المشهد السابع والثامن

292 10 0
                                    


سجينة جدران قلبه

مشهد ٧
«دعيني أساعدك يا صغيرتي» قالت أمينة تناولها قرصين من مسكّن الألم، تعينها على مغادرة السرير، تخاطبها بنبرة متعاطفة« لقد جهزت لك حمّاماً بالأعشاب والزيوت التي من شأنها تخفيف التشنّجات.»

تأوّهت تستعين بها، دموعها غزيرة تحجب عنها رؤيتها، الخجل والخزي يسيطران عليها، اللعين، كما توقعت، لقد أفرغ غضبه الهادر بجسدها،
بوحشية
بعنف
بقسوة
بعدم رحمة
غاضب لدرجة دفعته لتجاوز كل التجاوزات معها.
كوحش ضار، أنهكه الجوع والعطش وصادف دربه فريسة سهلة ينهش بها دون رحمة، يُشبع بها ظمأه وجوعه....

« ما عدت أتحمل أمينة، ما عدت قادرة على تحمّل المزيد، أشعر بجوفي كبركان هامد يهدد بالإنفجار بأيّة لحظة.» تمتمت تعود للسرير، لا تريد أن تستحم، لا تريد أن تبدأ يوماً جديداً يحمل بين طياته فضائع جديدة،
وبتأنّي جلست على حافّته تتأوّه بصمت وخجل، تردف بين شهقاتها« أريد إبني، أريد يزن، سأموت من دونه، أنا كنت أصبر وأتحمل من أجله فقط...»
«إهدأي، إهدأي يا حبيبتي» هتفت أمينة تضم جسدها المرتعش الى صدرها، تملس على شعرها.

عصرت مقلتيها تتحرر دموعها الحبيسة، تتمنى لو أنّها بقادرة على مساعدتها، ولكنّها مثلها، لا حيلة لها، فعماد يمسك زمام عنقها بقبضته، يوظّف ولديها بوظائف لا يحلم بها فقيرٌ كحالهم، وهي تعلم جيّداً بأنّها إذ فتحت فمها حيال ما يحصل في هذا المنزل ستجد نفسها وولديها وعائلتيهما بالشارع، حرفياً بالشارع، هذا إذ إكتفى بتشريدهما، ولم يقدم على قتلهما.....
الفكرة وحدها تخطف أنفاسها وتصيبها بالذعر.....

إنتفضت مبتعدة عندما فُتح الباب ودخل منه بدون سابق إنذار، وقف عند عتبته يراقبهن بنظرات مستنكرة، لا يعجبه ما شهد عليه للتو....
فإبتعدت تتلعثم بالكلمات« سيّدي، لقد، لقد كنت أساعدها على دخول الحمّام، لقد.... لقد حضرت لها الحوض ب،،،،»
« أخرجي » هدر بها يشير للباب
فأخفضت بصرها ناحية الأرض تسرع بخطواتها خارج الجناح......يرتعش قلبها ذعراً.... خائفة من أن يبعدها.....
إذ تعليماته كانت واضحة
إنّها هنا لتنفيذ أوامره فقط، وتتصرّف على أساس أنّها لا ترى، لا تسمع، ولا تتكلم..... 
ممنوعة من التعاطف مع نايا، ممنوعة من إظهار مشاعرها، لأنّه بإعتقاده إذ فعلت، ستقف عاطفتها بدرب ولائها له.....

إنتفضت نايا بخفة على صوت طقّة الباب وهو يُغلق بهدوء تام، تدرك بأنّها أضحت وحيدة معه، تعلم بأنّ نظراته منصبّة عليها، تلتهمها كالعادة بإنتشاء تام.
وبعفوية حضنت نفسها، تضم جسدها، ترفع ساقيها، تضعهما تحت فخذيها، تنكمش على نفسها كطفل خائف من وحوش الظلمة، خائف من أن يتنفّس أو يقوم بحركة طفيفة فيكشفون مكانه......

إقترب ومع كل خطوة يتخذها بإتجاهها كان قلبها ينتفض مقابلها، تضج أسماعها بصوت هدير قلبها والدماء المتسارعة بعروقها....
بعقلها يحصل الف سيناريو، تريد أن تصرخ به، تشتمه، تخنقه، تمزقه بأسنانها، تخربشه بأظافرها التي يعمد بنفسه على أن لا تطول، تتخيّل بأنّها تعذّبه وتسمع صرخاته المتوسّلة لها أن ترحمه، ولكنّها لا تفعل، بل تستمر بتعذيبه بنشوة عميقة.........

مشاهد سجينة جدران قلبه لكاتبة أمل القادرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن