الفَصل الحَادِي عَشَر

752 52 101
                                    

╭──────༺11༻──────╮

نَزلَةُ بَرد

   كَانَت لَيلَةً طَوِيلَةً تَأبَى عِنَاقَ فَجرِهَا، حتَّى أنَّ ثُلُثَهَا لَم ينجَلِي.

   تَحتَ نُورِ سِراجٍ خافِتٍ لاَحظَت شَارلُوت أنَّ وَجهَ الأمِيرَةِ يمِيلُ إلَى الإصفِرَارِ والشُّحوب، ورُغمَ ذلِكَ فإنَّ تعابِيرَها الحادَّةَ الَّتِي مَا إنفكَّت تُلازِمُهَا مُنذُ زَمنٍ لَم تتَأثَر، لكنَّ الخَادِمَةَ الوَفيَةَ ذاتَ النَّمشِ فكَّرَت بأنَّ تَنبيهَ أمِيرَتِهَا هوَّ واجِبٌ لاَبدَّ مِنه، وكَلَّمَتهَا يتَوارَى قَلَقُهَا خَلفَ نَبرتِهَا الجَادَةِ والهادِئَة :" لَستِ مُضطَرَّةً للذَّهابِ بنَفسِكِ يا سُموَّ الأمِيرَة." وَضعَت كفَّ يدِهَا علَى صدرِهَا وتابَعَت :" فلتُرسلِينِي عِوضًا عنكِ، لَن أخطِئَ إيصَالَ كَلِمَاتِك، وإن كُنتِ مُصرَّةً علَى رؤيَةِ قائدِ الفُرسَانِ بنَفسِكِ فلتَأمُريهِ بالقُدُومِ فحَسب."

   كَانَت مِيكَاسَا مُركِّزَةً علَى تَضييقِ الثَّوبِ عِندَ خصرِهَا ومُعاينَتهِ علَى المِرآةِ المُقابِلةِ لهَا، وأجَابَتَهَا دُونَ إهتمَامٍ كَبِير :" سأذهَبُ بنَفسِي."

   -" ولَكِنَّ جَسَدكِ ضَعيفٌ للغَايَة، إنَّكِ علَى شفَى المَرض، وتَحتَاجِينَ إلَى الرَّاحَة." كَانَت رَغبَتهَا فِي مَنعِ الأمِيرَةِ عَن الخُروجِ منَ الغُرفةِ مُلِحَّةً للغَايَة، ورفَعت مِيكَاسَا رأسهَا تَرَى إنعِكَاسَ مَلامِحِهَا المُتعَبَةِ وتِلكَ الهَالاتِ المُزرقَّةِ أسفَلَ عَينَيهَا، وكَأنَّهَا لَم تنَم ليَومٍ كَاملٍ ولَيلَةِ شِتاءٍ طَوِيلَة.

   -" الأمرُ لاَ يتعلَّقُ بضِعَفِ جَسدِي، أستَطِيعُ التَّحرُّكَ والتحدُّثَ دُونَ مَانِع." أردَفَت مِيكَاسَا ببرُودٍ وإستَدَارَت نَحوَ شارلُوت، ثمَّ قالَت :" فارِسِي الخاصُّ مَسجُونٌ دُونَ عِلمِي، التَّغاضِي عَن أمرٍ بهذِهِ الحَساسيَّةِ سيُكلِّفنِي الكَثِير."

   زفَرَت الأمِيرَةُ وكَانَت تُحاوِلُ التَّكتُّمَ علَى مَدَى شعُورِهَا بالتَّعب، الصُّدَاعُ يحطِّمُ جُمجُمَةَ رأسِهَا، والرَّغبَةِ فِي الإستِفراغِ تَستَفزُّ مَعدَتهَا مُنذُ إستَيقَظَت، علَى الرَّغمِ مِن خواءِ بَطنِهَا فلَم تأكُل شَيئًا ولَم تَشرَب.

   -" حَسَنًا يا سُموَّ الأمِيرَة، لاَ أملِكُ السُّلطَةَ لإيقَافِك ولَكِن إسمَحِي لِي بمُرافَقَتِك." تَركُهَا وَحدَهَا لَن يُرضِيَ الخَادِمَةَ التِي عارَضَت ذهَابَهَا سَلفًا.

   تَوجَهت الأمِيرَةُ نَحوَ البَابِ قائلِة :" لَم أكُن أخطِّطُ للذَّهابِ مِن دُونك." فتَحتهُ وأضافَت قَبلَ تخطِّي عَتَبتِه :" أنتِ مُرافِقَتِي."

   كَانَ القَصرُ مُظلِمًا رغمَ الإنارةِ الـَتِي عُلِّقت فِي كُلَّ زَوايَاه، كَذلِك حالُ الحَدِيقَةِ والطَّريقِ السـَالِكِ إلَى الثَّكَنَات، وكَانَ الجَوُّ باردًا فإحمَرَّ أنفُ مِيكَاسَا وساعَدَت نصاعَةُ بشرَتهَا فِي إظهَارِ تأثُّرهَا بالمُناخِ بشَكلٍ وَاضِح، كَانَت خصلاَتهَا المُمَوَّجَةُ الطَويلَةُ تُحاكِي همسَاتِ النَّسيمِ وتُرافِقُ كُلَّ خُطوةٍ بإهتِزَازٍ طَفِيف، ولأوَّلِ مرَّةِ تَشعُرُ شارلُوت بأمرٍ غَريبٍ حَولَهَا، رائحَةٌ لَم تتعرَّف علَيهَا، حَملَتهَا الرِّياحُ الخَافتَةُ إلَى أنفِهَا الصّـغِير، لَم تَكُن عَطِرةً ولَم تكُن سَيئَة، بَل أقرَبُ إلَى الحُمُوضَة. ولكنَّهَا تلاشَت مِن حواسِّهَا بسُرعَة، فلَم تُخبِرِ الأمِيرَةَ بشأنِهَا ورافَقَتهَا إلَى مَكَانِ الفُرسَان.

Majestic Eclipseحيث تعيش القصص. اكتشف الآن