الفصل الرابع
أنا أحب
أعادت كل شيء بالمكتب لمكانه وهي تحاول أن تستعيد طبيعتها بعد أن أدركت أنه لا يمكن أن يكون لها في أي يوم، جاءها تليفون بلغوها أن الفوج أكد الحجز والوصول بعد الغد، أغلقت المكتب واتجهت إلى مكتب مدير الفندق الذي كانت تعلم أنه لا يفضل التعامل معها بحكم أنه يكبرها سنا وخبرة وقد تمنى أن يحصل على مركزها بيوم ما، وكثيرا ما كان يهاجمها بكلمات لاذعة ولكنها لم تكن ترد ولم تحاول أن تتعامل معه من باب أنها مديرة مكتب وليد وبإمكانها أن تلقي الأوامر أو أن تبدوا أنها مديرة عليه رغم أن وليد أعطاها هذه الصلاحيات وبخاصة تجاه ذلك الرجل الذي لا يفضله أحد والجميع يعلم أفعاله.
دقت الباب ودخلت وقالت "مساء الخير أستاذ أكرم"
نظر إليها الرجل من وراء نظارته الطبية وقال "مساء الخير آنسة أمل"
ابتسمت وقالت "لقد أخبروني بأن الفوج الألماني أكد الحجز وأنت تعلم أن الأستاذ وليد يهتم شخصياً بهذا الفوج فجئت لنعد معاً الترتيبات الخاصة"
خلع نظارته وقال "أي ترتيبات التي تريدين الإعداد لها؟ البرنامج معد مسبقاً كما تعلمين ولا توجد أي ترتيبات أخرى"
قالت بهدوء وهي تجلس أمامه "أعلم ولذلك جئت لأحصل على رأيك في بعض التغييرات"
قام من وراء مكتبه واتجه اليها وقال "أي تغييرات ومن الذي سمح لكِ بالتدخل في مثل تلك الأمور الفنية؟ أنتِ مجرد سكرتيرة للأستاذ وليد، مجرد طفلة أتى بها لتلعب بالأوراق التي توضع أمامها أو تسعدينه بوجودك معه، ولكن أن تتدخلي في عمل الرجال فهذا ما لن أسمح به"
لم تتوقع أن يتحدث معها بمثل ذلك الأسلوب أو يلقى عليها تلك الكلمات المهينة ومع ذلك حاولت ألا تغضب وقالت "أوراق ألعب بها؟ أسعده؟ ماذا تعني بكلماتك هذه؟ وكيف تتحدث معي بمثل ذلك الأسلوب؟ أنا لست طفلة ولم أتي هنا لألعب بالأوراق كما تقول، ولو كنت كذلك لما تركني الاستاذ وليد يوماً واحداً، ولست هنا لأسعد أحد، أنا كان يمكنني أن أفعل ما أشاء دون الرجوع إليك ولكني احترمت مكانتك وسنك"
لم يمنحها فرصة لتكمل وهو يقاطعها بغضب وبصوت مرتفع "تفعلين ماذا؟ أنتِ لا تستطيعي أن تفعلي أي شيء أنتِ لا تصلحي أصلاً لشيء، أنتِ مجرد دمية يلعب بها الأستاذ وليد لتسلية وقته ويسعد بها نفسه، هل صدقتي نفسك وأنكِ مديرة مكتبه كما يقول؟ أنتِ لا تعرفين أي شيء عن الإدارة وأنا لن أسمح لفتاة من الشارع أن تأتي لتعلمني كيف أعمل"
أخذها كلامه الحاد والمهين لدرجة جعلتها تشعر بالمهانة والضآلة وحاولت أن تفكر بالرد ولكنها سمعت صوت وليد يقول بغضب
" كفى"
نظر الاثنان إليه وقد بدا الغضب على ملامحه بينما حاولت هي التحكم في عبراتها التي حلقت على أفاق عيونها من إهانة الرجل لها وما أن رأته أمامها حتى تحركت إلى الخارج لتهرب من كل ذلك ولكن ما أن اقتربت منه حتى أمسك هو ذراعها وقال بحزم
"انتظري لم أسمح لكِ بالذهاب"
توقفت فترك يدها وأغلق الباب ونظر إلى الرجل بعيون نارية وقال "كيف تجرؤ وتتحدث مع مديرة مكتبي بمثل هذه الطريقة؟ أنا إذا كنت منحتك صلاحيات كثيرة فهذا لأنني أحترم سنك وخبرتك وصداقتك لوالدي، ولكن أن تهين أحد العاملين معي فأنت بذلك تهينني شخصياً، وبخاصه إذا كانت هذه المرأة"
نظرت إليه من وراء دموعها وهي تتساءل هل يمكن حقا أن يدافع عنها هكذا؟ هل يعنيه أمرها حتى يرفض إهانتها أم لأنها كما قال أحد العاملين عنده؟
سمعت الرجل يقول بنبرة متغيرة "أستاذ وليد إنها تحاول التدخل في عملي وتتحدث معي بأسلوب غير لائق ومنذ أن دخلت وهي تلقي علي الأوامر، هي التي حاولت إهانتي وقالت أنني أصبحت عجوز ولا أصلح لأي شئ"
نظرت إليه بدهشة فهي لم تقل ذلك لذا قالت "ولكن أنا لم أقل ذلك، بل هو"
ولكن وليد أشار إليها وقال "لستِ بحاجة للرد يا آنسة أمل، لقد سمعت الحوار كله وبصراحة لم أتخيل أن مدير فندقي الذي أثق به يدعي بالباطل على أحد العاملين عندنا، ثم من الواضح أنك نسيت من أنا ولم تعد تعلم أنني لست ذلك الشاب التافهة الذي يحضر الفتيات في مكتبه ليقضي معهن وقتاً سعيداً كما قلت، أنا أضع تحت يدي من هو جدير بثقتي وهي كذلك بدليل أنها ليست فقط مديرة مكتبي وإنما مديرة أعمالي"
قاطعه الرجل الذى اصفر وجهه "ما الذى تقوله مستر وليد؟ أنت تمنح تلك الفتاة مركزاً لا يليق بها بدلاً من أن تؤنبها على ما فعلته معي أنا؟ هل نسيت من أنا وماذا فعلت لهذا المكان طوال كل السنوات التي عملت فيها من أجلك؟"
اقترب وليد منه وهو يضع يده في جيوبه ويقول "أنا لم أنكر سنواتك التي قضيتها هنا بدليل أنك لم تعمل بدون مقابل وإنما تحصل على راتب يفوق أي راتب يمكن أن يحلم به الوزراء، غير المكافآت والعلاوات وما إلى ذلك من الأمور التي تظن أني لا أعرفها ولكن للأسف أعرفها كما تعرفها هي أيضاً، لقد طفح الكيل من تصرفاتك ومن كلامك أنا لم أعد أتحمل"
جلس الرجل على أقرب مقعد وقال "مستر وليد أنا .."
