٩ دماء وذكريات

69 3 7
                                    

غرقت مدينة أزيلال الجبيلة بظلام الليل المخيف الذي يُحاول القمر جاهدا مجاهبته، فعم السكون بداخل أروقة الملجأ الصغير بعد أن خلد الكل للنوم..أو هذا ما ظنته أسيل و هي تتسلل من سريرها حافية القدمين بابتسامة سعيدة تُلقي بنظرات متفرقة على رفيقاتها النائمات.

التسلل لحديقة الملجأ ليلا كان تحديا رائعا بالنسبة لها، فمراقبة القمر و هو يتحرك بسرعة خلف السحب أو عدُّ النجوم البراقة يُشعرها بسعادة عظيمة لا تكاد تتحسسها نهارا حين يعم ضجيج الأطفال المكان.
كانت مراهقة لم تتجاوز الخامسة عشرا من العمر و رغم هذا فهي أحبت العزلة و الهدوء، لو لم يتواجد أنمار بنفس الملجأ رفقتها لاعتزلت البشر جميعا و لن تضطر حينها لمصاحبة الشلة من رفاقه و رفيقاته.

بخطوات حذرة كانت تسير بالرواق الأخير الذي صار يفصلها عن الباب الداخلي، و لأن مجلس الحارس كان خارجا فلم تكن تجد مشكلا في الوصول للحديقة، لكن و لأنه يتوجب عليها تجاوز الغرفة الوحيدة بهذا الرواق..غرفة المراقبة الليلة حيث الحواسيب المتصلة بكاميرات المراقبة فقد كان لزاما عليها أن تقف على بعد بضع خطوات من عتبتها لتطل ببطء على السيد حسن المُكلف بتتبعها قبل أن تقفز للجهة الأخرى في غفلة منه.

توقفت فجأة ما إن إقتربت من عتبة الغرفة، و ارتفعت دقات قلبها بسرعة حين تهادى لمسمعها صوت أنين مكتوم يغادر الغرفة، فسارعت تُسند ظهرها للحائط و أحكمت قبضتيها تشجع نفسها من اختلاس نظرة لما يحدث بالداخل..

-"هيا أسيل..تشجعي، ليست المرة الأولى التي تلقين فيها نظرة" همست في سرها و همت بأن تُطل لولا أن تحول الأنين لبكاء مكتوم فعادت مكانها بخوف أكبر خصوصا حين استطاعت أن تميز أنه صوت فتاة..

-"سأنادي أنمار..أجل سأناديه!" تراجعت تعزم التسلل لجناح الفتيان حتى توقظ أنمار ليرافقها لكنها توقفت في منتصف الطريق حين تهادى لمسمعها خطوات بداخل غرفة المراقبة و البكاء المكتوم الذي ازداد ،فزفرت تطرد خوفها و عادت من جديد و هذه المرة استطاعت أن تُلقي بنظرة خاطفة بعد أن قرفصت أرضا و قربت رأسها من الارض حتى لا يَستطيع أيا كان رؤيتها.

فتح فاهها بصدمة و سارعت تكتم شهقتها بكلتا يديها قبل أن تتراجع بزحف و ارتعاد للخلف.

لم تعلم بعدها كيف استطاعت العودة لسريرها بعد ذلك، لكن ما عرفته جيدا أنها لم تعد كالسابق بعد أن شاهدت إحدى فتيات الملجأ تتلقى طعنة من سكين حاد في منتصف صدرها و الآثار على جسدها العاري المقيد و الملقى على أرضية غرفة المراقبة وجدها تُخبر بتعرضها الاغتصاب قبل ذلك.

-"أسيل..أسيل استيقظي!"

صوت مألوف ينادي باسمها فتأوهت بخفوت و أجبرت أهدابها على أن يفترقا تسمح بذلك للنور أن يضيئ ما حولها..

-"حرارتها مرتفعة إيفان..ماذا نفعل؟"

-"أليست ممرضة؟..دعها، حين تستيقظ ستعالج نفسها "

الأفعى و الوحش (مكتملة) Où les histoires vivent. Découvrez maintenant