الزمن الغابر

857 12 4
                                    

قبل أربعة آلاف سنة قبل الميلاد كانت بلاد ما وراء النهرين مقسّمة إلى عدّة دويلات ولكل دويْلة حاكم أو ملك يحكمها ويطلق عليها(دويلات المدن) كانت إحدى تلك الدويلات تحت حكم ملك عادل ومحب للآلهة القديمة التي تعبد فيها. تلك المدينة تسمى (أدْ) وكان اسم الملك (دانيال) وله وزير أول عادل أيضا ورفيق درب الملك و صديق طفولته وأخو زوجة الملك التي تدعى الملكة (فوغا). كان الوزير يحب ملكه حبا جما ولا يتوانَ في الدفاع عنه وحمايته ومعاقبة من يحاول المساس به بكل قوّة وحزم ويدعى (الوزير أقهان).
أغلب المدن المجاورة لمدينة (أدْ) ترزح تحت حكم الدولة الاكدية وكان حكامها طغاة ومستبدين. شعوبهم من يتحملوا عبئ ثرائهم من خلال فرض ضرائب تثقل كاهلهم وأعمال شاقّة وحبس وقتل لكل من يتجرأ على المساس بشخص الحاكم أو السياسة العليا لمصلحة تلك الدويلات عقد الملك دانيال ووزيره (أقهان) مجلس الحرب في مركز مدينة أدْ وأسفر عن هذا الانعقاد قرار بمهاجمة وتحرير مدينة (أدوم) التي تبعد عن مدينتهم مسيرة يومين ونصف وكانت خاضعة للحكم الأكدي وقد فرّ الكثير من سكانها ونزحوا بالقرب من مدينة أدْ وقدّموا طلبا لملكها العادل بأن يخلّص مدينتهم من هذا الحكم الظالم وسيمدون له العون بكل ما استطاعوا.
قُرِعت طبول الحرب وبعد الذهاب إلى معبد أبو الآلهة إيل والإله داجان إله الخصب وإله القير. القير الذي كان يميز مدينة أد وأحد أهم المواد التي تدخل في كثير من الصناعات القديمة. من قبل الملك دانيال ووزيرة وأخذ موافقة الكاهن وبركات الآلهة بعد تقديم القرابين لهما.اتجه جيش الملك إلى مدينة أدوم التي تحيطها الأسوار القوية والحصينة من جميع الجهات. حاكم المدينة قرر مواجهة الملك دانيال ووزيرة أقهان خارج الأسوار وذلك لسببين خوفا من محاصرة المدينة وعدم وصول الإمدادات لها في الوقت المناسب ونفاذ تلك المواد من اسلحة ومؤن من جرّاء الحصار وثانيا قوة جيشه وذكائه في المعارك التي خاضها وهو يفتح دويلات المدن لصالح الدولة الأكدية وقد أعدّ خطة محكمة للقضاء على الملك دانيال نفسه. كان اسم الحاكم (تيكان).
التقى الجيشان خارج أسوار المدينة كان في مقدّمة الجيش الملك دانيال ووزيره أقهان يركبان حصانيهما البيضاويان ويرتديان درعيهما ويزين الدرع من الجانب الأيمن رمز الإله إيل وكان إله يقف بين أسدين ويرتدي قبعة وفي الجانب الأيسر من الدرع رمز الإله داجان وهو نصف سمكة ونصف إنسان.
خرج الملك في أبهى حلته لكي يلقي خطبة حماسية لجنده قال:
- اليوم يلتقي الحق والباطل العدل والظلم أتينا ولن نرجع حتى نحرر أهلنا في مدينة أدوم من ظلم الجبارين والظالمين لا ترحموهم قاتلوهم بكل ما أوتيتم من قوة واعلموا أنّكم جند الإله داجان لن نعود خائبين بل منتصرين.
كان الجند يهتفون:
- دانيال دانيال دانيال.
في تلك الأثناء بدأت بعض قطرات المطر بالهطول من السماء لاحظها الملك قال:
- انظروا أيها الجند هذا المطر هو مباركة الإله إيل بهذه الحرب.
شهر سيفه ورفعه إلى الأعلى وإذا بالملك دانيال يحاول الكلام ولكنه لا يستطيع وسقط من على حصانه و في ظهره سهمان أطلقهما جنديان تابعان للعدو كانا قابعين في حفرتين خلف الملك ويغطي الحفرتين سعف النخيل اليابس الذي يشبه لون الأرض.
اتجه الوزير ومعه بعض الحرس إلى الملك. أمر الوزير رماة السهام فأطلقوا سهامهم على الجنديان الراكضان باتجاه جيشهم فسقطا صرعا أمامه.على ما يبدو إن الحاكم قد اعدّ هذه الخطة للقضاء على الملك دانيال وترك جيشه بدون قائد وكسر معنوياتهم لكي يسهل القضاء عليه.
حمل الوزير وبعض الحرس الملك وذهبوا به إلى خيمته طلب الوزير أن يحضر الطبيب فورا وبينما الملك مستلقي بين يدي وزيره وصديقه قال:
- اسمعني جيدا أقهان لا تترك المعركة ولا تقلل من عزيمة الجند اذهب وقل لهم إن ملككم بخير ويأمركم بتحرير المدينة من الطغاة.
- سأفعل ذلك مولاي ولكن لن ادع تيكان يعيش يوم آخر سأنتقم منه لما فعل.
- انتقامي هو تحرير المدينة ومعاملة أهلها بعدل ومحبة وان تضمها إلى حكمنا أشعر أن هذه هي النهاية.
- مولاي لا تقل ذلك سوف تعيش ونحرر سويا كثير من المدن التي تقع تحت الحكم الاكدي أعدك بذلك.
كان أقهان يقول هذه الكلمات ودموعه قد بلّت درعه. في تلك الإثناء حضر مجموعة من الأطباء الذين يرافقون الحملة تقدّم الطبيب الخاص بالملك وفحص جراحه أخذه اقهان على جنب وقال:
- كيف هي حال الملك العادل؟
- لا تبشّر بخير فجراحه عميقة والسهام مسمومة والسم ينتشر في جسده بسرعة.
- إذا حدث له مكروه سأقتلك ومن معك.
نادَ الملك بصوت متعب وبطيء قائلا:
- أقهان أيها الوزير الأعظم تعال بقربي.
- نعم مولاي
- لا تحمل رعاياي ما لا طاقة لهم به. إذا حدث لي مكروه فتلك مشيئة الآلهة. إذا أردت فعل شيء من أجلي افعل ما قلته لك وحرر المدينة.
خرج الوزير وقال لجنده:
- إن الملك بخير وجراحه بسيطة وسطحية ويأمركم بأن تحرروا المدينة انتقموا لما فعلوه.
بدأ الجند بالصراخ :
- يحيا الملك يحيا الملك.
بدأت المعركة وحصل الاشتباك بين الجيشين وكانت القوة والغلبة لجند الملك دانيال.كان أقهان يبحث عن الحاكم تيكان في المعركة حتى لاقاه وتواجها معا وقام الوزير بقطع رأسه في ساحة المعركة.
انهزم جنود تيكان واختبأ الباقي منهم داخل حصون المدينة طلب الوزير من أهالي المدينة المستغيثون به والموجودون معه الفارين من الحكم الظالم المساعدة وفعلا قدموها وأدخلوا جند الملك دانيال من ممرات سرية داخل المدينة وقاموا بالقضاء على الجند الباقين وتحرير المدينة كاملة. عندما طلب الوزير ذلك منهم لم يذهب معهم بل رجع إلى خيمة الملك وكانت حالته أسوء من قبل قال الوزير للطبيب:
- كيف هي حال ملكنا العادل؟
لم يتفوه الطبيب باي كلمة وكل ما فعله هو هز رأسه يمينا ويسارا علامة على سوء الحالة.
قال الملك بصوت خفيف:
- أقهان هل انتصرنا في المعركة ؟
- نعم مولاي لقد انتصرنا ولم يبقى إلا قليلا من جند العدو مختبئين داخل حصن المدينة لكن جنودنا دخلوا لقتلهم لا تقلق.
في تلك الأثناء دخل احد جنود الملك وقال:
- سيدي الوزير لقد حررنا المدينة بالكامل.
قال الملك:
- الحمد للآلهة أستطيع أن أرقد بسلام.
توقف الملك عن الكلام بعد أن قال آخر كلماته بصعوبة بالغة. تقدّم الوزير إليه وقال:
- مولاي جلالة الملك العادل.
الملك لم يرد بشيء ولفظ أنفاسه الأخيرة.
بدأ الوزير بالبكاء والصراخ:
- مولاي أجبني لما لا تتكلّم صديقي ورفيق دربي تكلّم.
أخذ يهز بجثمان الملك بيديه بقوة لكن الملك قد فارق الحياة ولا يجيب. صرخ الوزير صرخة مدوية وصلت مسامعها حتى أسوار المدينة المحررة.

روايه المتحكمWhere stories live. Discover now