قاطعه وليد بنفس النبرة الغاضبة وقال "أنا لا أريد أن أسمع أي كلام آخر، من فضلك سلم كل شيء خاص بالعمل إلى الأستاذة أمل، وهي ستتأكد من أنك حصلت على كل حقوقك المالية"
تحرك تجاه الباب ثم استدار إليها وقال "نفذي الأوامر أستاذة أمل وعندما تنتهين اتصلي بي وتأكدي من أن يحصل على كل حقوقه المالية وإخلاء الطرف، استعيني بالشئون القانونية"
كان الذهول يتملكها فهي بالطبع لم تتخيل أن يحدث كل ذلك لها أو لذلك الرجل، ولكن وليد كان قاسي وحازم مع الرجل وتملكها الصمت وقد تاهت منها الكلمات فلم تقو على أن تقول أي شيء وهي تهز رأسها بالموافقة وتتابعه وهو يذهب
بالطبع كانت نظرات الرجل لها كلها مليئة بالحقد والغضب ولكنها لم تهتم وتصرفت كما طلب منها وتحلت بالقوة والشجاعة بعد الثقة التي منحها لها، استعانت بالشئون القانونية لإنهاء ما يخص الرجل وتسلمت كل شيء منه وكل ما يخص العمل وقد شحب وجهه ولم يحاول أن يتحدث مرة أخرى حتى هي لم تحاول أن تتحدث لقد انتهى الأمر واتخذ هو قراره ولم يعتاد أن يتراجع عن أي قرار اتخذه
وأخيراً انتهت فاتصلت به كما أمرها ولكنه لم يرد عليها، أعادت الاتصال مرة أخرى وبعد رنات كثيرة أجاب عليها فقالت
"آسفة يا فندم على مقاطعتك ولكن أنا أنهيت كل شيء كما أمرت"
جاءها صوته هادئا "حسنا أديري الأمور من عندك حتى أعود لن أتأخر أخبري والدتك أنني سأوصلك إلى البيت بسبب التأخير، لابد أن نراجع بعض الأشياء قبل وصول الفوج"
وقبل أن ترد كان قد أغلق الهاتف فأبعدت الهاتف عن أذنها ونظرت إليه وقد احتارت بذلك الرجل الذي يخفي حنان غريب خلف قسوته الظاهرة.
اتصلت بوالدتها وأخبرتها بالأمر فلم تحاول الأم الاعتراض وكأنها تدرك أن حياة ابنتها اختلفت تماماً.
عندما عاد كانت العاشرة تقريبا وقد كانت ما زالت بمكتب المدير لتعد للفوج الألماني فتح الباب فجأة فنظرت إلى الباب فرأته يتقدم، نهضت من وراء المكتب لتفسح له المكان وهي تقول
"حضرتك لم تتأخر"
اتجه إلى المكتب وجلس وقال "لا مجال للتأخير الفندق أصبح بدون مدير والفوج على وشك الحضور فهل تظنين أنني يمكن أن أتأخر من أجل فرح؟"
بالطبع كان على حق ولكنها شعرت أنه ليس على ما يرام فقالت "هل أنت بخير؟ هل هناك شيء؟"
نظر إليها بقوة وقال "شيء؟ أي شيء؟ أنا لا أفهم سؤالك"
ارتبكت من حدته بالحديث ولكنها قالت "أشعر أن هناك شيء يزعجك"
نظر إلى الأوراق وقال "ليس هناك شيء أكثر من الفندق وما يحدث به الآن أم الأمر لا يستحق بنظرك؟ هيا دعيني أراجع ما فعلتيه في غيابي"
تغاضت عن عصبيته وغضبه الواضح وراجعت معه كل شيء من حيث بدأت وإلى حيث انتهت، أكمل معها بحماس واضح منها وهي تشرح خططها الجديدة وهو يهز رأسه دون أي اعتراض إلى أن تراجع في كرسيه وقال
“ تعجبني أفكارك وأوافق عليها لكن عليكِ متابعة تنفيذها وأعتقد أن الأمور استقرت الآن"
هزت رأسها وهى تشعر بالصداع يدق فيها وقالت "نعم أظن ذلك"
قال وهو ينهض "حسنا دعينا نذهب لقد تأخرنا كثيرا وأرى الإرهاق باديا على وجهك وملامحك"
حاولت أن تكون طبيعية ولكن اليوم كان شاقا ومتعبا وأحداثه كثيرة فقالت "إذا كان هناك شيء آخر تريده فدعنا ننتهي منه"
اقترب منها وقال "أنا أعلم أن اليوم كان صعباً ومزعجاً ولكنك تعلمين أني لن أستطيع أن أمنحك أي إجازة"
قالت بتفهم "أنا أعلم ولا أريد أي إجازات، أنا أحب عملي"
نظر إليها وهي تحاول أن تخفي عيونها التي امتلأت بالخوف والحزن والحيرة فما زال الكلام الذي قاله لها عن تلك المرأة يؤثر عليها ويشغل بالها رغم انشغالها بالعمل، وذلك لأنها أدركت بنفس اليوم أنها أصبحت حبيسة حبه ولن تستطيع أن تبعد أو تتراجع.
تاهت من الوجود لحظة ولم تعد إلا عندما أمسكها فجأة من ذراعها فارتجف جسدها وهي تنظر إليه بدهشه فقال "ماذا بكِ؟ هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها وقالت "نعم بخير"
قال "حسنا هيا دعينا نذهب، الأيام القادمة ستكون أصعب"
ركبت بجانبه في السيارة فقالت "أريد أن أسألك سؤال؟"
قال دون أن ينظر إليها "أعلم، تريدين أن تعرفي لماذا أقلت المدير وقد كان من الممكن أن يكون العقاب أقل من ذلك أليس كذلك؟"
أجابت وهي مندهشة من أنه عرف ما تريد "نعم فعلاً هذا ما أردت أن أعرفه، كيف عرفت؟ أنا من وقتها وأنا أشعر بالذنب لأنني تسببت في فصل إنسان أيا كان"
ابتسم وقال "بصراحة أنا استغليت الأمر، منذ فترة وأنا أعلم أنه يتجاوز في أشياء كثيرة كتلك التي كنتِ تخبريني بها وغيرها من التي عرفتها وعرفت أنه بدأ يتخذ قرارات كثيرة دون الرجوع إلي، غير التجاوزات المالية التي عرفتها فأنا لي عيوني في كل مكان، وبالطبع لم تعجبني طريقته في التعامل معكِ اليوم والكلام الذي تلفظ به لذا كان ما كان أي لم أظلمه ولكن تحينت اللحظة المناسبة"
هزت رأسها وقالت "نعم، ومع ذلك شعرت بأنني تدخلت في عمله"
ابتسم وقال "إذن أنتِ لا تعلمين منصبك جيدا، إنه يمنحك صلاحيات كثيرة أكثر مما يمكنك أن تتصوري، ولكنك ما زلتِ صغيرة لتتعاملي مع هؤلاء الأشخاص، على العموم ما زال أمامك الكثير لتتعلميه وأنا لست متعجلا لأن ما لديكِ الآن من قدرات يؤدي الغرض ويفي باحتياجاتي، المهم عليكِ الآن بمباشرة مهنة المدير بالأيام القادمة مؤقتا حتى نأتي بمدير جديد، ولكن ذلك من مكتبك إلى جانب عملك الأصلي"
كانا قد وصلا إلى بيتها الذي كان بمنطقة هادئة بالإسكندرية فقال "منزلك في مكان هادئ، هيا انزلي الوقت تأخر جدا ولا يمكنك مناقشة أي شيء الآن"
كانت تريد أن تعترض ولكنه لم يمنحها فرصة، كيف يمكنها أن تقوم بكل تلك الأعمال ماذا يظن بها؟ وهل يمكنها أن تفعل ما يطلبه منها؟
عندما دخلت المنزل كانت والدتها ما زالت في انتظارها، نظرت إليها ثم رمت نفسها على أقرب مقعد فقالت أمها
"لماذا تأخرتِ هكذا؟"
حكت لوالدتها ما حدث باختصار فقالت الأم "ولكني رغم ذلك النجاح والثقة التي منحها لكِ أراكِ غير سعيدة بهذا النجاح فلماذا؟"
نظرت لوالدتها وقالت "لا أبداً يا ماما، ولكن فقط أشعر أنني لن أستطيع تحمل كل ذلك وحدي الأمر ليس بسهل وأنا ما زالت خبرتي بهذه الأمور صغيرة، كما أن العاملين هناك قد لا يتقبلون فتاة صغيرة لتصبح مديرة عليهم كما حدث اليوم مع المدير السابق"
قالت الأم بهدوء "إذن أنتِ تشعرين بالخوف"
نظرت لوالدتها وقالت بصراحة "نعم"
لاحت نظرات تساؤل بعيون الأم وقالت "فقط؟ أقصد هل هذا هو كل ما في الأمر؟"
نظرت بعيون أمها ربما ترى ماذا تعني ولكنها لم تر أي شيء فاحمر وجهها دون أن تشعر وقالت "لا أفهم يا ماما، ماذا تقصدين؟"
أجابت الأم بنبرة حانية مطمئنة "أقصد أني لا أظن أن ذلك هو سبب الحزن الذي أراه بعيونك، منذ متى وأنتِ تخشين من العمل أي عمل؟ أنتِ جديرة بأي مكان تكونين فيه، لذا ذلك الحزن الذي أراه في عيونك ليس سببه العمل وإنما شيء جديد فما هو؟"
دق قلبها هل يمكن أن تكون والدتها تشعر بها أم أنها أصبحت كالشفاف واضحة وظاهرة؟ أم هل تفضحها عيونها وتنطق بمكنون فؤادها؟
قالت بهروب واضح "ماذا يمكن أن يكون جديد يا ماما؟ ليس هناك غير ما أخبرتك به، أنتِ تذكريني بالأستاذ وليد فقد سألني نفس السؤال تقريبا"
ابتسمت الأم وقالت "حقا فعل؟ ربما يكون الأستاذ وليد هو الأمر الجديد"
حدقت في والدتها، هل من الممكن أن تكون أمها كشفت مشاعرها قالت "أي جديد به يا ماما أنا معه منذ شهر وأكثر فما الجديد بخصوصه؟"
ربتت الأم على يد ابنتها بحنان وقالت "انظري إلى عيونك وأنتِ تتحدثين عنه، أنا أمك وأعرفك جيداً، ماذا تخفين عني يا ابنتي؟"
شعرت بالصداع يزداد وبأن جسدها يرتجف رغم ازدياد حرارته، لم تجد إجابة وهي تبحث في بحور الكلمات عن إجابة عندما قالت
"أنا، أنا لا أخفي أي شيء"
كانت نظراتها تهرب من مواجهة أمها ولكن الأم قالت "بل هناك وعيونك تفضحك يا ابنتي ماذا تكنين لذلك الرجل يا أمل؟"
تفاجأت من سؤال أمها الصريح وشعرت بأنها تغرق في بحر من الضياع لأنها لا تعرف أين هي وماذا يمكنها أن تفعل أو تقول؟ هل يمكن أن تخفي مشاعرها عن أمها صديقتها الوحيدة؟ أم تخبرها رغم أنها تعلم أن الأمر كله خطأ؟
وضعت رأسها بين يديها ربما توقف دقات الصداع به وقالت بحزن "وإن كان هناك شيء يا أمي فالأمر ليس بالهام"
تراجعت الأم وقالت "وما هو هذا الشيء يا ابنة عمري؟ لن تخبريني أنه الحب؟"
لم ترد ولم تنظر إلى أمها ولكن المرأة فهمت وقالت "لماذا يا أمل؟ لماذا فعلتِ ذلك بنفسك يا ابنتي؟"
زاد حزنها أكثر من كلمات أمها وقالت "ليت الأمر كان بيدي يا ماما"
قالت الأم بحزن "هل يعلم شيء عن مشاعرك هذه؟"
هزت رأسها نفياً وقالت "بالطبع لا إنه لا يراني أصلاً إنه طريق مظلم مغطى باليأس ألقيت نفسي فيه دون أن أشعر منه وملأت قلبي بالألم"
قالت الأم بألم على ابنتها "ولماذا يا ابنتي تركتِ قلبك ينقاد في ذلك الطريق طالما تعرفين نهايته؟"
لم ترفع وجهها وهي تجيب بألم يزداد "لم أشعر يا ماما ولم أكن أعلم، اليوم فقط أدركت أنني أحب وأحب ذلك الرجل، وفي نفس الوقت أدركت أن ذلك الحب خطأ من كل النواحي، فكيف أحب رجل مثله في مثل مركزه ومكانته؟ ماذا أكون أنا بالنسبة له؟ مجرد فتاة أتت لتعمل عنده لأنها بحاجة لأمواله فهل يمكن أن يمنحني أكثر من نظرات الشفقة والإحسان؟"
رفعت وجهها المليء بالدموع وهي تنظر إلى أمها وأكملت "والأهم من ذلك أنني لم أنتبه إلى مشاعره هو إلا اليوم أيضا عندما أدركت أن هناك امرأة في حياته أي أن الطريق مسدود من كل ناحية"
زادت الدموع تجري هاربة من عيونها فاقتربت منها والدتها وأحاطتها بيديها وقالت بحنان "يا ابنتي الحبيبة ماذا فعلتِ بنفسك؟ أنتِ أصغر من أن تتحملي كل هذه الأشياء، حبيبتي لابد أن تعلمي أن ما بدأته من الصعب انهاؤه لأنكِ تعلمين أن الحب حائط صلب إذا أقيم لا يكون من السهل هدمه"
نظرت لأمها وقالت "أعلم والغريب أني لا أريد أنهاؤه يا ماما، لا أريد إخراج حبه من قلبي أنا أحب حبي له واهتمامي بكل ما يخصه أعلم أن كل ذلك خطأ ولكن غصب عني ليس بيدي صدقيني غصب عني"
ثم انهارت دموعها بدون توقف فضمتها الأم إلى أحضانها وربتت عليها حتى هدأت وابتعدت من أحضانها فقالت الأم
"أعلم حبيبتي لكني أعلم أيضاً أنكِ قوية ويمكنكِ مواجهة أي صعوبات وليس من طبعك الاستسلام أو الضعف أو الهزيمة"
أبعدت عيونها وقالت بضعف "إنها ليست حرب يا ماما، إنها مشاعر جديدة لا أعرفها، فقط تؤلمني ولا يمكنني أن أوقفها ولا تغيرها"
قالت الأم "لا يا ابنتي، كل شيء ممكن حتى المشاعر يمكن تغييرها إذا تم توجيهها إلى الطريق الصواب، يمكنكِ أن تتركيه وتبتعدي عنه وعن حياته، والبحث عن عمل في أي مكان آخر، فرص العمل كثيرة، ولا تهتمي بالمال أنا"
قاطعتها قائلة بحزم "لا يا ماما، أنا لا أريد أن أترك العمل معه، بل لا يمكنني أن أفكر بذلك ليس بعد ما وصلت إليه كما لا أستطيع أن أتخلى عنه في ذلك الوقت أو في أي وقت، أنا أضعف من أن أبعد عنه أنا أحبه يا ماما وراحتي ليست في البعد عنه بل لا أشعر بالراحة إلا وأنا بجانبه، أنا آسفة يا ماما ولكن لا أستطيع أن أتركه لا يمكنني"
صمتت الأم قليلا ثم قالت "حسنا يا ابنتي هوني على نفسك لأنكِ اخترتِ طريقا صعبا ولن يكون من السهل عليكِ اجتيازه"
قالت بحزن "هذا قدري إذن ولن أستطيع أن أغيره، اسمحي لي أن أذهب لأنام فأنا مرهقة جداً اليوم، وأعلم أن الأيام القادمة ستكون أكثر إرهاقاً بدنياً وذهنياً"
قبلت أمها التي كانت حزينة لابنتها، بينما ألقت جسدها على الفراش ومازالت الأفكار تتلاعب بها بدون رحمة، وكأنها تستعيد كل كلماته وحكايته وكلما فعلت أوجعتها الغيرة ومن داخلها كانت تتساءل هل حقاً أحب تلك المرأة التي قابلها أيام معدودة ثم رحلت بدون أي مقدمات، لا تعلم لماذا كانت تشعر أن تلك القصة لا يمكن أن تكون حب.
يتبع..
أنت تقرأ
رواية حب وتضحية. بقلمي داليا السيد
عاطفيةليس من المفترض أن يعشق المرء إلا عندما يدرك أن من يعشقه سيكون له أما أن تحب من لا يحبك فهو أصعب أنواع الحب ترى من تحب وهو يذكر حبيبه فتتألم بصمت وعندما يطلب منك مساعدته لا تتوانى عن الفعل لمجرد أنك تحب، هل الحب مبرر لأخطائنا وهل يمكن أن نضحي بالكثير...