَ يدهُ على رأسها ببطء قائلاً
" سنبحثُ معاً ونجدهُ ، أعدُك "
رفعتْ عينيها نحوهُ فردّ على تلك النظرةِ البريئة بإبتسامةٍ لطيفة !
قرر كلاهما الإنقسام للبحث بشكلٍ أسرع ، لمح ماثيو أحدَ الأطفالِ يلعبُ بدميةِ دبٍ مطابقةٍ للتي وصفتها الفتاة .
إقتربَ ماثيو من َ الفتى الصغير ببطءٍ سائلاً
" هل هذا الدُب لك ؟ "
نظر نحوهُ الفتى بغضب
" و ما شأنُك ؟ "
" ماذا ؟ أنا أكبرُ منك سناً ياهذا ! "
" أجل أعتذر سيدي .. العجوز "
" أيها الـ.. "
همّ الصغير هارباً قبل أن يُكمل ماثيو جملتهُ ، تبعهُ ماثيو محاولاً إمساكهُ .
بعد دقائق من الركضِ إرتطم الفتى الصغيرُ بأحدهم !
توقف ماثيو ملتقطاً أنفاسه ..
" و أخيراً ! "
سيّدي أفلتني أرجوك .. أرجوك
" سيد ماثيو ، هل حقاً ترغب فاللعب في هكذا ظروف ؟ "
قالها آرثر بهدوءٍ مبتسماً حاملاً الطفلَ بيده اليمنى .
نظر نحوه ماثيو بغضب " أريدً اللعبةَ فقط ! "
نظر آرثر نحو الصغير
" هي ليست لكَ صحيح ؟ "
أومأ الصغير برأسه إيجاباً بحزن شديد .
إبتسم لهُ آرثر قائلاً
" سأشتري لكَ بعض الحلوى إن أعطيتَ هذا الدب البنيّ لهذا الفتى ذا الشعر الأسود "
ناول الصغير اللعبة إلى ماثيو ، رمقَ ماثيو آرثر بنظرة بلهاء قائلاً
" إسمهُ كلاود "
رفع آرثر حاجباه متعجباً لقولِ ماثيو .
ثم همّ ماثيو منصرفاً
" الوداع "
" غُرفة إيميلي الأولى فـي الطابق الرابع "
أكمل ماثيو سيرهُ دون الإلتفات .
شعرَ آرثر بأحدهم يشحُ قُماش بنطالهِ فنظر لأسفل
" سيدي .. الحلوى "
قالها الطفل بنظراتٍ حزينة لخسارتهِ الدب اللطيف .
وضع آرثر يده على وجهه هامساً لنفسهِ
" يـاويْلي ! "
------------------------
رفعتْ إيميلي جسدها الهزيل عن السريـر ناصعِ البياض ،
أشعةُ الشمس تخللت ستارَ النافذةِ شبه المُعتم ،
كانت لإيميلي نظرةٌ باردة ، تحدق نحوَ اللاشئ .
" آنسة إيميلي ، أنتِ مستيقظة ؟ "
رفعت عينيها ببطء نحو الباب ، فإذا بهِ الطبيب .
" إيم.. إيميلي "
هذا ما نطقته إيميلي بصوتها المُتعب المسموعِ بصعوبة .
إرتفعَ حاجبا الطبيب بصدمة شديدة
" هاه ؟ "
----------------------
" شكراً لك سيديّ "
قالتها الصغيرة ببهجة شديدة .
" لا شُكر على واجب ، إحذري أن يضيعَ منكِ كلاود مجدداً "
مدّت الطفلةُ يدَ كلاود الصغيرة َ نحوَ ماثيو ،
نظر نحوها ماثيو بعينيهِ الأشبهَ بالبحر فورَ ملامسةِ شعاعِ الشمس إياهُما .
مد يدهُ ببطء و أمسكَ يدَ كلاود ، تسارعت ضرباتُ قلبهِ بشكل مفاجئ !
" هـ .. هذا الشعور .. ذاتُ المشهد .. أنا .. "
في رحلةٍ سريعةٍ قرر عقله الباطنُ خوضها دون سابقِ إنذار ، عبر المررات العصبية المُهترئة ..
كان هناك طفلانِ في ذاتِ الحديقة الخاصة بالمشفى ،
أمام ذاتِ النافورة !
طفلةٌ ذات شعرٍ كستنائيٌ يكسِي كامل ظهرها ،
وفتىً ذا شعرٍ أسوداً كالليل ،
يُمسك كلٌ منهما بيدٍ لعبةٍ تفصلُ بينهما .
" ماثيو .. أتعدُني شيئاً ..؟ "
" بالطبع "
إلتفتتِ الطفلةُ ونظرت له بعينيها البنّيتين
" أن .. نبقى أصدقاءً .. دوماً ! "
ناظرها الفتى بثقةٍ كبيرة قائلاً
" سنبقى أصدقاءً دائماً ، و سأحميكِ طول الوقت .. إيميلي "
إبتسمَتْ إيميلي لهُ فورَ غروب الشمس ،
فملأتِ الأرجاء بأنسجتها الذهبية .
" ماثيو أنا أثقُ بك "
قطع شريط الذكرى هذا صوتُ آلبرت الفزِعُ
" ماثيو .. إيميلي .. مستيقظة !"
إتسعَت عيـنا ماثيو فورَ سماعهِ الخبر ،
دونَ شعورٍ منه همّ راكضاً دافعاً آلبرت بعيداً ،
" مُستيقظة !
سأعرفُ هويّة من تسبَب في هذا بالتأكيد، فهي قد رأتهُ ! "
-------------------------
يتبع ..🤍
أعتذر عن هذا التأخير نظرًا لخروج الظروف عن السيطرة !
أتمنى أن ينال أعجابكم ✨
نلتقي في الغد

عائدةٌ إليكَ - Back To YouWhere stories live. Discover now