"
بَين غَيَاهِب الليْلِ و طَيَّاتِ الحُزنِ اشْتَعَلَ الجحيم بزرقة النار وفحيح الألم، ليس جحيم الموت، بل ما عُزز به البشر في حياتهم.
العقل، كسجن الروح وقيد الوعي، زنزانه المرء الأبدية. ربما أكبر عقاب لخطيئة البشر الأولى هو الحياة. الأنفاس التي لم نبتغيها، وبرغم بُغض الغالبية لتلك الحياة فلا أحد يجرؤ على إنهائها. ربما بسبب المجهول ، أو الأمل الزائف المُسمى السعادة. فهي كالسراب المنقشع والطاعون المتفشي ، تحمل في حروفها معاني الزيف. وتنتهي بالمعاناة ثم المعاناة.
لكن جحيم المرء يمكن تجاهله أو الانشغال عنه، إلا خاصة نارسيس كما يزعم.
فجحيمه من نوع خاص، وجلاده هو صوته، وعدوه هو أنفاسه.جلس نارسيس وسط فناء المنزل و مذكرته في يده، يطلي أوراقها بالحبر عله يناجي تدفق أفكاره، بؤبؤ عينيه تحرك بسرعة موترة حتى له، هو يحاول ويحاول، لا يجب ترك شياطينه تأخذ زمام الأمور، السيطرة هي مسؤوليته ولن يُخاطر بأذية من حوله بأي شكل كان.
ألقى المذكرة وأمسك رأسه مخاطبا نفسه أن يهدأ، لكن من يخدع؟ هو يتهاوى أكثر من أي وقت مضى. لم يعد يقدر على السيطرة الكاملة، أدرك هذا حين وجد نفسه بضع مرات أمام منزل آرين وبيديه سكين. لا يذكر كيف ومتى وصل لهناك، لكن الموضوع تكرر بضع مرات في الايام السابقة، وهو لا يذكر حتى استيقاظه أو نهوضه، ناهيك عن حمله لسكين والسير لهناك، وهناك تحديداً لا غير.
ما أثار رعبه هو استيقاظه فجر اليوم في باحة المنزل ووجود دماء على حافة السكين كالحبر المتدفق. تم استخدامها في كتابه جملة أخذت تتردد في عقله "هي حيَّةٌ، وأنتَ المَارِدْ"
أي استخلص الشر من جذوره كما يقولون. لكن أي شر يُقصد؟ وهل للشر منظورٌ واحد؟"هي توقف عن التفكير"
قالت سورينا بأهداب شبه مفتوحة، فابتسم نارسيس ابتسامة صفراوية ونهض ممسكا رأسه، نظرت سورينا لظهره حين توقف
"أتظنين أنني أستحق ما يحدث؟"
" لا أحد يستحق نارسيس صدقني، خصوصا أنت"
استدار محملقا لها ثم اقترب مثبتا عينيه في خاصتها
" وماذا يضمن لكِ عدم إشهاري للسكين بوجهكِ يومًا ما"
"سنصلح الأمر فقط اصبر و..."
"سورينا الا تفهمين! لا يمكن إصلاحي! يجب حجزي بعيدًا عن الناس قد أؤذي أحدًا! قد أؤذيها! لن أحتمل هذا "
دفعها بعيدًا ماشيًا تجاه البحر وقد تجاهل جميع محاولاتها في مناداته، فلم يعد للأمل مأوى، لم يعد للزنزانة مفتاح.
.............
" أتريدُ البعض؟ "
قاطعت آرين تدفق أفكار نارسيس اثناء سيره، ولم يخفى عنها إرهاقه الواضح
" ألا تُريد؟ إذًا فالمزيد لي"
أكملت حين لم تجد ردًا ووضعت بقية الخوخ في السلة، مبديةً ابتسامة وديعة جعلت الهدوء يعم في عقلة لوهلة، لوهلةٍ فقط.