مشهد رقم ١
سجينة جدران قلبهيتحدّث عبر الهاتف وإنتباهه موجه اليها بشكل كلّي، عينيه تراقبانها، تلتهمانها، تفسران أدق حركاتها، جالسة عند الطاولة بصمت، تومئ ردّاً على كلام زوجة شريكه ولكنّها لا تفتح لها المجال للإسترسال بالكلام، تبتسم بلطف وتعود لإنطوائيتها، تعيش وسط معاركها، لا تجد وسيلة للتخلّص منها......
إستنفرت حواسه يتصلّب جسده عندما إقترب منها رجلٌ غريب، جثى أرضاً خلف مقعدها، فإلتفتت اليه تستدير بجسدها لتواجهه، ناولها شيئاً، أخذته، قال لها شيئاً، فومأت تجيبه، ومن ثمّ وقف وغادر........
أشار لأحد رجاله أن يتبعه في الحال.....قطع إتصاله ووضع هاتفه بجعبته وعاد الى الطاولة، يشق دربه بين الطاولات المتفرقة بشكل أنيق داخل المطعم.....
وصل يقف بجوارها، يلحظ تصلّب جسدها لحظة إستشعرت بوجوده، تجفل عندما ضغط على كتفها يخاطب شركائه بنبرة لطيفة تضلل الحاضرين، فمن يسمعه الآن لا يصدق بأنّه قادر على أذية حشرة، غافلين أن خلف قناع الوسامة الصارخة والأناقة الفائقة، الثراء والسلطة والجاه رجلٌ سادي مجرم ومنعدم الإحساس والضمير.لم تحرك ساكناً، تشعر بأنفاسها تحتقن بصدرها، تترقّب ما عنده، تسمعه يقول بوقار« أعتذر منكم يا سادة، هناك طارئ يستدعي تواجدي بمكان ما بالحال.....»
رفعت بصرها تصطدم بنظرات المرأة التي تجلس قبالتها، تتوق لنظرة منه،
يائسة لكسب نظرة إعجاب منه، تُرضي عبرها غرورها الأنثوي،
إبتسمت نايا بسخرية تتمنى لو أنّها تتمكن من لفت إنتباهه اليها، هي أو أي إمرأة أخرى في هذا العالم، علّه حينها يرحمها من جبروته ويوجّه ساديته الى أخرى......« حبيبتي» ناداها يضغط على كتفها بقسوة يأمرها أن تطيع بصمت ففعلت تقف عن مقعدها بهدوء تقول « عن إذنكم، تشرفت بلقائكم»
همست بنبرة مهتزة تتفادى النظر مباشرة الى أعينهم، حملت حقيبتها الصغيرة وإستدارت اليه تواجهه، تصطدم بنيران مقلتيه، تعلم في الحال بأنّ هناك مصيبة قادمة اليها لا محال.إزدردت لعابها تشعر بساقيها ترتعشان، شاكرة لفستانها الطويل الذي عمد بنفسه على إنتقائه لها، طويل الأكمام ومرتفع الياقة، فستان محتشم لدرجة خانقة.....
الى هذه الدرجة يصل إنحرافه.......غضّت بصرها عنه تشعر بذراعه التي تطوّق خصرها كحزام ناري يحرقها.
مشت بجواره بصمت، تشعر به يدفعها أمامه، كأنّه لا يطيق صبراً للإختلاء بها.
تمسكت بحقيبتها الصغيرة التي لا تحتوي سوى على بعض التفاهات كأنّها طوق نجاتها، تلحظ نظراته المريبة لأناملها، وصل بها الى الليموزين التي كانت تنتظرهما أمام مدخل المطعم، فتسمّرت بأرضا تحدّق بها بشحوب، ترغب فقط بالهرب الناحية المعاكسة لها.فتح لها الباب يبسط كفّه أمامها فحدّقت به بتساؤل لا تفهم مقصده.
«هاتي الحقيبة» هتف بنبرة هادئة تعلم يقين المعرفة بأنّها تخفي خلفها براكين من غضب مستعر لا يجد وسيلة لتفريغه الاّ بجسدها.....
حدّقت بكفّه ببلاهة لا يسجل عقلها قوله فهتف من جديد« الحقيبة نايا»
وبآلية خلّصت الحقيبة من أناملها المتشنّجة تناوله إيّاها، أخذها منها يفسح لها المجال لإعتلاء السيّارة.جلست بزاوية المقعد ناحية النافذة تراقبه يضّجع على المقعد المقابل لها، بسط ساقيه يرخي ربطة عنقه، تتبعه بنظراتها الخاوية، تتذكر حين كانت ساذجة ومشدوهة، مأخوذة بوسامته الصارخة وشخصيته القيادية، يوم كانت إبتسامته تشعل كيانها بأرقى المشاعر وأجملها، يوم كانت لمسته تطير بها فوق السحب.
يوم كانت مغرمة به حدّ النخاع......
أمّا الآن....
إختلف الأمر بطريقة عكسية
فأضحت وسامته لا تزيدها سوى إشمئزازاً
وشخصيته القيادية الغت شخصيتها حدّ الفناء
إبتسامته أضحت تحرق كيانها ترقباً لما ينتظرها من ساديته وعنجهيته.
ولمساته تترك أثرها المستديم بكل شبر من أنحاء جسدها.تكوّرت حول نفسها تترقب القادم بفزع لا تملك سلطة عليه مهما حاولت مقاومته، تراقبه يحمل حقيبتها ويفتحها ويفرغ محتوياتها بجواره، يتدحرج أنبوب أحمر الشفاه أرضاً.....
قلّب بمحتوياتها تتغضن ملامحه، كأنّه كان يتوقع إيجاد شيئ أخر بداخلها، وبعد أن قلّب بمحتوياتها وإقتنع بأنّه لن يجد ضالّته فيها رماها جانباً يوليها كامل إهتمامه.....
كتّف ذراعيه عند صدره يسألها بهدوء تام، هدوء تسلل الى أعماقها كآلاف من الإبر الدقيقة تنهش بعروقها......
« ما الذي قاله لك ذلك الرجل الذي إقترب منك في المطعم؟»إنسحبت أنفاسها من صدرها دفعة واحدة لحظة نطق بسؤاله، تدرك أخيراً سبب البلبلة الحاصلة.
هزّت برأسها بعجز، تغرق مقلتيها بالدموع المتحجرة، تتوسّله أن لا يذهب بهما الى ذلك الدرب....«لقد أوقعت حقيبتي دون أن أشعر، إنّه رجل غريب لا أعرفه، كان فقط يعيد لي حقيبتي» همست تعلم بأنّها مهما قالت ومهما أقسمت، لن يصدقها.....
الصقت ظهرها بظهر المقعد التي تشغره تراقبه يترك مقعده ويقترب منها، ملامحه تنبئ عن العاصفة القادمة، عاصفة من أعماق الجحيم، عاصفة لن ترضى عن نفسها الاّ بعد أن تقتلع وتدمر كل ما يصادف دربها.وصل اليها يجثو قبالتها، يتموضع بين ساقيها، ترتاح كفّه على فخذها، يصنع دوائر صغيرة بأنامله، حدّقت بها بضياع، تستعد نفسياً وجسدياً للإعصار القادم.
شهقت بعمق عندما هجم عليها تحتوي أنامله عنقها، يمنع عنها الهواء، دنا بوجهه من وجهها، تزوغ أنظارها، ترى هيئته تتراقص أمامها، تلفح وجنتيها وشفتيها حرارة أنفاسه الغاضبة....
« نايا، أنت تعلمين بأنّي لن أعتقك قبل أن تعترفي وبأدق التفاصيل...من يكون؟ كيف تعرفينه؟ ومن هو الوسيط بينكما؟»
هزّت رأسها تستجدي رحمته التي تعلم بأنّها ليست موجودة على الإطلاق.
« ماذا قال لك؟» سألها يرخي قبضته عن عنقها، يفسح لها المجال بالتكلم فسارعت تبرر« لقد سألني ما إذ كانت الحقيبة لي» أخبرته تردف في الحال«وأنا قلت له نعم وأخذتها منه بعد أن شكرته»رفع حاجبه يتأملها بلؤم، لا يبدو عليه الأقتناع بروايتها على الإطلاق.
أغمضت عينيها تدفن رأسها بين كتفيها بذعر لحظة رفع قبضته ناحيتها، تترقّب الألم القادم اليها.
ولكنّه هذه المرّة تمالك نفسه يتأمّل فزعها بنشوة عميقة، يتوعّد لها أشد عقاب على الإطلاق....فهو لم يلبث أن إستعادها
لم يلبث أن إنتهى من فترة عقابها على محاولتها للهرب منه
لقد وعدته بأنّها لن تعيد الكرّة
وهو صدّقها
صدّق بأنّها إقتنعت بأنّه ليس لها مخرج من حياته الاّ بمشيئتهإنتشل هاتفه من جعبته يجيب المتصل.
إستمع لما عنده يقول« حسنا، خمس دقائق ونكون عندكم»
أنت تقرأ
مشاهد سجينة جدران قلبه لكاتبة أمل القادرى
Romanceسجينة جدران قلبه قبض على ذراعها بقسوة، يدفعها ناحية الجدار، يثبّتها هناك، يحتويها بجسده، قبض على فكّها بعنف يدنو بوجهه من وجهها، يكتفي بتأمّل الذعر والألم يجتاح ملامحها، ولكنّها بذات الوقت تتحلّى بالتحدّي، تعلمه بأنّه إذ حرمها من يزن ستحوّل حياته ل...