Part 4

2.7K 191 11
                                    

ـ أنا.. أنا محتاجك تقويني، أنتِ النور اللي بينورلي طريقي، مبقاش فاضلي أي حاجة في الدنيا دِ غيرك أنتِ.
كانت مليكة تسمع لكل حرف يتفوه بهِ بملامح جامدة، عيون ثاقبة، وقلب لا يعني ما هي ذلّة العشق، سحبت يدها من يده بهدوء وقالت بتيه: لغى التوكيل! يعني أنا معلقه نفسي بيك بقالي سنتين عشان في للأخر تقولي أنك بقيت على الحديدة! يعني السنتين راحوا فشوش، سنيتن من عمري طاروا في الهوا!
كان غيث يستمع لهرتلتها هذا وعقله لم يستوعب ماذا تقول، خرج من صمته وهو يتسأل بغباء: أنتِ بتقولي أيه؟
أما الأخرى فَنفجرت فيه بغيظ وغضب: بقول اللي سمعته، أنا عايشه بحلم أني هكون حرم غيث المنشاوي، أكبر رجل أعمال في البلد، وقبل فرحنا ب شهرين تعمل حادثة وتكون مشلول! وأصبر نفسي وأقول معلش، بكرا التوكيل اللي معاك هيكون تحت أيدي أنا، وهكون رئيسة مجلس الأدارة، تيجي... تيجي قبل ما أوصل لحلمي بخطوة الاقي كل حاجة بتتهد!
كان يسمع لكل حرف تتفوه بهِ ودمه يغلي في عروقه، ظل صامت حتى انتهت، نفرت عروق يده بشكل ملحوظ، كانت تنبض بشكل بشع، لم يستطع كبت غضبه أكثر من ذلك، فور أنتهاءها من كل ما يقبع بجوفها أستقبلت منه صفعة قوية، لم تستطع ادراك ما حدث بسبب أنهاله عليها بالصفعات المتتالية، كان يصفعها بكل غضب، كان يصرخ بكل قهر: أنتِ أيه شيطانة؟ كلكم شياطين! بقالك سنتين بتخدعيني! دَ...دَ أنا بحلم أنك تكوني مراتي، دَ وصلت لمرحلة العشق! بقيت بتنفس لمجرد أنك فرحانه، يطلع كل دَ خدعة!
أجتمع الناس حولهم وخلصوها من تحت يده، كان يتنفس بعنف، وجهه مثل جمر من النار، أما هي فوقفت سريعًا وظلت تصرخ وتسب وتلعن بهِ، وقبل أن تفرر هاربه من أمامه قالت: بتمد أيدك عليا يا مشلول؟ ماشي أنا هندمك على كل قلم نزل على خدي، مبقاش أنا مليكة يا غيث يا منشاوي.
نهت حدثها وفرت من المكان بأكمله، كانت الناس يستغفروا ربهم تارة ويهدءوا غيث تاره أخرى، أنفض التجمع وأصبح غيث بمفرده في المكان، مسح بقايا دموعه بعنف ثم حرك كرسيه لخارج المطعم، ظل يمشي هنا وهناك ولا يعلم ماذا يفعل، أو حتى أين يذهب، أخيرًا وقف أمام النيل، كان ينظر له ودموعه تتساقط دون شعور، قرر إنهاء حياته في تلك اللحظة ولكن مهلًا، حتى ذلك فشل في فعلها، فكان السور الفاصل بينه وبين النيل عالي نسبيًا، لا يستطع أن يتخطاه بسبب ذلك الكرسي الملعون، نظر للنيل أمامه ثم لذلك الكرسي وابتسم بسخرية وتمتم: حتى الأنتحار مش عارف أنتحر!
حرك كرسيه دون تفكير لثانية أخرى، فَ أنسب حل هو الطريق، سيعبر الطريق السريع دون النظر على الطريق من الأساس، وبالفعل أخذ نفس وغمض عيناه وحرك كرسيه باستسلام في جهة طريق السيارات، ثواني وكانت اصوات انذارات السيارات تضوي في المكان، لحظات وشعر بحاله يرتطم على الأسفلت، فتح عيناه بألم فشاهد حاله يفترش الأسفلت وبجانبه شاب يتألم من قدمه بسبب اصتدامه بكرسيه المتحرك، نظر لذلك الشاب الذي كان مزال يتألم من قدمه وقال بسخرية: هو أيه اللي حصل؟
نهض ذلك الشاب بتعب وقال وهو يساعد غيث للجلوس على كرسيه من جديد: أيه يا جدع مش تفتح، كنت هتكون في عداد الأموات دلوقت.
نظر له بسخرية وقال وهو يتحرك بكرسيه لكي يرى من المتحدث: يعني بعد كل الخضة دِ وفي الأخر مموتش!  يا شيخ منك لله.
رفع الشاب يده بمرح وقال: الله وأنا مالي يالمبي.
ضحك غيث رغمًا عنه ثم قال: ضحكتني والله، ممكن تسبني في حالي بقى خليني أشوف موته تانية.
تحرك ذلك الشاب ومسك مقبض الكرسي وبدأ في تحريكه وهو يقول: أهدى بس و روق كده، ها مين مزعلك؟
سخر غيث: الدنيا، ها هتاخدلي حقي؟
-هخدلك حقك وهعملك كل اللي أنت عايزه كمان، بس قولي اسمك أيه الأول.
- غيث
-غيث، أبو الغيوث، حلو أبو الغيوث، أنا مازن يا سيدي.
ضحك مرة أخرى، فَذلك الشاب خفيف الظل، مرح ويتحدث بتلقائية شديدة.
- بقولك أيه أنت تيجي معايا نقعد مع بعض شوية وتحكيلي مالك شايل طاجن ستك ليه، أشطا؟ ومش هخطفك متخفش.
هَم لكي يعترض لكن قاطعه مازن وهو يواصل حديثه: تصدق انا شامم ريحة طاجن من عندي هنا، اكيد الحُجيجه عاملي طاجن عكاوي ولا لحمة، ولا أنت أي رأيك؟
رفع عيونه له بملل ثم سأل: خلصت رغي؟
كان يرسم على وجهه ابتسامة عريضة، فقال: آه ليه.
-خير أحنا رايحين فين بقى؟
- أيه يا عم هو أنا هخطفك، بقولك هخدك على البيت عندي اعرفك على چو أبويا، وهناكل مع بعض لقمة عشان شكلك هفتان يا عين امك، وتحكيلي مالك وزعلان ليه، ولو مش عايز تحكي يبقى احسن برضه عشان أنا أصلًا مصدع، مقولتليش عايز تاكل أيه؟
كان غيث يستمع له ولا يصدق، بالتأكيد ذلك الشاب مريض أو يوجد شيء في عقله، هل من الطبيعي أن تأخد شخص لبيتك وأنت لا تعرف عنه شيء! بالتأكيد لا، وقف الكرسي بيده وسأله بجدية: يعم صلي على النبي بس وأهدى كده، هو والدك يعني مش هيضايق أنك ساحب حد في أيدك كده وجايبه على البيت؟ وافرض والدتك ولا أختك قاعدين عندك، يعم سبني الله يكرمك وشوف أنت رايح فين.
كتف ساعديه أمامه وقال بتفهم: يا سيدي أنا وچو قاعدين لوحدنا في البيت، وأمي متوفيه، ومعنديش أخوات، اتطمنت؟
ضرب بيده على وجهه بملل، من الواضح أن لا مجال للهروب من ذلك المأزق، ابتسم بشحوب ثم قال: أنا مش عارف أنت طلعتلي منين.
ابتسم الأخر بمرح وحرك الكرسي مرة أخرى وقال: نصيبك بقى يابو الغيوث.

لماذا أناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن