عالم الأصوات المُزعجة، أقل ما يُمكن قوله على هذه الضوضاء المحيطة بهن في كل مكان، كعادتها كانت تستكشف ما الذي يحدث حولها ولكنها الآن فقط عرفت لِماذا كانت تقول مريم دائمًا أن هُناك ما هو أشد غرابة..
كانت تتابع ما يحدث أمامها بذهول فَهناك مجموعة من المفترض أنهم رجال ولكن هيئتهم وملابسهم لا توحي بذلك! ما هذه الملابس حقًا ولماذا ستقع بناطيلهم هكذا؟ وأثناء تمعنها بهم وجدتهم يضربون صديقهم وهو يضحك، أبعدت أنظارها وهي تمتم بذهول بداخلها ثم نظرت إلي الجهة الأخرى وجدت العديد من الأولاد أصلًا يمتلكون نفس صفات المجموعة السابقة يبدو أنها ظاهرة منتشرة بينهم، حدقت بهم لتستكشف ما يفعلون فَوجدتهم يُتابعون كل فتاة تمر من أمامهم بنظراتٍ ليست بريئة بالمرة، وفي بعض الأحيان يتطاولون بالأحاديث التي لم تفهم منها شيئًا ولكن يبدو من تعابير الفتيات المُنزعجة أنها ألفاظ سيئة للغاية!
أبعدت أنظارها سريعًا عندما وجدت أحدهم يرسل إليها نظرات لم تُعجبها ثم أشار عليها ليراها زملائه، أمسكت بيد مريم جيدًا وهي تلعن نفسها بداخلها لأنها خاضت تلك المغامرة!
وزعت مريم نظراتها بين ملامح ريوانة المذعورة ويدها الممسكة بها بشدة، ثم سألتها:
- ايه في ايه حد كلمك؟
حركت ريوانة رأسها نافية ثم أردفت:
- لا لم يحدث شيء ولكن نظرات هؤلاء الرجال أرعبتني قليلًا.
ضحكت مريم بخفوت، ثم تحدثت بسخرية:
- رجال ايه بس يا ريوانة مش بنقول عليهم رجال دول، بصي طول ما إحنا ماشيين هتقابلي من ده كتير وممكن أسوأ فَاستحملي معلش.
لم تستطع أن تفهم ريوانة مقصد مريم ولكنها لم تستفسر كثيرًا، نظرت إلى المكان الذي تنظر إليه مريم وجدته طريقًا طويلَا ذا أرضية باللون الرمادي ويمشي عليه العديد من الأشياء مختلفة الشكل بسرعة فائقة، أعادت أنظارها إلى مريم ثم تسائلت:
- إلى ماذا تنظري يا مريم؟ ولماذا ننتظر ألم تقولي أننا سنتأخر عن درسك هكذا؟
تحدثت مريم وهي مازالت ناظرة إلى الطريق:
- بختار توك توك يا ريوانة، ولازم أختار حد شكله كويس علشان متخطفش أنا وانتِ!
عقدت ريوانة حاجبيها ثم تسائلت بعدم فهم:
- ما هو التوك توك هذا؟ ولماذا سيختطفونا أنا لم أفعل شيئًا خاطئًا.
تنهدت مريم بنفاذ صبر ثم أردفت:
- التوك توك ده هو الأسود إلي بتلت عجلات هتلاقيه في كل مكان هنا.
أشارت إلى أحد 'التكاتك' حتى يتوقف، وأمسكت يد ريوانة وركبوا معًا، ألقت نظرة سريعة على ريوانة لتطمئن أنها بخير ثم أملت السائق المكان الذي سيتوجه إليه، ثم همست في أذن ريوانة لتجيب على سؤالها الأخير وهي تحاول أن لا يسمعهن السائق:
- وبالنسبة للخطف بقا فَده أسهل حاجة دلوقتي ومنتشر أوي ومش لازم تكوني عملتِ حاجة غلط على فكرة..
لم تقتنع ريوانة بتلك الإجابة المبهمة فَتسائلت مجددًا:
- لم أفهم ماذا سيفعلون بنا إذن؟
ألقت مريم بنظرها على السائق فوجدته يتحدث في هاتفه ولا يسمعهن، فأردفت بصوتٍ منخفض:
- حاجات كتير منها سرقة الحاجات إلي معاكِ مثلًا، هياخدوا أعضائك! وحاجات أبشع من كده كتير تحبي أوضح أكتر؟
احتضنت ريوانة نفسها وهي تنظر إلي مريم بملامح مشمئزة من هذا الحديث، ثم قالت بذعر:
- ماذا أعضائي! أيمكنني العودة إلى أمي؟ لم أتوقع هذا أبدًا صدقيني.
