٢-حرير الشيطان

553 9 0
                                    

"هناك قصة أسطوريَّة قديمة تقول أن فتاةً وقعت في حبِ كاهن معبد، و هي قصة معقدة و غير منطقيَّة كعادة جلِّ القصص إلاَّ أنَّ المثير فيها أنه حين خانها هذا الكاهن، تحولت لحيَّة شبيهة بالثنين نتيجة لغضبها منه، و طبعا يمكنكَ أن تستنتج أنها نفثت حقدها نارا تَحرِقه بها"

توقفَ عن قراءة الأسطُر الغامضة للرِّسالة التي وجدها بجيب سترته بعد عودته لمنزله قبل قليل، و التي اختَصَّته بها ما إن ذكرتْ اسمه في بدايتها، و أمال رأسه للجانب مُحاولا تخمين هويَّة صاحبها التي لا يستطيع اكتشافها من خَطه لأنَّه و بكلِّ بساطة كُتبت آليَّا..

ابتلعَ ريقه و عبَث في خصلات شعره الأسود للحظة، ثم عاد ينظر للرسالة بين يديه.

هل هي إحدى ألاعيبها المجنونة؟ تسائل و سرعان ما ابتسم بسعادة متذكرا كيف قفزت فرحة حين عرض عليها الزواج اليوم..صورتُها و خصلات شعرها الأسود المموج تتعالى حولها، تُراقص ريح الغروب، لا تزال مُشكلة أمام عيناه.

رغم أنه لم يمض على تعارفهما قرابة الشهران إلاَّ أنَّه لن ينكر أنَّها أسَرَته..طيفها صار أنيس وحدته، و صدى ضحكتها صار معزوفة يومه المفضَّلة..

لطالما سمعهم يتحدثون عن الحب، و لطالما أراد أن يجرِّبه، لكن حقيقة كونه رجلُ أعمال جدي جعلت منه وحيدا، بعيدا عن هذا الأخير،  كما و سَاهمت في جعله يؤمن أنه لا بُدَّ أن يضحي بأحدهما حتى يستطيع الحياة..لكن حين إلتقاها غيرت مفاهيمه، تُخبره في كل همسة، و عبر كلّ بسمة، أنه حقيقي و رغم أنف الجميع..

و الآن و قد استوعب أنه قرأ كلماتا من المفترض أنَّها من كتبتها، عاد ينظر للورقة بين يديه و سقطت ابتسامته الحالمة ليظهر عوضا عنْها عقدة حاجباه المتسائلة عن السّبب..السَّبب الذي قد يجعلها تكتب له عن الخيانة فجأة..

تنحنح يصفي حلقه و فكَّ ربطة عنقه يلقيها جواره على الأريكة أين يجلس باهمال، ثم راح يكمل قراءة أسطر الرسالة الغريبة غرابة الموقف بأكمله، فلما ستقوم بدسِّها في جيب سترته بعد موعدهم الغرامي الأخير؟

"لم أكن لأتأمل هذه القصة الأسطوريَّة الامنطقيَّة ، لو لم تتغير الفتاة البريئة في داخلي لأفعى همها الوحيد أن يعمَّ الخراب خلفها."

توقف مجددا عن قرائته للرسالة و نظرة خاطفة مررها على الصالة حيث يجلس، و التي كان يعمها ضوء أصفر خافت ينافس ضوء نار المدفئة أمامه..مرّر نظرة لم تخلوا من التسائل و الحيرة، و كأنَّه بذلك سيحصل على جواب من الأثاث و الديكورات حوله، إلاَّ أن دقات قلبه اضطربت حين تذكر قلادة الأفعى الفضيَّة الذي لطالما حرصت على ارتدتها، سواء فوق ملابسها أو مباشرة على بشرتها شديدة البياض ما إن تقرر الخروج بمظهر حوريَّة بإحدى فساتينها.

زفر بعمق محاولا ضبظ تنفسه و عاد ينظر للرسالة من جديد..

"كثيرة هي الحماقات التي يرتكبها الانسان طوال حياته، لكن أبشعها و أعنفها حماقة الحب باسم الجمال..الوجود..و الأمل.
أعلم أنَّك تتسائل بداخلك عن ماهية السُّطور السَّابقة، و ربما تحاول تحليل ما يقبع خلفها بذماغ رجل الأعمال خاصتك، لكن قطعا لن أتركك دون أجوبة."

الأفعى و الوحش (مكتملة) Où les histoires vivent. Découvrez maintenant