الخاتمة

2.5K 118 11
                                    

     كان حبهما لبعض حُب صادق، يخلق من بين الحزن فرحة و سعادة؛ لذلك لم، و لن يشعروا بصعاب الحياة معًا_
                     ***************
لهثت مي بتعب من الجري خلف ابنها، و قد دوَى صوتها يصدح عاليًا بصرامة، و قد ازدادت حدتها عما كانت تتحدث سابقا، و  بدا التعب علي ملامح وجهها المُرهق؛ بسبب المجهود الشاق الذي فعلته مع أطفالها
:- تميم هعد من واحد لتلاتة لو مجيتش قدامي هنا هقول لبابا يتصرف معاك أنتَ المفروض كبير، و عاقل لكن لا حضرتك بتعلم سيليا تقلدك و تبقي شقية زيك.
تابعت حديثها و هي تطالعه بنظرات تحدذيريه،  و ترفع اصابعها عاليًا؛ لتُعد عليهم من بين أنفاسها المُتقطعة اللاهثة
:- واحد، اتنين..
قبل ان تردف بالثلاثة و تنهِي العد، كان تميم قد وصل عندها بالفعل حيثُ أشارت له، وقف أمامها مطاطأ الرأش إلى أسفل، و غمغم بحنق طفولي
:- إيه يا ماما هو أنا عملت حاجة أصلًا.

رفعت مي شفتها إلى أعلي بدهشةٍ تسيطر على عقلها من طفلها الغير هادئ، و تصرفاته، تمتمت قائلة له بغيظ، و هي تضربه بخفة فوق رأسه
:- لا أنت مبتعملش يا ملاك أنا ظالماك، و بفترى عليك اتفضل يلا اقعد هنا ساكت عشان أنتَ علمت سيليا أختك الشقاوة و بقت تقلدك و انا تعبت منكم أصلا.

اومأ لها تميم برأسه و توجه صوب الامام نحو الأريكة تحديدًا كما اشارت هي له، لكنه برطم بغضب طفولي و عدم رضا
:- اوف سيليا اتعلمت منك منك منك، اصلا هي شقية لوحدها مامي دي الصراحة.

ضيقت كلتا عينيها و ثبتت بصرها نحوه في محاولة منها على سمع ما يتفوه بِه، لكن محاولتها قد باءت بالفشل؛ لذلك أردفت قائلة له بنبرة مغزية لم تخلو من التحذير
:- ها بتقول إيه سمعني تاني كدة، سمعني يا اخرة صبري.

حرَّك رأسه يمينًا و يسارًا يجيبها نافيا ببراءة، فاتجهت هي بقلة حيلة لتجلس بجانبه و تحدثت  قائلة له بجدية
:- طب يلا يا سي تميم اتفضل نكتب الواجب عشان تعبت من الجرى و السرمحة طول النهار ورا حضرتك بتاخد جولة في الشقة.

سرعان ما ضاقت و تبدلت ملامحه الطفولية، و تحدث مغمغم قائلا لها بمشاكسة و عدم رضا
:- مش انتي اللي دخلتيني و خليتي يبقي عندي واجب استحملي بقا مليش دعوة.

قبضت فوق اطراف ملابسه تجذبه نحوها، و هي تردف قائلة له بعصبية خفيفة بعدما حاولت التحكم بها
:- ما هو أنا قليلة الأدب متربيتش عشات اتجوزت، و خلفتك و كمان بعلمك، صح ازاي اعلمك أنا غلطانة  تعالي اضربني و اسكت يا استاذ أنتَ.

حرك يدها الممسكة باطراف ملابسه إلى أسفل قبل أن يتمتم قائلا لها بنبرة طفولية، و هو يعقد كلتا زراعيه أمام صدره 
:- لا طبعا مينفعش أنتِ مهما كان ماما برضو، أنتِ شكلك عاوزة بابا بجي يزعقلنا صح؟
أردف كلمته الاخيرة بنبرة متسائلة، و هي تشعر أنها ستفقد عقلها قريبًا بسببه، ردت عليه تُجيبه بتهكم ساخرٍ
:- لا ازاي كويس إنك افتكرت كتر خيرك والله، أنا قايمة اشوف الأكل و جيالك، و مش عاوزو اسمعلك صوت عشان سيليا نايمة جوة بعد عناء، خلينا نكمل أُم الواجب المنحوس دة.
نهضت من فوق الاريكة عقب انتهاء جملتها، و بالفعل سارت متجهة نحو المطبخ لترى نتيجة طهيها خوفًا من أن يحترقَ جاءت لتعود مرة أُخري بجانبه لتساعده في عمل واجبه المنزلي مثل كل يوم، لكنها استمعت إلى صوت اصطدام مرتفع  يأتي من الغرفة التي تقبع بها طفلتها، انطلقت سريعًا بسرعة البرق تدلف الغرفة، و هي تشعر أن قلبها سيتوقف عن النبض، أنفاسها قد حُبِسَت بداخلها، خوفا علي ابنتها، لكنها سرعان ما زفرت بإرتياح و بدات تتنفس عدة مرات مُتتالية بصوت مسموع في محاولة منها لتهدئة  ذاتها و قلبها الذي كان يرتجف، فهي قد توقعت أن سيليا هي من وقعت أرضًا، لست تلك الاشياء التي كانت توجد في الخزانة انتشلتها من منتصف الاشياء، و خرجت بها  متجهة نحو بهو المنزل وضعتها فوق الأريكة لتجلس بحانب تميم أبنها، بينما هي جلست بحانبهم أرضًا تبكي بضعف و مازال قلبها يرتجف لم تجد مَن يجعلها تطمئن، تلك العادة الوحيدة التي لم تستطع التخلص منها حتى الآن، عندما يفيض بها الأمر و يزداد خوف قلبها و  قلقه لم تجد سوى البكاء هو ملجاها الدائم في عدم وجود ليث، تلك العادة بها منذ نعومة اظافرها و حتى الان لم تستطع التخلص منها، لكن عندما يكن ليث موجود يستطع هو تهدئة قلبها، ظلت تبكي يشعران بالحزن لأجلها، يشعران أنهما مذنبان،  استمعت إلى صوت المفاتيح الخاصة به، و هو يفتح الباب، لكنها لم تستطع أن تنهض و تقف في استقباله ذلك اليوم مثل كل مرة سابقة قدميها لم تستطع استحمالها، لم يمر سوي دقيقة واحدة حتى وجدته يقف أمامها يعقد زراعيه أمام صدره و هو يتطلع نحوها بقلق، يتطلع نحوها تارة يرى أثر دموعها المنهمرة فوق وجنتيها، و جلستها أرضا و هي تضم كلتا ساقيها نحو صدرها، علِم بالطبع أن قد حدث شييًا ما، و جعلها تصل إلى تلك الحالة التي هي بها الآن، فهو يحفظ أدق تفاصيلها، و وجه بصره نحو اطفاله تارة فهما قد كانا جالسان فوق الأريكة بصمت، و قد فهمَ أنهم هما سبب ما حدث، و اخيرا بعدما وزع انظاره عليهم جميعا، صدح صوته يسأل إياهم بنبرة جادة صارمة بعض الشئ لكن ايضا يتخللها الحنو فهو لم يستطع أن يقسو على أي فرد بهم تلك هي عائلته الحقيقية، هم حياته بأكملها لديه استعداد أن يضحي بعمره بأكمله ليرسم بسمة واحدة فقط على شفتي ايًا منهم
:- ممكن افهم مين اللي زعل ماما، و خلاها تعيط كدة؟
صمت تام دوى بعدما أردف بسؤاله، لم يستطع أحد منهما أن يجيبهما؛ لذلك استرد حديثه مرة أُخرى يجيب نفسه بدلًا من انتظار الاجابة الذي يعلمها هو جيدًا
:- طالما انتوا الاتنين ساكتين، و محدش فتن على التاني معنى كدى انكم انتوا الاتنين اللي زعلتوها صح و لا لا؟
كان يتحدث و هو يقترب بخطواته نحوها مع كل كلمةٍ يردفها كان يقترب منها خطوة حتى أصبح امامها مباشرة، جلس أرضا بجانبها يضم إياها نحوه و احاطها بزراعه، لتصبح داخل حضنه مستندة رأسها عليه كأنها تخبر قلبها و تطمئنه بوجوده بجانبها، تخبره أن مصدر الأمان في حياتها التي أصبحت تعتمد عليه في كل شئ أصبح الآن بجانبها، عاد بصره صوب أطفاله الواقفين مكانهم و تحدث بصرامة جادة يخشونها هما
:- اتفضلوا اعتذروا لماما، و قولوا عملتو إيه ليها خلاها تزعل كدة، بس نعتذر الأول.

أعاد الحياة لي (لهدير دودو)  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن