ذهاب السعادة

124 19 15
                                    


يتخذان من مقعدٍ خشبي مجلسََا لهما و يحاوطهما العشب الأخضر و االازهار المتنوعة لكن من بين تلك الازهار كانت الاكثرهما انتشارََا هي زهرة شقائق النعمان ، يركزان ابصارهما نحوها بينما تجاهد لكي لا تهرب دموعها من سجن عيناها ، تنهيدة خرجت من فيه الآخر قائلََا :
" لم يكن لدي علم ابدََا بشعور افتقاد صديق مقرب ، سواء ان كان هو او هي ، حال الآخر يتدهور كلما مرت ثانية على افتراشها لسرير المشفي دون حركة ، لقد اثر غيابها بالجميع حقََا"
" حالة الجميع بأشد مراحل سوئها ، ليس بمفرده"
عاد الصمت ليكون ثالثهما للحظات عابرة الى ان قطعه هو مجددََا بكلماته التي تشي بتساؤله :
" لما زهرة شقائق النعمان تأخذ حيزََا كبيرََا من حديقتكِ ؟ و لما والدكِ كان يهتم بها  كثيرََا ؟ "
" كما اخبرتك سابقََا مينهو ، زهرة شقائق النعمان هي زهرة الشوق و تعني الإنتظار ، نشأت بين ابي و امي علاقة حب قوية يصعب كسرها ، كانا مثل الروح و الجسد اللذان لا ينفصلا ، لكن لا وجود لروح لا تغادر جسدها ، فارقت امي الحياة تاركة ابي بجسد لكن دون روح الى ان اعتاد الأمر رغم انه لم ينفك عن التفكير بها الي ان اتبعها ، كنت صغيرة حينها و كنت دائمََا ما اراه يهتم بتلك الزهرة و يوليها اهتمامََا كبيرََا و دائم النظر اليها ، تسائلت عن سبب هذا و كان جوابه
" تلك الزهرة هي زهرة الشوق و تعني الإنتظار ، انها الازهار التي دائمََا ما انثرها على قبر والدتكِ ، انثرها لأخبرها انني اشتاق لروحي و ما هي إلا تلك الروح التي غادرتني ، و انثرها لأنني اخبرها انني انتظر ، انتظر موعدي لمقابلتها مجددََا"
كنت حينها مراهقة ذات الأربعة عشر عامََا ، و لم اعي كلماته العميقة ، لكنني ادركتها عقب رحيله"
تسللت يده لخاصتها في محاولة التمسيد عليها عندما رأي عبرة متمردة تخرج من عينيها ، امتدت شفتيه بإبتسامة هادئة و من بعدها تحركت شفاهه مخرجة كلماته البسيطة عكس تأثيرها القوي عليها
" كل شئ سيكون بخير قريبََا ، بارك هيوناي "











تجر قدميها بوهن و ملامح وجهها يحتلها اليأس و الحزن ، كانت تسير بينما تنبعث بنفسها خواطر عن لحظات من الماضي القريب ، لحظات دفيئة ، لحظات سعيدة ، لحظات جميلة ، و جميعها كانت برفقة صديقتها النائمة و بقية اصدقائها ، تمردت إحدى دموعها خلف نظاراتها الزجاجية متخذة لها طريقََا علي طول خط وجنتيها ، توقفت اقدامها عن حركتها البطيئة و التي تدعى بالسير ، استادرت امام لوح زجاجي خاص بالواجهة الزجاجية التابعة لهذا المتجر القديم و خلفه يعرض الكثير من المنتجات التي لا تكترث لها ، فقط تناظر انعكاسها الظاهر بينما ذلك الضوء التابع لهذا المتجر منطفئ كحالها و كحال اصدقائها و ذلك العاشق ، ظهر اثر تنفسها الدافئ على الزجاج ، ذلك البخار الذي تكون امامها مكونََا غشاء يخفي صورتها لتصبح غير ظاهرة ، ابتسمت بإنكسار عند تذكرها لتلك اللحظة السعيدة ،
كانت تسير برفقة صديقاتها و السعادة ترافقهم ، الى ان توقفن امام ذات اللوح الزجاجي الخاص بذلك المتجر الي تقف الآن امامه وحيدة ، كن يتفحصن مظاهرهن ، منهم من تعدل شعرها و اخرى تتأكد من تنظيم ملابسها و غيره  ، كان الطقس باردََا لذا اثر تنفسهما الدافئ كان ظاهرََا على الزجاج ، امتدت أصابع لوكا لتكتب اسمائهن بالترتيب ، عندما انتهت قمن بتصويرها و التقاط صورة لهن ، لكن خرجت فجأة صاحبة المتجر بينما تبعدهن عن متجرها ، غادرن بينما يضحكن بخفية و اكملن طريقهن و ما زالت السعادة لا تفارقهن
عادت لواقعها مشاهدة اثر تنفسها و مازال قائمََا على اللوح الزجاجي ، امتدت اناملها تكتب اسمائهن كما فعلت صديقتها سابقََا و انهت الأسماء بخاصتها
" ماري"
اخرجت هاتفها لتلتقط تلك الصورة و من ثم تعيده الى حيث كان بجيب معطفها ، التقطت اذانها صوت مألوف عند نطقه لجملته ، كان صوتََا محببََا لها ، صوتََا لطالما كان يتحدث بكل شئ يبعث لها الطمأنينة ، لكنه احيانََا يتحدث بلسانََا لسيط لا يستخدمه الا لمشاجرتها
" تمر علينا لحظات سعيدة و اخري حزينة  ، تمر علينا السعيدة منها لكي نتذكر حزننا و نبتسم ، و تمر الحزينة منها لكي نتذكر السعيدة و نبكي ، لا تطول السعادة و كذلك لا يطول الحزن ، لكن بحالتنا تلك يجب علينا الإنتظار  "
ابتسمت ابتسامة حزينة لتنطق كلماتها بصوتها الباكي
" لما تظهر لي كلما احتاجك ، يا شبيه الكنغر العجوز"

The Moon  Where stories live. Discover now