ضحكت مريم بخفوت ثم أمسكت يد ريوانة حتى تُطمئنها قليلًا:
- ما أنا قولت كده من الأول..عمومًا متخافيش مش هيحصل حاجة وهترجعي سليمة.
ثم تابعت بغرور:
- محدش هيقدر يكلمك وانتِ معايا متخافيش.
ضحكت ريوانة على هيئة مريم وهي تُحدثها، ثم قالت بسخرية:
- إنني أخاف عليكِ يا مريم، أنا لا أعيش هنا ويمكنني الرجوع إلى موطني في أي لحظة! ولكن انتِ ومثيلاتك ستبقون هنا دائمًا أنتن من يجب أن يُخاف عليهن ليس أنا..
وقبل أن ترد مريم عليها توقف السائق أمام المكان المنشود، فَنزلت مريم ثم أشارت إلى ريوانة حتى تهبط هي أيضًا، ثم أعطت السائق نقوده وأمسكت بيد ريوانة واتجهت إلى مكان الدرس، فتحت محفظة النقود الخاصة بها ثم سألت ريوانة بضيق:
- ريوانة هو انتِ ناوية تطولي في الجولة دي؟ يعني هتقعدي كتير؟
حركت ريوانة رأسها بالنفي وهي تجيب:
- لا سأعود قريبًا، ماذا حدث أسئمتِ مني؟
أجابت مريم مسرعة وهي تنفي حديثها:
- لأ لأ مزهقهتش أكيد ده أنا حتى مبسوطة إن في حد بيتكلم معايا وبقوله أفكاري براحتي كده.
صمتت قليلًا ثم قالت بإحراج:
- بس الحصة إلي هندخلها دي أنا إلي هدفع فلوسها من مصروفي، علشان ماما لو عرفت إني هدفع من فلوسها لعروسة بحر هترميني أنا في البحر عندك، فَعلشان كده بقول ترجعي على طول.
ضحكت ريوانة وهي تضع يدها على فمها حتى لا تلفت الأنظار إليها ثم أردفت:
- سأعود في أسرع وقت لا تقلقي.
هبطوا معًا إلى مكان يبدو أنه مهجور من الهدوء الذي به، يحتوى على مكتب صغير وبجانبه القليل من الكراسي، ويوجد العديد من الغرف المغلقة، قامت مريم بإخراج النقود لتُعطيها إلى الفتاة التي تُسجل الأسماء، وبالطبع لم تسلم من النظرات الفضولية حول هيئة ريوانة، قامت بتسجيل اسمها واسم ريوانة والذي قامت مريم بتسجيله "روان أحمد"! وقبل أن تعترض ريوانة قامت مريم بجذبها واتجهت إلى إحدى الغرف والتي كانت مليئة بالكراسي وبها ثلاث فتيات فقط، سحبت ريوانة يدها من يد مريم ثم تحدثت بإعتراض:
- من روان أحمد تلك، أمازلتِ تُخطئين في اسمي حتى الآن؟
كانت تبحث مريم بعينها على مقعد بعيد عن الأنظار حتى تسلم من التعليقات السخيفة، انتقت أحد الأماكن وهي تدعو في سرها أن يمر هذا الوقت على خير..جلست أخيرًا ثم أشارت إلى ريوانة لتجلس بجانبها ثم أردفت بهدوء:
- أكيد مش هروح أقولها إن اسمك ريوانة وأكيد اسم باباكِ أغرب، وبعدين هي مستغربة شكلك أصلًا فكفاية عليها كده.
اقتنعت ريوانة بحديثها قليلًا، ثم بدأت بالنظر حولها فَوجدت ثلاث فتيات فقط، يُجاهدن حتى لا ينظرون عليها ولكنها لم تجد المعلم ألم تقل مريم أنها مُتأخرة! خرجت أفكارها على هيئة سؤال تلقائيًا فَتسائلت بإندهاش:
- ألم تقولي أنكِ تأخرتِ وجئنا نركض من أجل ذلك؟
ضحكت مريم ضحكة صغيرة ثم أردفت:
- أنا بحب أحضر بدري وبفضل طول الطريق متوترة كده حتى لو لسه في وقت قبل الحصة..حركات غبية متركزيش يعني.
لم تُعطيها فرصة للرد فَأضافت قائلة:
- المهم دلوقتي لسه قدامنا وقت أهو وأنا دماغي فيها أسئلة كتير جدًا، فَهستغل ده وهتجاوبيني على كله.
ثم نظرت إليها وهي تسألها:
ماشي؟
حركت ريوانة رأسها بالإيجاب وهي تقول:
- حسنًا، وأنا أيضًا لدي العديد من الأسئلة وأريد التحدث كثيرًا!
ثم تابعت مسرعة قبل أن تبدأ مريم بالحديث:
- ولكن قبل أي شيء هل معكِ شيئًا نكتب فيه كما اتفقنا؟
فتحت مريم حقيبتها مُسرعة وقامت بإخراج قلم وورقة، ثم أعادت أنظارها إلى ريوانة وهي تقول بحماس:
- أيوة مع إني معرفش هنحتاجهم في ايه، المهم أنا هبدأ بأول سؤال بقا علشان الفضول هيموتني.
نظرت إليها ريوانة بإهتمام لتحثها على متابعة الحديث، فَقالت مريم بتساؤل:
- دلوقتي أنا بتكلم بطريقة وانتِ بطريقة تانية خالص، بتفهميني إزاي بقا؟
ضحكت ريوانة على بساطة السؤال فَهي توقعت أنه سؤال عميق وسيحتاج وقت لإجادة إجابته، ولكنها أجابت ببساطة تضاهي بساطة السؤال:
- إنني أعشق مراقبة هذا العالم كنت أسبح بالقرب من أماكن تواجدكم واستمع إلى حديث النساء والأطفال، لقد سمعت الكثير حتى أنني سمعتك في يوم! وهكذا أصبحت أفهم بعض الكلمات.
نظرت إليها مريم بدهشة، تلك النظرة التي لم تفارقها منذ رؤيتها لريوانة.. ثم أردفت بتساؤل:
- يعني وأنا بكلمك بتبقي فاهماني؟
صمتت ريوانة قليلًا ثم أحابت بحرج:
- لأكون صريحة..أنا لا أفهم كل حديثك ولكنني أشعر بأهميته وأعلم أيضًا أن ليس هُناك من يسمعك.
عبست ملامح مريم قليلًا فَتابعت ريوانة مسرعة:
- لا تضايقي يا مريم، أنا هنا حتى أسمعك، سأُنصت إلى جميع حديثك ولن أرحل قبل أن تبوحي بكل ما لديكِ ونجد له حلًا أيضًا.
ابتسمت مريم ابتسامة صغيرة وأحست بدموعها تنوي الهبوط فَمسحت عينيها سريعًا قبل أن يراها أحد.
ليس هُناك شعور أقبح من التجاهل، عندما تشعر أن من حولك يملون من حديثك، عندما تكتشف أن أحلامك وحديثك المتحمس يعتبرونه هراء! في هذا الوقت فقط تشعر أنك كُسِرت من أقرب الناس إليك..نفضت مريم تلك الأفكار الحزينة من رأسها فَهي بالتأكيد لن تبكِ هنا! حاولت أن تُعيد حماسها لتُكمل هذا الحوار الشيق، فأردفت بضحكة زائفة:
- يلا نكمل
كانت تتابع ريوانة الأنفعالات الطارئة على وجه مريم، وهي تنهر نفسها بشدة على حديثها السخيف، فتداركت نفسها سريعًا ثم تسائلت وهي تضحك ضحكة متوترة:
- حسنًا، لقد قلتِ أن لديكِ حل لهؤلاء البنات ما هو إذن؟
صمتت مريم قليلًا فهي تتوتر عندما يسألها أحد عن أفكارها ويتبخر الكلام من عقلها وتُصبح كالبلهاء، أخذت نفس عميق ثم قالت بصوتٍ جاد:
- بصي أنا مش عارفة هتفهميني ولا لأ بس هتكلم وخلاص علشان الفكرة تثبت في دماغي أكتر.
نظرت إلى الورقة وقامت بكتابة "جميعنا مُتشابهات" جملة من كلمتين ولكنها تحتوي على أهم الأفكار التي تنوي مريم أن تبدأ فيها..ولكنها خائفة من أن تفشل مُجددًا! تابعت حديثها وهي مازالت تنظر إلى ما خطته يداها، ثم قالت بصوتٍ حالم وحزين:
- أكتر حاجة ممكن أوصل بيها أفكاري هي الكتابة يا ريوانة أو بمعنى أصح هي الحاجة الوحيدة إلي أنا شاطرة فيها، في حاجات كتير لازم تتغير وحاولت أغيرها فعلا بس شكلي كده فشلت..
كانت تتابعها ريوانة وهي مشفقة عليها، فأردفت بصوتٍ متحمس:
- لا يوجد شيء اسمه فشلت يا مريم إنها حجة الكسول فقط، مازلتِ صغيرة جدًا على هذه الكلمة الكبيرة، لقد حاولتِ مرة واحدة..مرتان.. حتى لو حاولتِ مئة مرة، وفشلتِ أيضًا ستستمري في المحاولة ثم تفشلي في المئة وواحد!
قالت جملتها الأخيرة بنبرة مازحة فضحكت مريم معها، ثم نظرت لها بإمتنان فَهي لم تُجرب إحساس أن يسمعها أحد ويحاول أن يُهون عليها الأمور ولكن كعادة ريوانة أتت لِتُغير حياتها..ليتها تبقى للأبد!
رجعت ريوانة إلى حالتها المتحمسة مجددًا وأردفت بأمل:
- لا أعلم ما هو الشيء الذي ستفعليه ولكنني أثق بكِ وأثق أنكِ ستنجحين به، وستنقذي هؤلاء الصغيرات المُتهورات ومثيلاتهن في كل مكان، وستصنعين منهم فتيات ناجحات لهم هدف في هذه الحياة.
ثم وضعت يدها على كتف مريم وقالت بصوتٍ حانٍ:
- كل هذا لن يحدث لو تخاذلتِ هكذا من البداية، يجب أن يروكِ ناجحة لينجحوا مثلك، عديني أنكِ ستبدأي بإستكمال جميع أحلامك يا مريم.
نظرت ريوانة لها بترقب، فَأبتسمت لها مريم وهي مازالت مُحافظة على نظرة الإمتنان:
- وعد يا ريوانة..
سفقت ريوانة بيديها، ثم قالت بسعادة:
- أحسنتِ هذه هي صديقتي الناجحة.
ضحكت مريم على شكلها ثم قالت بصوتٍ منخفض:
- تعرفي إن مفيش حد بيشجعني كده ولا في حد بيسمعني..انتِ أول حد يعمل كده!
- لأنهم أغبياء
كان هذا رد ريوانة العفوي ولكنه أضحك مريم وأعجبها كثيرًا، قالت مريم من بين ضحكاتها:
- شكرًا إنك موجودة بجد.
ابتسمت إليها ريوانة ولكنها لم ترد، فإذا سألها أحد ما أصعب شيء يُقابلك سيكون الرد على الحديث الجميل بالتأكيد.
كانت تريد ريوانة أن يُتابعوا تلك المناقشة الهامة، فتسائلت مُجددًا:
- ألا يوجد لديكِ أفكار لهذه القمامة التي رأيناها؟
أجابتها مريم بنبرة عادية بعد أن هدأت من نوبة الضحك:
- زي ما قولتلك أنا كل إلي بعرف أعمله هي الكتابة ومعتقدش إن الناس إلي بترمي الزبالة هي نفس الناس إلي هتقرأ.
إجابتها كانت مُقنعة إلى حدٍ ما، فصمتت ريوانة لتُفكر في حل، ولكن قطع تفكيرها صوتٍ غريب يأتي من خلفهم يقول:
- أنا عندي حل!
#يتبع
#تدمير_ذاتي
#منةالله_محمود
YOU ARE READING
تدمير ذاتي
Viễn tưởngذات يوم قررت إحدى حوريات النهر أن تتجول في الطرقات مع صديقتها الإنسية! ما الذي ستشاهده؟ وهل سَيُسعدها أم ستقفز ثانيةً بداخل الماء خوفًا من ما رأته؟ نوفيلا "تدمير ذاتي" جولة داخل عالمنا الصغير لِنرى كيف نُدمره بأفعالنا.. بقلم: منة الله محمود عادل ✨️