المشهد الثالث

391 11 0
                                    

المشهد الثالث

قادها نحو الداخل ترى رجاله يقفون في وسط المستودع، فغضّت بصرها عنهم كحالهم تماماً، تراقب الأرض تحت قدميها، خوفاً من أن يتّهمها بأحد منهم، إذ قد فعلها من قبل ولأسباب تافهة، لمجرّد أنّها رفعت بصرها في بعض المرّات وحييت الحارس الذي فتح لها باب السيّارة.

ومن يومها تشعر بهم يهربون بالإتجاه المعاكس عندما يرونها قادمة نحوهم، يخافون من إتهام مماثل أودى بحياة زميلهم المسكين.

جذبها من ذراعها يستوقفها، فرفعت بصرها بعفوية ترى نفسها بمواجهة شاب ذات ملامح مشوهة، فزعة ملطخة بالدماء، تدرك بأنّ المسكين قد تعرّض لضرب مبرّح، تسمّرت بأرضها تحدّق به بتساؤل وحيرة، لا تفهم ما يحصل من حولها، جالت بنظرها المضطرب حول رجال عماد تراهم يمسكون جسده المتهالك من كلتا الجهتين، يعينونه على الوقوف، تراجعت بضع خطوات تتأمّل ساقيه المتهالكتين، بالكاد قادرتين على حمل وزنه...

شهقت تنتفض بذعر لحظة قبض عماد على خصرها يثبتها بأرضها يقول من خلفها«والآن، من منكم سيتشرف برواية القصّة»
« ماذا... يحصل... هنا؟» سألت بنبرة مرتعشة
« ما الذي قاله لك عندما إدّعى بأنّه يعيد اليك حقيبتك»

توسّعت مقلتيها بصدمة، تتعرّف على هوية الشاب المسكين، شهقت تكتم شهقتها بكفّها، تنهار، تدرك بأن أبواب الجحيم قد فُتحت عليهما على مصراعيها....
هل فقد عقله هذه المرّة؟
هل وصل به المآب الى هذه الدرجة؟
« عماد أرجوك» همست لا تجرؤ على الإستدارة اليه لمواجهته، خائفة من القادم، خائفة على سلامة هذا الشاب المسكين.... 
« لقد أخبرتك بأنّي لا أعرفه، أقسم لك، أرجوك حكّم عقلك» صرخت لحظة جذبها من شعرها يدير جسدها اليه كي تواجهه هادراً بها« إنتبهي لعباراتك نايا، لست بحاجة لنصائحك، أنا أعلم بأنّك لن تتوقفي عن محاولة الهرب، ولهذا السبب أنا مضطر لإعتبار كل شخص يقترب منك مصدر خطر علي» حرر شعرها يقبض على فكّها يرفع عنقها اليه بطريقة مؤلمة، ولكنّها لم تتذمر، تدرك تماماً ما الذي يفعله....
إنّه يعلم بأنّ هذا الشاب بريئ من إتهامه، ولكنّه لن يعتقه، بل سيعاقبه، فقط كي يجعله عبرة لغيره، ولكي يوصل لها رسالة واضحة، هذا سيكون مصير أي أحد يقترب منك أو يُشك بأمره، لذا إنتبهي كيف تتصرفين أو تتعاملين مع الآخرين.

« أقسم لك بأنّي لن أحاول الهرب من جديد، أقسم لك» أقسمت بالرغم من أنّها تعلم بأنّ إستمرارها بالقسم سيثير سخطه، ولكنّها تريده أن يصدقها، لا يمضي بنيّته، خائفة من أن يقدم على أذيته أكثر، لا تريد أن تحمل ذنبه، بسطت كفّها على صدره تقول« أنا لم أرى ذلك الرجل بحياتي من قبل، فأنت حتّى لم تخبرني بإسم المطعم الذي سنذهب اليه، وطلبت منّي تجهيز نفسي للخروج بآخر لحظة، أرجوك، إذ لم تكن هذه الأمور دلائل كافية لصدقي ماذا إذاً» حاولت حثّه على التراجع عن نيّته، لا تريده أن يقتص منه لذنب لم يقترفه تردف« وأنت تعلم بأنّي قد عزفت عن نيّة الهرب، لقد كانت غلطة ولن تتكرر، أقسم لك»
« توقفي عن القسم والاّ كسرت أسنانك المثالية هذه» هدر بها يرفع قبضته بوجهها على وشك فقدان أعصابه فصمتت تغمض عينيها ترقباً لقبضته، خائفة من ثورته المجنونة....

مشاهد سجينة جدران قلبه لكاتبة أمل القادرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن