المشهد الخامس

358 11 0
                                    


المشهد ٥

قصر يضاهي قصر زوجها فخامة وعراقة، قديم الطراز، ميراث جدهم الأكبر، قصر العائلة، بناء حجري بني اللون، مؤلّف من ثلاثة طبقات، عريض يحتل مساحة كبيرة من الأرض، محاط بالحدائق من جميع الجهات، ذات نوافذ مستطيلة وتيجان على رؤوسها، يزيّنها زجاج من الموزاييك الملوّن بألوان فاهية متناسقة بشكل أنيق.....
من يرى القصر من الخارج يحسد قاطنيه على ما يملكون من رفاهية، أمّا هي فتحسد جميع من يعيش خارج نطاق هذه العائلة.....

توقّفت السيّارة أمام مدخل القصر، تتوتر ملامحها وهي تشاهد سيّارات بقية أفراد العائلة تركن أمامه كذلك الأمر، تدرك بأنّ العشاء ليس مخصص لهما فقط.
ضمّت جسدها تغرق بخيبتها، تدرك بأنّها لن تحضى بالوقت الكافي مع صغيرها، خاصّة أنّ اللعين عماد تأخر بالحضور، وهي متأكدة بأنّه فعلها عن قصد، فقط لكي يحرق أعصابها إشتياقاً ولوعة.....

فُتح الباب من ناحيته وناحيتها بذات الوقت، ينزلان كلاهما، ينتظرها عند أسفل الدرجات الحجرية الضخمة، ناولها ذراعه فشبكت ذراعها به وصعدت بجواره، تفكّر بصغيرها الذي لم تره منذ ثلاثة أسابيع، خطفه منها عقاباً لها على محاولتها الهرب به من القصر، عقاب برع بتنفيذه، إذ لم يكسر روحها شيئ أكثر من مسألة حرمانها منه......

وقبل أن يصلا الى أعلى السلالم، كان باب القصر الخشبي ينفتح على مصراعيه، تظهر والدته منيرة منه، كعادتها بكامل أناقتها، إمرأة تبدو شابّة بالرغم من كبر سنّها، عمليات التجميل تقوم معها بالواجب المطلوب، ذات جسد ممشوق، وشعر أشقر مصبوغ بعناية، تتزين بأفخم الجواهر، وذات شخصية متسلطة لا تختلف عن إبنها بشيئ.

« حبيبي» هتفت تأخذه بأحضانها، تقبّل وجنتيه وتتمسك به لبرهة، تعود وتقبّل وجنتيه من جديد، وتختم إستقبالها بطبع قبلة على شفتيه.
« أمّي» هتف « كيف حالك؟» سألها يبتعد عنها، يجذب نايا لجواره، كأنّه خائف من أن تهرب منه.

« نايا حبيبتي» هتفت تسلّم عليها باليد، تتأمّلها بنظرات متفحّصة، تتغضّن ملامحها وهي تراقب فستانها الرمادي الفاتح، بأكمامه الطويلة وياقته المرتفعة وطوله الذي يغطي كاحليها.
فستان أنيق وبذات الوقت بسيط جداً...
تزيّنه بعقد طويل من الألماس مرفق بإسورة مرصّعة بالألماس وخاتم من الياقوت الأحمر......
ما ترتديه الآن فقط يساوي ثروة من شأنها أن تطعم قرية بأكملها لشهر.....

شعرها كالعادة مضموم بضفيرة أنيقة تبدأ من أعلى شعرها وتنتهي عند أسفل ظهرها.
بشرتها خالية من أي نوع من مستحضرات التجميل.....
هذا المظهر الذي يعمد عماد على أن تتحلّى به عندما تغادر المنزل، محتشمة، بسيطة غير ملفتة للأنظار.....
     
نظراتها الممتعضة تتحدّث بالكثير، لا يعجبها البساطة التي تتحلّى بها، لطالما إنتقدتها بكل ما تحتويه غافلة عن أنّ حتّى ثيابها الداخلية من إنتقاء إبنها المصون، بكرها وعزيزها، الذي لا تتوانى للحظة عن التعبير عن حبّها العميق له.

مشاهد سجينة جدران قلبه لكاتبة أمل القادرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن