الفصل الثالث 💁🏻‍♀️🤍

284 27 14
                                    

كانت 'ريوانة' تُحاول أن تسرع في خُطاها حتى تستطيع اللحاق بِمريم، ولكن لم تمنعها تلك السرعة من نظرات الإنبهار التي كانت توزعها على ما تراه عيناها فَهي كانت تنبهر بأقل أشياء كالأشجار التي في مٌعظم أماكن هذا الشارع والقطط المتواجدة بكل مكان، ولكن لم تدم تلك النظرات طويلًا، وتحولت جميع تعابير وجهها من الإنبهار إلى الإشمئزاز!
وقفت وهي تنظر إلى هذا المنظر بإستغراب كبير..
وقوفها المفاجئ أدى إلى وقوف مريم أيضًا، والتي قالت بتساؤل مُندهش:
- في ايه يا ريوانة؟ ايه إلي حصل غيرتِ رأيك ولا ايه؟
أشارت ريوانة إلى صندوق كبير باللون الأخضر، ومُحاصر بأكوام من الأكياس والتي تبعث منها رائحة كريهة، ولم تستطع ريوانة أن تتخطاها هكذا..تحدثت وهي تضع يدها على أنفها ثم قالت بإشمئزاز:
- ألا تصل الرائحة لأنفك؟ ما هذه الرائحة كيف تسطيعون التعايش مع هذه الروائح القذرة..
نظرت مريم إلى المكان المُشار إليه والذي لم يكن سوى -صندوق القمامة- المُخصص لقريتهم..
تحدثت مريم مُوضحة لها، وقد أوشك صبرها على النفاذ بسبب تأخرها على موعد دروسها:
- ده الصندوق بتاع الزباله يا ريوانة، مش عارفة أفهمك إزاي يعني أي حد بيبقى عنده مُخلفات أو قمامة زي ما بتقولي عليها..بيجيبها وبيرميها فيه.
أشارت ريوانة إلى الأرض تحتهم وهي ما زالت مستمرة على تعابيرها المُشمئزة، ثم أردفت بذهول:
- ولكنهم لم يضعوها في الصندوق كما تقولين، بل بعثروها حول الصندوق في كل مكان!
ثم تحدثت بإنفعال وقد علت نبرتها قليلًا:
- أتعلمين كم الأمراض التي من الممكن أن تحل فوق رؤوسكم بسبب هذه الفوضى المُقززة..
لفت أنظارها أثناء حديثها حقيبة سوداء بلاستيكية كبيرة ومن الواضح أنها مليئة بالقمامة.. فَأضافت قائلة:
- انظري هذه أيضًا، تلك فقط يُمكنها أن تقضي على بلدتك بأكملها..
نظرت مريم إلى الحقيبة ثم أعادت أنظارها إلى ريوانة، ثم تحدثت بإحراج:
- بصراحة دي بتاعتنا!
وأضافت بإنفعال طفيف:
- وبعدين دي حاجة عادية يا ريوانة أومال هنرميهم فين يعني..
كانت ريوانة تنظر لها بصدمة، فهي لم تتوقع أن تكون مريم مثلهم! بل وتدافع عنهم أيضًا..أثناء تفكيرها تفاجئت أن الرائحة لم تعد تُضايقها الآن! الرائحة لم تختفي ولكنها إعتادت عليها.. حسنًا لقد تفهمت موقف مريم قليلًا، لقد اعتادوا على الروائح الكريهة والمناظر الفوضوية حتى أصبحت لا تُضايقهم..ومن كثرة إعتيادهم لم يُحاولوا تغييرها أو تجميلها، فَمن إعتاد السيء لا يبحث عن الجيد!

هدأت قليلًا ثم تحدثت بتوضيح حتى تفهم مريم مقصدها:
- أنا أقصد أن تضعوها في مكانها، يوجد صندوق كبير يكفي جميع القمامة..لماذا تتركون الصندوق وتلقونها بجانبه؟
سحبت مريم يد ريوانة لتُحركها حتى تلحق درسها، ثم وضحت لها وهي تمشي:
- آه أنا فهمتك كدا..بصي يا ريوانة طول ما انتِ ماشية في الشارع هتلاقي حاجات مرمية في الأرض، الناس بتكسل تروح ترميها في الصندوق فَبيرموها في الأرض..
نظرت لها ريوانة في إهتمام وهي تتسائل:
- ولماذا لا يُفَرض عليهم عقوبات؟ سيخاف الجميع بعدها وسيضعوها مكانها.
ضحكت مريم بسخرية، ثم أردفت:
- يعني هيسيبوا كل حاجة بتحصل وهيفرضوا عقوبات على دي؟
تحولت نبرتها سريعًا إلى الجدية، فَأضافت قائلة:
- بصي يا ريوانة في حاجات كدا بتبقى مش محتاجة عقوبات ولا غرامات علشان نبطلها، دي حاجة محتاجة تطلع من جوانا إحنا..لازم نقرر إن المكان بتاعنا يبقى كويس ونسعى لِده فَبالتالي هيتغير ويبقى كويس فعلًا..
تنهدت تنهيدة مطولة ثم تابعت بأسى:
- المكان ده جميل جدًا بس إحنا إلى دمرناه يا ريوانة يبقى لازم إحنا إلى نصلحه!
نظرت لها ريوانة بإعجاب وسعادة، فَهي اختارت مريم لأنها رأت هدوئها وعقلها الكبير أثناء مراقبتها لها، ويبدو أنها أصابت في إختيارها، ألقت نظرة سريعة حولها ثم تسائلت:
- ومتى ستتغيرون يا مريم؟ يجب أن يبدأ أحد منكم وسوف يُقلده الآخرون.
تحدثت مريم وهي تُحرك رأسها بالإيجاب:
- أنا عارفة ده كويس، في حاجات كتير هتتغير لو حد واحد بس أخد خطوة إيجابية، بس إحنا شعب كسول شوية يعني كل واحد مستني الباقيين هما إلي ياخدوا الخطوة..
نظرت لها ريوانة ثم أردفت بتساؤل:
- ولماذا لا يأخذها هو؟
- ما قولتلك إحنا شعب كسول، وممكن تضيفي حاجة إننا سلبيين كمان!
كان هذا رد مريم البسيط في عدد كلماته، ولكنه مُصيب في معناه..بداخل مريم الكثير من الكلمات المُصيبة والذي إذا سمعها الجميع لتغير الكثير، ولكن كلماتها ستظل حبيسة عقلها، و مؤخرًا أصبح لديها القليل من المستمعين!
توقفت مريم مرةً واحدة ثم سحبت ريوانة وتوجهت ناحية النهر..
تشبثت ريوانة في مكانها، ثم صاحت بنبرة مذعورة، وصوتٍ مرتفع:
- لماذا تذهبين عند النهر، لا يا مريم أرجوكِ أنا لا أريد الذهاب الآن، أنا آسفة لن أتحدث عن القمامة مُجددًا..
ضحكت مريم بصوتٍ عالٍ على سذاجة صديقتها الجديدة، حاولت أن تتحدث من بين ضحكاتها، فخرج صوتها متقطع قليلًا:
- بس يا حبيبتي بطلي هبل، مش هرجعك المياه متخافيش بس هو ده الطريق.
هدأت ريوانة قليلًا ثم ثسائلت بشك:
- لا تكذبين عليّ أليس كذلك؟
حاولت مريم كبت ضحكتها، ثم قالت بصدق:
- والله مش بكذب، واهدي بقا الناس كلها بتبص علينا.
نظرت ريوانة حولها فَوجدت معظم الناس يتطلعون إليها، فَنظرت لهم بِحرج ثم أمسكت كف مريم وذهبت معها في هدوء، حتى جلسوا على مقعد مصنوع من الرخام كما يجلس معظم من حولهم.
لم تستطع ريوانة تفسير ماذا يحدث، فَنظرت إلى مريم بتساؤل ثم قالت بنبرةٍ حائرة:
- ماذا ننتظر يا مريم؟
أشارت مريم إلى الجهة المقابلة، فَنظرت ريوانة إلى ما يُشير إليه إصبعها فَوجدت شيئًا ما يُشبه السفينة ولكنها مُتهالكة قليلًا..لم تفهم حتى الأن ماذا ينتظرون، وقبل أن تسأل مُجددًا، أردفت مريم موضحة:
- دي اسمها *معدّية* يا ريوانة، هنركبها دلوقتي علشان تنقلنا الناحية التانية هناك بقا دروسي، وفي ناس كتير جدًا وبصي هتنبهري بجد..
قالت مريم جُملتها الأخيرة بسُخرية والتي أثارت فضول ريوانة وبشدة..
لم ترد ريوانة عليها واكتفت بحركة بسيطة من رأسها، ثم نظرت إلى النهر هذا المكان الذي عاشت به طوال حياتها، دار في رأسها العديد من الأفكار..تُرى ما الذي ينتظرها وستنبهر به؟ هل يوجد شيء أقبح من هذا المنظر الذي رأته وتلك الرائحة التي لا تُطاق؟ لا تنكر أنها مليئة بالحماس لِتلك التجربة الجديدة، ولكنها تخشى أن يتحول هذا الحماس إلى شعور آخر سيء!
"عارفة إن البارت مش كبير بس حقيقي كتبته بالعافية، وإن شاء الله الرابع هينزل قريب..وهستنى رأيكم جدًا♥️"
*وحاجة أخيرة أتمنى تدعوا لعمو حمدي بالرحمة*🤍
#يُتبع
#تدمير_ذاتي
#منةالله_محمود

تدمير ذاتي Where stories live. Discover now