الصِفرية <٠,٢>

2.3K 125 36
                                    

_ بسم اللّٰه الرحمن الرحيم ✨

'سحبني من شعرِي إلى الجحيمِ يا أبي، قَبلني وضربني وجامعني بالغصبِ يا أبي، قامَ بخيانتي مع الصهباءِ والشقراءِ، وعاد إليّ، ثمَ رحل، وأخذ قلبي معهُ يا أبي.'

صدى صوت المُغنية المُثير في أسوء حانة من الدركِ الأسفل حيثما كمن بها مع رجاله، آسرًا بخشونتهِ كل ركنٍ من زوايا الهمود والهُجران، فكان في واحدٍ من أهمِ إجتماعاته لمناقشة إحدى الصفقات الكبيرة. الجميع.. حرفيًا الجميع كان راكدًا خارسًا بأعينٍ لا ترمش عنه، وأذنٌ لا تغفل عن قولهِ، بينمَا هو، ظل يتحدث بمنتهى الدكتاتورية فارضًا قواعده ودستوره وكأنمَا رجاله مجرد كراسٍ لا أكثر، مُترأسًا المجلس والزعامة والقانون بمنتهى الطغيان والهيمنة حتى إنعدم عنه الشعور، لكن فجأة تبدل الوضع بعدما بدأت ألحان الأغنية وإنتشر سحرها على طولِ شرايينه وأعضاءه الحسية، فصمتَ ونسى لدقائق كيف يتنفس، وكيف يتحدث، كيف يتكلم ويقتل، الصوت سلبه أنفاسه وحواسه كافة مُسببًا إنقلاب في كيانهِ وحينها راقبهُ المُستمعين بتوجسٍ، مُنتظرين نوبة جنونه المُعتادة.

صر چون أسنانه بألمٍ وسط أغنيتها وغرقت عيناه في بؤرة مُعتمة لا تنتمي لروح سواها، فوضع يده على فمهِ كي لا يقتل الآناس من حوله ناهشًا أياهم لعله يجدها بينهم، ربمَا لا يرى مغنيتها ولمْ يُبصرها بعينيهِ القاتمتان لكنهُ شعر بها حية فيه..

في كل خلية تـُحييه.

"سيدي لا أعلم ما الذي يُزعج سيادتكم لكن مؤدية الأغنية ماتت، وما نسمعه الآن ما هو إلا تسجيل قديم."

يقول لهُ الوغد أن السافلة ماتت ولمْ يبقى منها سوى شريط، لكنها لمْ تمت.. لازالت فيه.. في ثناياه.. في روحه وفي أنفاسه.. في نبضهِ اللعين وشتاته..

بل ومُعتقداته..!

سيڤار لمْ تمت.. ولمْ تتلاشى.

حاول أن يناقض يقينه بإنتمائها لذلك المكان من بعده، فكل الحقائق تنفي وجودها في بلاده بل في ذلكَ الثقب الرچيم، لكن الروح تدرك نفسِها، وهي روحه.. فكيف لا يعرفها من صوتِها؟

'أنتقمتُ لشرفي يا أبي، لكنني أحببته في النهاية، أحببته ولمْ أعد أحبه.. وكيف أحبه؟، وهو أخذ قلبي ورحل.'

لعن سلالته من تحت أنفاسه وزئر مُحاوطًا عنق الحيوان الكذاب ثم غمغم بنبرةٍ قادمة من أسوء بقعة في مشاعرهِ الحالية:

"أين هي؟.. أين اللعينة التي تؤدي تلكَ الأغنية؟"

"سيدي كما أخبرتك، ذلكَ تسجيل قديم لمُغنية ماتت منذ زمن."

'وشمهُ أسفل اذنه كان لذيذ، والوشم على ظهرهِ كان مُخيف، يا أبي أنا المرأة الوحيدة التي أحبت ذلك الوغد من أعماقِ قلبها.. كان مُصارع، للظلام ولي ، لكنهُ رحل.'

تبًا لي.. تبقى فقط أن تذكر أسمه اللعين، الفاسقة شردت سيرته بالكامل لذا أدرك أنها هي، بنسبة كبيرة لمْ تكن سواها، لذا سيبدأ رحلته الطريفة بالبحثِ عنها في بيوت الدعارة وإن وجدها، سيقتل تلكَ الباغية، سيقتلها وسيمزق عنقها المُترهل مُنتزعًا شريانها النابض بإبتسامة من الأذن للأذن.

أسودت عيناه تاركًا جسد الوضيع ثم لعن من تحت أنفاسه للمرة الثالثة على التوالي رافصًا الطاولة، وأخرج سلاحه قابضًا إياه بوعيدٍ وكأنما يراها مما سبب نوبة هلع في المكانِ، سيقتلها، سيقتل تلكَ السافلة، فقط إن وجدها..

وسيجدها.!

لهث ضاغطًا أسنانه أكثر حتى كادت تتهشم ثمَ مسح جانب فمه وأبتعد عن المجلس ريثمَا يبتلع غضبه المَكبوت ناحيتها، وفي المُقابل راقبه ستيڤ بوجهٍ مِصفر هامسًا لتوماس:

"تبًا لي تبًا لي، أنا أستقيل."

نهض بحذرٍ وحاول أن يتلصص بعيدًا عن أبصار زعيمه لخارج الحانة، فقال لوكاس بلا إكتراث:

"إلى أين؟"

صوت الفَتان المُرتفع كان القشة التي قسمت ظهره بعدما لفت أنتباه البعض، فرحل بخطواتٍ شبة راكضة وكأنمَا تم ألتباسه في واقعة أثناء تمتمته بصراخٍ مَفزوع:

"إلى الجحيم.! ،أنا أستقيل، لكنني سأبول أولًا كي لا أبلل سروالي اللعين ثم سأغادر القارة كلها وإلا فتاتي المِسكينة لن تكون أمًا بسبب سيدي اللطيف."

ضحك كريس هازًا رأسه بيأس بعد ركوض الخنيث الجبان، ثم رفع كأسه للوكاس، مُتمتمًا:

"نخب الجحيم المُقبل على رؤوسنا."

راقبه لوكاس بجمودٍ لوهلة، ثم لعن تحت أنفاسه رافعًا كأسه فِي المُقابل:

"نخب البومة التي نحست سيرتنا حتى خسفت بنا الأرض."

***

صفرية أطول قليلًا من الصفرية الآولى.. يمكنكم أعتبارها تمهيد للبداية لأن ميعاد الفصل الأول يقترب -تبقى فقط تعديله-.

أعجبتكم فكرة الصفرية؟ -هي من أبتكاري-

دمتم سالمين في صحةٍ وحب.♥️

After the end	 || بعد النهايةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن