*في هدوء وسكينة كان يجلس خلف طاولة مكتبه الأنيق يستمع إلى إحدى مقطوعات "ارنستو كورتازار" العالمية كعادته حينما يقوم بدراسة إحدى القضايا المعقدة الهامة لم يشعر بشيء من حوله إلا والسيدة كريمة مدبرة منزله ومربيته الخاصة التي أحبته واهتمت به مثل أمه و أكثر تقف أمامه وتضع فوق سطح المكتب صينية كبيرة بها الكثير من الشطائر الساخنة وكوب كبير من الحليب وهي تقول بنزق كعادتها:
_"الساعة دخله علي 11 وأنت لحد دلوقتي محطيتش ولا لقمة في بقك أنت عارف بقالك قد إيه في المكتب"
ابتسم بوقار يسألها:
_"كام الساعة يا كركر"
جلست في المقعد المقابل له تمد يدها بإحدى الشطائر وهي تغمغم بوجه عابس:
_"أربع ساعات من وقت ما جيت من بره....يلا كلك لقمه يابني"
خلع نظارته الطبية ذات الإطار الأسود العريض والتي تزيده جاذبية وفخامة يضعها ببطء فوق أوراقه المتناثرة فوق سطح المكتب:
"كركر أنتي لسة زعلانة مني....أنتي عارفة أنا بحبك أزاي ومقدرش على زعلك أبدا"
بلعت كريمة لعابها وهمست بوجه مكفهر:
_"لو كنت غالية عندك وبتحبني زي ما بتقول كنت وافقت تشوف العروسة الا جابتها عمتك منيرة بس أنت راكب دماغك"
ترك الشطيرة من يده يقول بعبوس وهو يفرك جبهته دلالة على التفكير:
_"يعني هو الحب والغلوة عندك بالجواز يا دادة....أنا مش عايز أتجوز خلاص الموضوع دة أتقفل من زمان"
هدرت كريمة من بين أسنانها وهي تعطيه الشطيرة مره أخرى مع كوب الحليب:
_"لا حول ولا قوه إلا بالله....يا ابني يا حبيبي هو الا مراته ربنا يفتكرها عنده ويبقى أرمل يرفض يتجوز تاني...كنت حقك ترفض الجواز بالشكل ده لو معاك عيل ولا اثنين وخايف عليهم من مرات أب بس أنت يا حبيبي المرحومة ماتت قبل ما تجبلك حتت عيل ياخد بنفسك وحسك"
زم نضال شفتيه بانزعاج واضح وشعر برغبة عارمة في إنهاء تلك المناقشة:
_"خلصتي كل اللي عندك يا داده....خدي صينية العشا ديه وسبيني اتشغل في قضايا الناس وانسي أمر الجواز والعروسة الا شبه المليكان ديه لا روح ولا دم"
شهقت كريمة بارتياع:
_"ايه ديه زي القمر....حمار وحلاوة زي مابيقولوا انت بس الا عايز تطلع في كل عروسه القطط الفطسانه"
انطلقت ضحكة عذبة من نضال ليقول بتسلية وهو يرفع حاجبيه:
_"حمار وحلاوة ايه بس....انا هتجوز بطيخه يا كريمة والله انتي سكر أنا ولا يهمني الجمال ولا الجسم ولا المكانة العائلية على قد ما يهمني جدا إنسانة تفهمني، تقدر شغلي وظروفي تقدر حياتي و أحس معاها إني مرتاح منسجم عايش في هدوء"
_" زي ماكنت عايش كدة مع إسراء الله يرحمها بس مش كل صوابعك زي بعضها يانضال"
قالت كريمة بتذمر وهي تلوي شفتيهاغمغم بوجه متهجم خالي من أي تعبير:
_" يا داده أرجوكي افهميني...أنا في غنى عن إنسانة تكون دماغها فارغة فاضية يوم عايزة نادي ورقص وشوبنج وهبل....انا كبرت يا كريمة كبرت عندي 42 سنه ولا نسيتي"
*لوت كريمة شفتيها وهي غير مقتنعة بما يتفوه به نضال ابن قلبها الإبن الذي لم تحمله بأحشائها ولكن حملته بقلبها:
_"طيب فكر ورحمه الغاليين الست إسراء والست بهيرة والدتك....فكر كده ومش مهم ديه في كتير يتمنوا بس نضال الشافعي يشاور عليهم....إراهيم بيه نفسه يشوف حفيده أنت عارف هو بيحب ولاد أختك ندى أزاي بس أعز الولد ولد الولد"
فرك نضال شعره يتأفف ساخطا:
"أنتي قولتي بنفسك بابا عنده ولاد ندى يبقا فضيها سيرة يا داده"
ضربت كريمة فوق صدرها معترضة:
"ولاد ندى مش على اسمه....مش باسم ابراهيم الشافعي يابني أعز الولد ولد الولد"
أنت تقرأ
لن أستسلم
Romanceنوفيلا / مكتملة... ضمن سلسلة / حكايات وبنعيشها... "سوف تمر العاصفة وابقي استمع....ابكي... ابتسم... ثم اتجاهل لن ايأس أبدا....لن اخذل قلبي واحتقر جسدي... قد يؤلمني العالم أجمع وينفرني ولكن سأظل متمسكه بحياتي فانا لها..." ...