╭────────༺01༻───────╮
عُيونٌ لاَ تَرحَم
تَقُولُ الأساطِيرُ أنَّ الشَّياطِينَ كَانَت تَعيشُ فِي الأرضِ قَبلَ ظُهورِ البَشَر، ولكِنَّ الفَسادَ الَّذي تسبَّبَت بهِ لنِظَامِ الحَياةِ أغضَب الإلهَ وجَعلَهُ يرفُضُ وُجودَهُم، فجَاءَ بالبَشرِ وتَركَهُم يستَحوِذُونَ علَى مَا كَانَ مَن حقِّ الشَّياطِين، وبَعدَ هذَا الإحتِلاَلِ الأخِيرِ وَقعَت حَربٌ طَاحِنَةٌ بَينَ الجِنسَين، دَامَت مِئَاتِ السِّنِينِ ووقَّعَت علَى التَارِيخِ الضَّائعِ مَعارِكًا مَلحَمِيَّة، وفِي النِّهايَةِ فَازَ البَشرُ بَعدَ أنِ إستَعَانُوا بقُوَّةِ المَلاَئكَةِ النَّقَيَّة، وتَناثَرتِ الشَّيَاطِينُ فِي أرجَاءِ الأرضِ مَطرُودِينَ منَ الرَّحمَةِ باحِثينَ عَنِ الخَلاَص. بِمرورِ الزّمنِ عادَت الأمُورُ إلَى المَجرَى المَرغُوبِ بهِ، وفي الآنِ ذاتِهِ كَانَت المَخلوقَاتُ المَطرودَةُ قَدِ إستَعادَت قُوَّةً كافيَّةً لتَنهَضَ مُجدَّدًا، فإستَعانَتِ الشَّياطِينُ بقُواهُمِ السِّحريَّةِ وتحَكَّمُوا فِي أشكَالِهِم ليَتعَايَشُو مَعَ البَشرِ مَحدُودِي القُدرَة، فظَهَرَت عَشائِرٌ تَستَخدِمُ السِّحرَ وعشَائرٌ تَمتَصُّ الدِّماءَ وتتغَذَّى علَى البَشر، ورُغمَ بدَايتِهِم الجدِيدَةٍ فِي العَيشِ بسلاَمٍ كَانَت الأروَاحُ الشُّريرَةُ تَسكُنُ كُلَّ واحدٍ مِنهُم، ولَم يلبِث السَّلامُ طويلاً حتَّى عادِ التَّمرُّدُ للظُّهورِ في بعضِ المَناطِق. أصبَحَ العالَمُ مكَانًا مُخِيفًا، فالتَّزَاوُجُ الَّذي حَصلَ بينَ البشَرِ والشَّياطِينِ خَلقَ وُحوشًا بَائِسَة، وسادَ الفَسادُ فِي الأرضَ أكثَرَ مِن ذِي قَبل، حَتَّى ظَهرَ ذَلكَ القَانُونُ الَّذِي يُعاقِبُ كُلَّ مُتجاوِزٍ بالمِوت، وبدَأتِ الأمورَ تأخُذُ مَسلَكًا أفضَلَ مِن بعدِه، تمَّ تحريمُ السِّحرِ في الأرضِ والقَضاءُ عَلـى كُلِّ هَجِينٍ كَانَ نتِيجَةً لتَعانُقِ أمشاجٍ مُختَلفَةِ الأصل. أمَّا النَّاجُونَ الفَارُّونَ فقَد إتَّخَذُو الجِبَالَ والغابَاتِ السُّفليَّةِ أرضًا لَهُم، وعادَ السَّلاَمُ لِيُغذِّي الأرضَ هدُوءً.
" هَل تَستَطِيعُ إمرَأةٌ بسَوادِ عَينَيهَا أن تَكُونَ بهَذَا الجَمَالِ فِي وَطنِ البَهرَجَةِ واللَّهوِ الَّذِي وَضعَهَا فِيهِ رَحِمٌ قَذِر؟ " هكَذَا وَصَفنِي رَجُلٌ لَم يسمَ مَكَانَتِي، وإنَّمَا رفعَ رأسَهُ وبِوقَاحةٍ جَابَهَ نَظَراتِيَ رُغمَ السُّمِ الَّذِي لغَّمتُ بهِ جَسَدَه، إبتَسمَ وكَأنَّنِي مَلاَكُهُ المُنتَظَر، ثمَّ قَال : " لطَالَمَا فَازَتِ العَاهِراتُ أمثَالُكِ فِي حُروبِ العُرُوش، ولَكِن أن أمُوتَ تَحتَ قَدَمَيكِ أمرٌ يَستَحقُّ التَّجرِبَة، أنتِ أجمَلُ إمرَأةٍ ستَجلِسُ علَى ذَلِكَ العَرشِ يَومًا."
-" أ حقًا تَقُولُ يَا وِيل؟ " إبتَسـمتُ وأمسَكتُ وَجهَهُ مِن أسفلِ الفكِّ أرفَعُ ذقنَهُ وإقتَرَبتُ مِنهُ فَبدَى مَسحُورًا بِعَينَايَ هائِمًا، مُستَغنِيًا عَن حَقيقَةِ أنَّنِي هُنَا لآخُذَ رُوحَهُ هدِيَّة، وقُلتُ بصِوتٍ هادِئ : " إذًا أخبِرنِي، كَيفَ تُريدُ أن تَمُوت؟ "
