سَعادَة

382 6 3
                                    

لقد كانَ مِن الغريبِ لايان قدرتهُ على الإنفتاح عَن ما يشعُر بهِ مِن خوفٍ مِن أهله و على قُدرتَهِ على البُكاءِ أمَامَ شخصٍ عرفهُ مِن فترةٍ قصيرةٍ بينما هُو لمْ يتجرأ حتى أنْ يقولَ أنهُ ليسَ بخيرٍ حينمَا يسألهُ أصدِقائهُ الذينَ عرفهُم مِن وقتٍ طويلْ ، هُم أصدقاءُ جيدونَ بالطبعِ و سيكونونَ بجانبهِ دومًا و لابأس حقًا إنْ أفصحَ عَن أحزانِه لهُم و إنْ أخبرهُم أكثرَ عَن حياتِهْ و لكِن هو فقطْ لا يستطيعُ ذلكَ و لا يشعُر بالراحةِ للحديثِ عَن ما يُؤلِمهُ لكِن مع إيثانْ هو فقَطْ أسقطَ كُلَّ الجُدرانِ التي بناهَا حولَ نفسِه ، لدى هذا الشابِ تأثيرٌ قويٌ و جِدًا عليهِ فقطْ النظرُ إليهِ يُشعرهُ بالأمانِ و يُجعلهُ يطمأِنُ حتَى لو كانَ يحترِقُ في النّار .. إن قالَ إيثانْ أن كُلَّ شيءٍ بخيرٍ فهو سيُصدقُه حتمًا . لقد كانا جالسينِ في مطعمٍ لَمْ يزُره ايان قبلاً و لقدْ كانَ هذا غريبًا بالنسبةِ لهْ لقد ظنَّ أنهُ يعرفُ كلَّ شبرٍ في هذهِ المدينة ، لقدْ كانَ مَطعمًا صغيرًا بسيطًا و لكِنهُ جميلْ ، معَ جُدرانٍ باللونِ البُني الفاتِح و الأرضِ الخشبيةِ ، كانَ هُناكَ كتاباتٌ على الجُدرانِ مِن الأشخاصِ الذينَ زارو المَطعَمْ و هذا جعلهُ مُميزًا فكُلُّ زائرٍ يُمكنه كتابةٌ ما يشاءُ عليها أو الرَسمُ حتى ، الطاولاتُ زرقاءُ اللونِ معَ مقاعِدها البيضاء أضفَتْ جمالاً على جمالِ المكانِ و بساطتِه ، رائحةُ الطعامِ اللذيذِ و الموسيقى الهادِئة إنَّ هذا المكانْ مِثلَ النَعيمُ و هذا كانَ إسمَ المطعمِ بالفعلْ ! .

تَحدَثا في مواضيعَ عشوائيةً جِدًا أثناءَ إنتظارهِما لقدومِ طلبيهِما مثلَ ما سببُ تَسميةٍ الملاعِق بهذا الإسمِ ، لا شيءَ مُحددَ و لا مَوضوعَ طبيعي فقطْ الكثيرُ مِن السعادةِ و الرّاحة ، سعادةٌ أنسَت ايانْ أنهُ كان يبكي بالأمسِ و هذا ما جعلَ إيثانْ يبتسِمُ كالأبلهِ فجأةً ، " لماذا تبتَسِمْ ؟ " سأل ايانْ وهو ينظُر حولهُ ليعرِفَ السببْ فَهُما لم يتطرقَا لنقاطٍ مُضحكةٍ بعد ، " أنا سعيد " أجابَ إيثان بِصدقٍ و هو ينظُر لعيني ايانْ مُباشرةً مما جعلَ المقصودَ يبتسِمُ بخجلٍ و هو يجيبُ بصوتٍ يكادُ يكونُ مَسموعًا " أنا أيضًا سعيدْ " . تنهدَا براحةٍ في تزامُنٍ مما جعلَهُما ينظرانِ لبعضهما الآخرْ في الوقتِ ذاتهِ و ينفجرانِ في الضَّحِك لقد تحولَ ضَحِكُهما لإحراجٍ بعدَ أن إنتبها أنَّ النادِلةَ ظهرَتْ مِن العدمْ لقدْ كانَت هي الأخرى تبتسمُ بِبشاشةٍ أثناءَ وضعِها لما في صينيتها على الطَاوِلةِ " إستمتعَا بوجبتِكمَا ! " قالَت لتنصرِف بعدَ ذلِك ، " كانَ ذلِكَ مُحرجًا أريدُ الإختفاء " قال ايانْ و عادَ للضحِكِ مِن جديد " المواقِفُ المُحرجةَ تحصُل معي دائمًا لا عليك ! " تحدث إيثان مازحًا مما جعل الآخرَ يضحكُ أكثر لم يعلمْ حتى لماذا هو يضحكْ ، إبتسمَ و بَدأ يتناولُ طعامهُ بصمتٍ مُحتفظاً بإبتسامتِه ليتبعهُ ايان هو أيضًا .. لقد كانا صامِتينِ أثناء تناولِهُما الطعامَ إلا أن كسرَ ايانْ الصمتَ قائِلًا " لم تُحدِثني عَن عائلتِكَ بالمُناسبة ! " أومأ إيثانْ ثُم قالَ مُتظاهرًا بالتفكيرْ " هذا صحيحْ و لكِن ليسَ هُناكَ الكثيرُ حقًا " صمَت لثوانٍ يَسترجِعُ ذكرياتهِ معَ أسرتِه ليتابعَ و هو يبتسِمُ " لدي فقطْ أمي و أختي الصغيرة و أخٌ أكبرُ مني بستِ سنواتْ، لقد توفيَ والدي حينَ كُنتُ في الثانيةَ عشرَ مِن عُمري . هُم يعيشونَ حاليًا في دولةٍ أخرى ، يعيشونَ في لندنْ أعني كُنتُ أنا ايضًا أعيشُ هناكَ لكني إنتقلتُ لهنا لا أعلمُ لما و لكني فعلتُ ، أخي طبيبٌ و أختي الصغيرةُ في الصف العاشِر و هي في فريقِ كُرةِ السلّةِ الخاصِ بمدرستِها .. إنها رياضية ، والدتِي مُحاميةٌ و حسنًا يُمكنُكَ القولُ أننا أسرةٌ جيدة ! أحادِثُهم دائمًا حينَ يكونُ لدينا جميعُنا وقتُ فراغ جمِيعُنا مشغولونْ " أنهى حديثهُ ليومأ ايان بتفَهُمٍ و يقولَ بعدَها " آسفٌ بشأنِ والدِك " أجاب إيثان " لا عليكْ " تردَدْ ايان قليلًا قبلَ أن يسألَ بفضولٍ " هل تزورُهم ؟ " ، " همم بشأنِ ذلك .. حسنًا آخرُ مرةٍ رأينَا بعضنَا فيها كانَتْ قبلَ سنتينِ رُبما قد أذهبُ إليهم أو يأتونَ إليَّ في الإجازةِ السنوية هذه السنة ؟  لا أعلم .. هل تُريدُ مُقابلتَهُم ؟ " تفاجئ ايان لِسُؤالِه الأخير و لكِنهُ إبتسمَ مُجيبًا " بالطبعِ سأحبُ مُقابلتَهم إنْ أردتَ ذلكْ " ، " بالطبعِ أريدُ ذلكْ لم أكُن لأسألكَ إن لمْ أُرِد  .. أحمقْ " أدار إيثان عينيهِ ليعبِسَ ايانْ و يضعَ قلبهُ على صدرِه قائلاً بدراميةٍ " لقدْ أصبحتَ تُناديني بالأحمقِ ! يا إلهي لم أتوقَع ذلكَ مِنكْ " قهقه بخفةٍ على تصرُفِه و غرزَ شوكتَهُ في قطعةِ اللحمِ أمامهُ ليرفعها أمام فمِّ الآخرِ قائلًا " قُل آ " خَجِل ايانْ و لكِنهُ بالرُغمِ مِن ذلكَ فعلَ ما طُلبَ مِنه ليضعَ إيثانْ الطعامَ في فمِه أثناءَ إبتسامِه لهُ كأمٍ تُطعِمُ إبنها الصغيرْ ، تابعا الأكلَ بهدوءٍ بعدَ ذلكَ و بعدَ إنتِهاءِهما خرجَا و أخذا يمشيانِ جنبًا إلى جنبْ بصمتٍ مُريحٍ بينَهُما . 

𝙇𝙤𝙫𝙞𝙣𝙜 𝙔𝙤𝙪 | حُبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن