الفصل الأخير

3.1K 182 24
                                    


-وأيه تاني يا هانم؟
كانت ذلك كلمات غيث، فوصل للمنزل وحاول أن يُفتح الباب بالمفتاح الخاص بهِ، ونجح بالفعل، فمن الواضح أن أمجد لم يغير القفل الخاص بِباب المنزل، تقدم منهم بكرسيه ثم قال وهو ينظر لهم: دِ العصابة كلها متجمعة أهو.
نظر له أمجد بتوتر وقال: غيث! أنت أيه اللي جابك هنا؟
نظر له غيث بعدم تصديق ثم صاح فيهم: هو أيه البجاحة دِ؟! أنتوا مش مكسوفين من نفسكم!
ردت مايا: عاملنا أيه؟ انت جاي تتبلى علينا!
ضحك بسخرية ثم قال: لا والله، وبالنسبة للرجل اللي وقع زي الخروف وهو اللي سلّمكم ليّا.
اقتربت منه مليكة، ثم انحنت له وقالت: أيوا يا غيث أحنا اللي بعتناه، وأنا اللي مخططه لكل اللي حصل، ها عندك حاجة تعملها؟  ولا أي حاجة، كل اللي في أيدك أنك تروح ترمي نفسك في حضن الحكومة، وهيبقى كلامه قصاد كلامنا.
اقتربت من أذنه أكثر وواصلت بفحيح أفعى: وأنا عندي ألف طريقة وطريقة يا غيث تخرجنا منها ومنغير ما نبات يوم واحد في الحجز.
اقتربت مايا وتدخلت في الحديث لكي تكمل صورة الحيات بأبهى صورها وقالت: وأقل حاجة هنقولها هو أن سامر بيتبلى علينا، عايز ينتقم من امجد، عارف ليه؟ هقولك، عشان يحرام امجد طردته قبل ما يشتغل عندك، طرده عشان عرف أنه بيسرقه، فحب ينتقم منه.
تعالت ضحكات امجد، ثم واصل: وبدل الشاهد في شهود أني طرد سامر من الشركة، وكمان الورق موجود، وكله في السليم.
قهقه عاليا مرة أخرى ثم قال بنبرة خبيثة وتحذيريه: الأحسن ليك يا غيث أن تتقي شرنا، بلاش تلعب معانا عشان هتكون خسران.
اعطاه ظهره ثم واصل: وبعدين مش تحمد ربنا أن بضاعتك محصلهاش حاجة؟ لكن متطمنش اوي كده.
نظر له وواصل بكُره يملى قلبه: أصل أنا مش هسيبك بالساهل كده، أنا ناوي أدمرك يا غيث، هدمرك.
كان غيث ينظر له بثبات، فسأله بنيرة واثقة ثابتة: هو سؤال واحد يا أمجد واوعدك مش هتشوف وشي تاني، وكمان الراجل بتاعك هسيبه ومش هبلغ عنه، ودَ مش خوف مـنك، تؤتؤ دَ بس عشان حضرتك أسمك اخويا، وأنا ميشرفنيش أن أخويا يبقى رد سجون.
نظر أمجد للجميع ثم قال: واللي هو؟
تحرك بكرسيه للأمام ثم قال والغضب يملئ قلبه: هو أنا عملتلك ايه عشان تكرهني بالطريقة دِ؟ طول عمرك بتكرهني عمرك ما حبتني، ليه؟ ليه مع أن عمري ما عَملتك في مرة وحش، بالعكس، دَ أنا على طول بعاملك كويس وعايزك تكون احسن مني كماان، قولي سبب واحد يخليك تكرهني بالشكل دَ يا... يا أخويا!
صرخ بأخر كلماته، كانت عروقه نافره من شدة الغضب، نفسه يعلو ويهبط بشكل غير طبيعي، أما أمجد، فسمع حديث غيث بملامح باردة، خاليه من أي مشاعر، ولكن فور أنهاء حديث غيث دخل في نوبة من الضحك الهستيري! دقائق مَرت عليه وهو يضحك ثم توقف ونظر له بملامح غاضبه! صاح فيه بغضب وكُره: عايز سبب واحد! انت كمان بتسأل أيه سبب كُرهي ليك! طول عمرك أنت المُفضل عند كل الناس، كأن فريد بيه معندوش غيرك! مع... مع أنا كمان أبنه، أنا أبنه زيك على فكرة! كان بيكرهني، طول عمره بيكرهني، عمره ما حبني!  تعرف، تعرف أن في كل مرة كان بيكافأك فيها على أي حاجة كان  كُرهي ليك بيذيد يا غيث، هو...هو أنا ذنبي أيه أن أمي ماتت! هو أنا اللي موتها؟ عمرها خلص هي وبتولدني أنا أيه ذنبي؟ تعرف أن أبوك عمره ما خدني في حضنه! في عز ما كان نفسي أنه يطبطب عليا ويخدني في حضنه على قد ما كرهته، كل دَ بسببك أنت يا غيث، لو أنت مش موجود مكنش هيبقى في مشكلة من الأساس! كل دَ وبتسأل بكرهك ليه! تعرف... تعرف أني بكره فريد أبوك أكتر منك بمراحل.
اقترب من أذنه ثم واصل بفحيح: تعرف أن أنا اللي دبرتلك الحادثة يا غيث، أنا السبب في أنك تتشل.
جحظت عين الأخر، لم يصدق ما وقع على أذنيه! كانت علامات الصدمة تمتلك وجهه، لم يكترث له امجد فواصل بتشفي: أيوا متستغربش، هو دَ كان انسب حل، ضرب عصورفين بحجر واحد، أخلص منك، وأموت أبوك بحسرته، دماغ مش كده؟
ابتسم بخبث وواصل: بس طلعت زي القطط بسبع ترواح، مموتش، بس برضه العملية مباظتش، لأنك أتشليت، أتشليت وشوفتك مذلول يا غيث، قاعد على كرسي لا حول لك ولا قوة، ولكن ابوك...
صرخ بأخر كلماته وهو يضرب يده في الحائط بغيظ وواصل:أبوك متهدش برضه! ولا أنا ناري بردت، واقرب فرصة جاتلي استغلتها، تعرف؟ أنا السبب يا غيث في موت أبوك، أنا اللي خسرته فلوسه كلها بالقصد يا غيث، مكنش غباء مني زي ما أنت فاكر، ها أي رأيك في تفكيري؟ حلو مش كده؟
نهى حديثه وهو يسقف لحاله بحرارة شديدة، وكانه يهنئ حاله!
نظر له غيث بشمئزاز ثم قال: انت مريض يا امجد، مريض، بس تعرف؟ انا عرفت أنت بتكرهني ليه، وكلنا عارفين أن مليكة كلبة فلوس وحبت تنتقم للسنين اللي قضتها معايا وطلعت في الأخر بلا مولد ولا حمص!
نظر لمايا بخبث ثم واصل: لكن انتِ بقى يا حرم امجد بيه، بتعملي كل دَ ليه؟ بتساعديهم ليه يا مايا؟
تجمعت الأنظار إلى مايا، فرجعت خطوات للخلف وقالت بنبرة مهزوزه: أنت.. أنت قصدك ايه؟
ضحك غيث عاليًا ثم اقترب منها بكرسيه وقال: واضح أن جوزك المَسون ميعرفش أنتِ عايزة تنتقمي مني ليه يا مايا، أي دَ هو انت مفكرتش هي ليه بتعمل كل دَ؟ وليه بتساعدك؟ أصل اكيد هي متبلتش عليا أني عايز أغتص. بها كده من نفسها مثلًا!
وأكيد أنت برضه فاهم أن الحوار التعبان اللي هي حكيته دَ فيك ومش حقيقي، متهيألي أنت دماغك أكبر من كده، شكلك مش عارف صح؟  تؤ تؤ ميصحش، لازم نقوله برضه.
تعلقت انظارهم عليه فواصل: هو انت متعرفش يا امجد أن مراتك كانت بتحبني؟ لا لا عذرًا هي لسه بتحبني.
اقترب من امجد بكرسيه وواصل بخبث: اتجوزتَك يوم ما انا رفضتها، مش صح برضه يا يويو؟
نهى حديثه وهو يغمز لها ثم ضحك عاليًا، اما امجد فنظر لها غير مُصدق ما يُقال وسأل: هو أنتِ مش بتردي ليه؟ ما تنطقي؟
نهى حديثه وهو يصفعها بعنف، وضعت كف يدها على وجهها ثم نظرت له بشر، ثواني ثم صرخت في وجهه: هو مش كلنا بنلعب على المكشوف، وكله بيكشف ورقه؟ يبقى آه أنا كنت ومزالت بحبك ياغيث، بس أنت السبب في كل دَ يا غيث، أنت اللي فتحت على نفسك ابواب جهنم يوم ما رضفني، يوم ما قابلت مشاعري وحبي ليك على أنه لعب عيال! يوم ما جيت بقولك انا بحبك، بحبك وبحب التراب اللي بتمشي عليه وأنت بكل برود تقولي أنا مبحبكيش، أنا بحب مليكة! كسرت قلبي لمليون حته، كان لازم انتقم منك، كان لازم أنتقم لقلبي يا غيث.
نظر لها بسخرية ثم وجه حديثه لأمجد وقال: عارف أنا ليه رفضتها يا أمجد؟
ضحك بسخرية ثم واصل بتهكم: عشان عارف أن اخويا بيعشقك، رفضك عشان عارف أن اخويا بيحلم باليوم اللي هيجي يطلب ايدك فيه.
نظر لأمجد وواصل: عارف أنا لو وحش بجد كنت وافقت على عرضها، يوم ما قالتلي لو على اخوك أنا عرفه أنه بيحبني بس انا بحبك انت، يلا نتجوز ونهرب، هنهرب ومحدش هيعرف عننا حاجة، او على الأقل كنت جارتها، كنت جارتها وكسرت قلبك يوم ما روحت تتقدملها، اصلها جت واعترفتلي بحبها نفس اليوم اللي انت قررت تروح تتقدم لها، أنا لو وحش يا امجد كنت عملت مليون حاجة وحاجة، بس هقول لمين بقى، الكُره والحقد عموا قلبك.
نهى حديثه ثم نظر لجميعهم بستحقار ثم حرك كرسيه في اتجاه الباب وغادر، غادر وتركهم يشعلون غضبًا، فور خروج غيث نظر امجد لمايا ثم صفعها بكُل ذرة كُره وغل في قلبه وهو يصرخ: أنتِ طالق، مش عايز اشوف وشك تاني.
قال ما قاله ثم غادر المنزل، أما مليكة فانسحبت وسط ذلك الهرجلة في هدوء، أما مايا فجلست في ركنٍ بعيدًا وظلت تبكي وتتنحب.
                        *******************
على الجانب الأخر، كان غيث وصل لمنزله، استقبله مازن ويوسف الذين سألوا فور وصوله عن ما حدث، تنهد وقال: محصلش حاجة، خلاص ورقهم كله اتكشف.
ثم بدأ في قص كل شيء حدث معه، لم يصدقوا ما سمعوا، لم يتخيل أحد منهم أن يصل كُره أخ لأخيه لهذا الحد، والسبب مَن! السبب الرئيسي هو الأب! وتفرقة المُعاملة التي تحدث دون شعور، تنهد يوسف وقال بنبرة حنونه: يمكن ربنا عمل كل دَ عشان يبعد عنك كل الناس المُنافقه يا بني، ربنا بعتلك محنه عشان يختبر صبرك، وعوضك بحاجات كتير ونِعَم أكتر بكتير، احمد ربنا يا غيث.
ابتسم له بأمتنان وتمتم: الحمد لله.
دخل كل منهم لغرفته الخاصة وناموا جميعًا من التعب والإرهاق، فاليوم كان شيق على الجميع.
                    *******************
استيقظ غيث في صباح اليوم التي باكرًا، كان النشاط يمتلكه، تناول أفطاره ومعه كوب قهوته الفرنسي، جهز ثيابه ثم أرتداها وهندم حاله، فاليوم غير أي يوم، فاليوم قرر أن يعترف لريم عن حبه لها، كان يجلس امام المرآه وهيصفف خصلات شعره وهو يُصفر بستمتاع، دخل عليه مازن وبمزاح قال له: يا سيدي يا سيدي على الروقان والنشاط، صاحي بدري ومتشيك، على فين يا عريس؟
ضحك عاليًا ثم قال: عرفت منين أني عريس؟
اقترب منه وحرك الكرسي لكي يخرجه لردهة المنزل وقال: ايوا بقى الله يسهلك، خلاص احنا ننزل دلوقت وأنت تقولها وأنا أقول للمسكينة التانية.
تذمر غيث وهو ينظر للسُلم: طب أديني فرصة اعترض!
تجاهل حديثه واتصل بملك لكي يخبرها أنه في انتظرها في الكافتريا المجاوره لهم، وأن اليوم عطلة لهم من الشركة، وأنها تأتي ومعها ريم، ثواني وشاهد غيث يتصل هو الأخر بريم ويطلب منها ان تأتي، مَرت دقائق حتى أتوا الفتاتان، رحبوا بهم ثم ابتسم غيث وقال لريم: ريم تسماحيلي أتكلم معاكِ كلمتين كده؟
نظرت لهم بتعجب ثم وافقت وتحركوا الأثنين لمقعد أخر.
الصمت دام بينهم لدقائق حتى تكلمت ريم بملل: وبعدين فقرة الصمت دِ هتطول؟
تنحنح بحرج ثم قال: هو بصراحة أنا عايزة أقولك أني.. أني يعني عايز أتجوزك يا ريم، أنا عارف أن الوضع مختلف، وأني.. وأني يعني هكون عبيء عليكِ، لكن.. لكن صدقيني انا قلبي مدقش لحد من بعد الشيطانة اللي كانت في حياتي غير ليكِ أنتِ، من يوم ما ظهرتي فيها وأنتِ مالتيها بهجة وشقاوة، خليتي لحياتي طعم يا ريم، اوعدك بعمري أني هحافظ على قلبك، هكونلك بيت ووطن وأمان، هعمل كل اللي في وسعي عشان بس تكوني مبسوطة، ولو... ولو يعني ردك أنك رافضة عشان... عشان حالتي أنا هكون مقدر دَ، وأعتبري أي كل.
-بحبك على فكرة!
وهُنا صمت الكل وسَكن معهم الزمن، قلبه كان يرقص، لا يعلم ماذا يفعل في ذلك الموقف، كل ما فعله أنه ابتسم بتساع ثم هتف غير مُصدق: بجد!
خجلت الأخرى من حالها، لا تعلم كيف أعترفت له بذلك البساطة! تصبغت وجنتيها باللون الأحمر وصمتت، أما الأخر فصاح فارحًا: الفرح أخر الأسبوع مناسب؟
لم ترد عليه بل أكتفت أن تداري ضحكتها بكفة يدها.
وعلى الجانب الأخر، كان مازن يجلس أمام ملك، كانا الأثنين يضحكون بشده بسبب أرتطام كوب العصير أمامهم وتلطيخ قميص مازن، فصاح متذمرًا وهو ينظر لقميصه: بقولك أيه عشان أنا حاسس أن العلاقة دِ منحوسه أساسًا، الفرح الأسبوع الجاي أشطا؟
لم ترد عليه بل ضحكت أكثر، وهو ظل ينظر لها ويتأمل ضحكتها هذه، فقال وهو مسحور بروعة عينيها وهي تضحك وقال: تعرفي ان عينك بتحلو وأنتِ بتضحكِ.
توقفت عن الضحك ونظرت له ثم قالت وهي مبتسمة: أزاي بقى؟
سند بيديه على خده وقال بعد تنهيده حارة: يعني، عينك بتقفل وبتضيق قوي، وغمزتك بتظهر، وبتحلوي أكتر!
خجلت كثيرًا، لم تعلم ماذا تفعل في مثل هذا المواقف، فنظرت لغيث وريم وقالت بتلعثم: ما تنده عليهم بقى.
ضحك على خجلها وطريقة هروبها الساذجة وقال: حاضر هخليكِ تهربي المرة دِ، بس دَ بمزاجي على فكرة.
أنت يا عم غيث أنت أستحليت الحوار! ما تيجيوا يا عم.
كان يصيح بأخر كلماته، نظر له غيث بغيظ ولم يعطي له أهتمام، لكن أكملت ريم هدم ذلك لللحظة عندما قالت: آه يلا خلينا نروح لهم.
لم تعطي فرصة لكي يعترض، ففور أنتهاءها من حدثها قامت ومسكت مقبض الكرسي وحركته في أتجاه مازن وملك، نظر لها من أسفل وصاح بتذمر: طب اديني فرصة أعترض حتى!
-هو مش أنت قولت اللي عندك خلاص بقى.
نظر لها بشمئزاز ولم يرد عليها، وعند وصلهم لمازن وملك صاح مازن فارحًا: شباب أنا قررت أن فرحنا أنا وملك الأسبوع الجاي.
ابتسم غيث بأتساع وضرب مازن بكفيه وهو يقول: أي ضااا! وأحنا كمان.
ضحكا الفتاتات وصاحوا ضاحكين: الله يعني هنتجوز في نفس اليوم وأتنين صحاب كمان زي ما كنا بنحلم! أنا مش مصدق يا عبصمد!
تعالت الضحكات أكثر بينهم، ظلوا يتسامرون على جميع الأشياء الذي سوف تحدث الأيام القادمة، وترتيبات الزفاف، وأنتهى اليوم على عزومة الفتيات على الغداء في اليوم التالي لكي يعرفوهم على يوسف، وافقوا بعد فترة قليله، فَهُم قلقوا من مجيئهم لمنزلهم! لكن نظراتهم الصادقة طمئنتهم، أنتهى اليوم وذهب كل منهم لمنزله والسعادة تتخللهم، وعِند وصل الشباب استقبالهم يوسف بسيل من الأسئلة التقريرية عن ما حدث، جلسوا الأثنين وقصوا عليه كل شيء، وبلغوا أن الفتاتان سيأتوا غدا على الغداء، ووصا الشباب يوسف أن يطهي لهم أشهى المأكولات، وأنتهى اليوم بشجار طفيف بين ثلاثتهم كالعادة.     

لماذا أناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن