ضوضاء وضجة وعويل ، أنقذونا أنجدونا حررونا ، وموج البحر يعلوا وينخفض ، الاشرعة تتحرك يمنة ويسرى ، ينظر ماثيو نحو سفينة داكنة الأشرعة صوت آلاف الأسرى المنكوبين ، وأيديهم وأرجلهم المكبلة بالأغلال والجنازير التي تسحب ببطء وضعف ، أطفال ونساء وعجز ينحبون ويئنون ، مشهد حزين يجعل ماثيو يبكي من الألم ( يقول لماذا هذا العالم قاس ، لماذا نبيع بعضنا لماذا لا يستجيب أحد لنداء الضعفاء ) . هذا ماثيو ذو الثمانية عشر ربيعا ينظر لأول مرة لحقيقة هذا العالم القاسي ، صوت عذب رقيق ينادي : لماذا لا تكون ذلك الشخص الذي يساعدهم ويمدهم بالقوة !؟ ، لماذا لا تكون ذلك الشخص الذي يتطلعون اليه !؟ ،كن مثل الملوك ؛ الملوك الحقيقين الذين سمعنا عنهم بالقصص القديمة والروايات ،ابن لك مكانا ليعيش فيه الضعيف ، انك تستطيع ذلك وأكثر ، يلتفت يمنة ويسرى ، ويقول من انت ؟! يقول الصوت : سنلتقى يوما ما أثق في هذا ، وتجمعنا الأيام معا ، لاتقلق ، وقم بما يفكر به قلبك........ أخي أخي ؛ صوت أخت ماثيو الصغرى "ليلى" ينادي ، يفتح عينيه ويقول لنفسه( صحيح لقد كنت نائما تحت شجرة التفاح ) ، تقول ليلى: أخي لقد جاء أبي من سفره ويسأل عنك تعال لاستقباله . يقول ماثيو : حسنا سآتي أتمنى أن لا أكون قد تأخرت عليه . تقول ليلى : لا لم تتأخر ، ولكن أخي لقد كنت تبكي في نومك ماذا كنت ترى . ماثيو متعجبا : هل كنت أبكي فعلا.!! ، لقد حلمت بحلم مزعج لا أكثر ، أتمنى أن لاتخبري أبي ، تقول ليلى : أخبره بماذا ، مثلا " أخي ماثيو ذو الثمانية عشر عاما يبكي تحت الشجرة كطفل صغير ، وتضحك ،يهم ماثيو بإمساكها فتجري بعيدا في تلك اللحظة يدخل الأب ، تجري نحو أبيها وتختبئ خلفه ، ينظر ماثيو نحو اخته بنظرة غاضبة ولكن بوجه مضحك ، وهي تنظر اليه بوجنتين منتفختين وبوجه غاضب لكن مضحك ، ينظر الأب إلى ليلى ويضحك ، ويربت على رأس ليلى ويقول : أرى أنكما لاتزالان طفلين صغيرين ، كبرتما كثيرا ولكن لاتزالان صغيرين ، تدير ليلى وجهها وتقول : اممم لست طفلة بوجه متجهم ، يضحك الأب ثانية ، وينظر لماثيو ، يقول ماثيو : مرحبا بعودتك أبي طال غيابك عنا ، يقول الأب : لقد غبت طويلا فعلا هذه المرة ، لكني جئت الآن وسابقى لمدة أطول قليلا ، يجلس الأب ، تركض ليلى نحو غرفتها وماثيو يجلس قرب أبيه ، تأتي الأم وتستقبل الأب بصدر رحب .
في يوم ما بينما هم يتناولون طعام الفطور يقول الأب لماثيو لقد أكملت دراستك صحيح ، يومئ ماثيو برأسه موافقا ويقول : لقد أكملتها منذ بضعة أيام فقط ، يقول الأب هذه المرة سأجهز لك سفينة محملة بالبضائع حتى تتاجر بها وتربح ؛ حتى تتعلم وتعتمد على نفسك، ويمكن أن تجد لك فتاة جميلة ومهذبه تصير زوجتك ، يحمر وجه ماثيو ويقول إن شاء الله ، ولكن بعد أن أنجح أولا ، يقول له الأب إذن بمشيئة الله ، سأجهزها لك بعد أسبوعين من الآن فأستعد، يقول ماثيو شكرا لك أبي .
بعد اسبوعين ماثيو يقف على الشاطئ وينظر إلى الأفق بعينين حالمتين ، فجأة يتذكر ذلك الحلم ويقول لنفسه : لم اتذكر ذلك الحلم الآن ، لم الآن من بين كل الأوقات؟؟!.
تقلع السفينه وماثيو يودع أبيه وهو يقول له : إني راض عنك يا ولدي وبحكمتك وعقلك فتصرف جيدا ، وعد لنا بأخبار جيدة ، ليلى تقول : أخيرا سيفرغ المنزل لي الآن لن اشتاق لك أبدا ، يودعها ماثيو وهو يضحك ، يعلم أنها لاتقصد ذلك فيودعها ويودع أمه ايضا .