الفصل الأول

4.9K 149 45
                                    

استيقظت مي في الصباح الباكر كعادتها الدائمة لها في فترة حياتها الأخيرة، التي قد تسببت في تحويلِ حياتها تمامًا، و قد انقلبت رأسًا على عقب، شردت فيما قد كان يحدث لها قبل تلك الاحداث السيئة التي قد ملأت حياتها،  تذكرت كم كانت سعيدة فَرِحة، تعشق يومها، و تعشق تفاصيله لكن الآن كل شي كانت تعيشه قد تحول لسراب لم يعد موجود،  تذكرت ملامح والديها، والدتها التي تشبهها كثيرا و كانت دائما تفتخر بهذا الشبه حتى تغير افتخارها و اصبح حبها لذاتها،  ملامحها،و هيئتها قد ذهب و تبخر أثر سخريتهم عليها، اصبحت تشعر بعدم راحة و اطمئنان،  تذكرت دلال والدها لها و حنانه عليها الذي مهما وصفت تعلم انها لم و لن تجد مثله، كانت دائمًا تستمع أن الحياة سعادة و حزن، لكنها تيقنت الآن أن حياتها السعيدة قد انتهت، و مضت برحيل والديها، و بدأت حياتها الحزينة؛كي تجرب حِلو الحياة و مرَّها، فاقت من شرودها مع ذاتها الذي كان لبضع دقائق تعد عالاصابع  على صوت عمتها، و هي تغمغم بأسمها و تسبها بصوتٍ عالٍ حاد،  قد اخترق كلتا اذنيها كالسهام الحارقة الممتلئة بالنيران التي احرقتها، و احرقت حياتها بأكملها، تنهدت بضيق، و بدات تتنفس عدة مرات بصوت مسموع كانها تعطي لذاتها طاقة؛ كي تمضي يومها الذي تشعر أن الثانية فيه تمر كالدهر الذي عاشته من قبل منذُ أن خُلِقت، مدت زراعيها إلى الأمام بتكاسل، و نهضت متوجهة نحو المطبخ المتواجد ذلك المنزل الصغير حيث تقف عمتها، و أردفت قائلة لها بصوت خافت، ضعيف يملؤه الحزن،  و الانكسار اللذان اصبحا يلازماها دائمًا
:- نعم يا عمتو. 

اقتربت منها هناء _عمتها_ ما ان راتها تدلف المطبخ، و قامت بالقبض فوق زراعها ضاغطة فوقه بقوة شديدة جعلت تلك المسكينة تتألم، لكنها تجاهلت تألمها البادي على ملامح وجهها المنزعج كأنها لم تراه و تمتمت قائلة لها بحدة، و صرامة لم تخلو من بعض السخرية ايضًا
:- والله قال عمتو قال انتي خليتي فيها عمتو و لا زفت، فين الفطار انتِ مش عارفة إني هنزل أنا، و منار بنتي عشان تشترى هدوم لأخر سنة جامعة، و لا ايه، بلاش غيظ بقا شوية و اتلقحي جهزي الفطار و لا عشان انتِ مش هتحضري اخر سنة هتتغيري من بنتي.
اردفت كلمتها الاخيرة بنبرة مغزية، و قد لاح فوق شفتيها نصف ابتسامة جانبيه شامتة، كإنها لم تتحدث مع ابنة اخيها الراحل بل تتحدث مع عدوة لها،  بينما هي قد اغروقت الدموع ملقتيها، تشعر بأنياب حادة تُقطع في قلبها دون رحمة، او شفقة، نصل حاد غُرز في منتصف قلبها لم يرعَى الامها و جروحها السابقة فقد كانوا مازال ينزفوا حتى الآنلم يشفوا، لكنها ابتلعت ريقها بتوتر؛ كي تسعف ذاتها على الحديث حتى نجحت بالفعل، و غمغمت قائلة لعمتها بنبرة حزينة واهنة،تثير شفقة اي شخص
:- عمتو انتِ لسة مصممة انك مش هتدفعيلي مصاريف الجامعة، دة هي اخى سنة، زي منار اعتبريني منار و وافقي عشان خاطرى و انا هعمل كل اللي عاوزاه مني.

لوت هناء فمها باستهزاء قبل أن تزداد فوق الضغط على زراعها حتى صرخت متألمة و هي تشعر انه على وشك الانكسار اسفل يدها، لكنها لم تبالي شئ و  قالت  لها بقسوة، و هي ترمقها بنظرات احتقار و تقليل بادية داخل عينيها
:- لا انتي عمرك ما هتكوني زيك زي منار بنتي، و أنا متفقتش أني هدفعلك مصاريف دراسة، و تعليم أنا قولتلك هتعيشي معايا بعد ما بيتكوا اتهد، و اخويا حبيبي الله يرحمه مات هو و العقربة الحية دي اللي اسمها امك، لكن مصاريف ايه مش كفاية اني بأكلك و اشربك من معايا، و على حسابي بعد كل دة و مش عاوزة تسمعي كلامي انا عارفة انك طالعة..... زي أمك، كلامي هيتسمع غصب عنك مش برضاكي.

أعاد الحياة لي (لهدير دودو)  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن