الفَصل الرَّابِع والعِشرُون*

838 48 43
                                    

╭──────༺24༻──────╮

غُموض

(تَنبِيه : يَحتَوي الفَصل علَى بَعض المَشَاهِد والكَلمَاتِ البَذِيئَة.)

أكرَهُ الجَانِبَ القَذِرَ مِنك، تَخلَّى عَنهُ مِن أجلِي، أرجُوك.

وبَعدَهَا كَانَت تِلكَ الرَّسمَةُ البَشعَةُ لوَجهٍ يَنتَحِبُ مُشَوَّهةً أكثَرَ بالطِّلاَءِ الأحمَر، لَا تَخلُو جُدرَانُ هذَا الشَّارعِ الكَئيبِ مِنَ الكِتَابَاتِ الغَيرِ مُجدِيَّة، علَى جُدرَانٍ لَوَّثَهَا كُلُّ شَيءٍ حتَّى مَشَاعِرُ البَشَر، مَرَّ بِهَا رَجُلٌ غَامضٌ طَوِيلٌ تَوَارَت هُوِيَّتهُ خَلفَ هذَا الرِّدَاءِ الأسوَدِ وَرَفرَفَت نِهايَاتهُ تِبعًا لرِياحٍ ضَائعةٍ تَبحَثُ عَن مَلاذٍ بَينَ مَضائِقِ أزقَّةِ نِيرَاون المُظلِمَة، حَيثُ لَا تَسطُو الشَّمسُ كمَا تَفعَلُ علَى العَالَم، عَدَّلَ قُلُنسُوتَهُ وإجتَذَبَهَا إلَى الأمَامِ قَلِيلًا كَي لاَ تَخدَعهُ وتُسَايرَ الطَّبيعَة، ودُونَ تَضيِيعِ وَقتٍ أكثَرَ مِن ثَوانٍ أمَامَ مَدخَلٍ كُتِبَ فَوقَهُ علَى لاَفتَةٍ مُهتَرئَةٍ مُحطَّمةٌ إحدَى السَّلسَلَتَانِ الَّتَانِ تَرفعَانِهَا، وَ بأحرُفَ غَريبَة " مَرحَبًا بِكَ فِي الدِّيَار." يالَهَا مِن جُملةٍ تَشطِرُ الفُؤادَ وأشلاَءَه، لَم تتَلألَأ لَهَا عَينَاهُ الذَّهبيَّتان، لأنَّهُ فِي الحَقيقَةِ لَيسَ عائِدًا، ولَا سعَادَةً لَهُ كَتِلك.

تأكَّدَ مِن إخفَاءِ سَيفِهِ وأنَّهُ لَن يَظهَر، ثمَّ وَلجَ المَكَانَ بِوَجهٍ بارِدٍ كَالصَّقِيعِ بالخَارِج، مُضمِرًا ذِكرَيَاتِه يُتابِعُ السَّيرَ قُدُمًا، نَحوَ هَدفٍ جَدَيدٍ قَد يَتحقَّق، رُبَّمَا هذِهِ المَرَّة.. سَيحظَى طِفلُ الشَّوارِعِ الحَالمِ بنَهَايةٍ سَعَيدَة، إنَّهُ شَخصٌ يَتعلَّقُ بالأوهَامِ والمُستَقبَل، هَذَا هُوَ نَوعُ الرِّجَالِ الَّذِي يكُونُ علَيهِ جَان الآن، فَارسُ الأمِيرَةِ الوَحِيدَة.

-" لَم أرَهَا مُنذُ شَهر، تِلكَ السَّاقطَةُ ذَاتُ الأثدَاء، هَرَبَت بأموَالِي، سأقتُلُهَا بيَدَيَّ حَتمًا ! "

الثَّرثَراتُ مُزعَجَة، وكَانَ يَختَرقُهَا مُضِيًا نَحوَ الأمَام.

-" سَمِعتُ الصَّوتَ فِي لَيلَةِ البَارِحَة، كَم كَانَ مُفزِعًا يَا رَجُل."

-" صَوتُ تِنِّين؟ "

-" لاَ عِلمَ لِي ! لَم أسمَع تنِينًا مِن قَبل ! "

-" أنتَ حقًا نِصفُ رَجُلٍ يَا دِلهِي." كَانَ صَوتُهُ ساخِرًا، فصَرخَ ردًا عَليهِ مُهتَاجًا :" مَاذَا قُلت ! إسحَبهَا ! "

الجَمِيعُ يَعيشُ أحدَاثًا تُوصَفُ بطَريقَةٍ مَا، للجَمِيعِ حَياتُهُ الخَاصَّةُ المُغتَربَةُ فِي الظُّلمَة، تِلكَ اللَّطخَاتُ الكَاسفَةُ الَّتِي يَعلَمُهَا قَليلٌ منَ الأشخَاصِ حَولَهُم، وتِلكَ الَّتِي لاَ يَعلَمُ عَنهَا أحَد.
هذَا المَكَانُ كَالمَكَانِ الَّذِي سَبَقَهُ والَّذِي سَبَق، مَليئٌ بالأروَاحِ العَائمَةِ فِي البُؤس. بدَأ جَان يَشعُر بالضِّيقِ مِنَ الأصوَاتِ المُرتَفِعَةِ هُنَا، والضَّحِكَاتِ الثَّمِلَةِ الَّتِي تَزِيدُ العَالمَ زِيفًا، كَانَتِ النِّسَاءُ ذَخيرَةً دَائمَةً يرَاهَا فِي كُلِّ حَانةٍ يَدخُلُهَا، ولكِنَّهُ لَم يرَ عَدَدًا أكبَرَ مِن هَذَا فِي أيِّ مَكَان، تنَاقَلَ بَصرُهُ فِي الأرجَاءِ بينَ الزَّبائنِ منَ السُّكَارَى والوَاعِين، بَينَ عَاهِرَاتِ نِيرَاون الكَثِيرَات، وتِلكَ المَشاهِدِ الخَلِيعَة، كَانَ أحَدُ فَاقدِي العَقلِ يُضاجِعِ إمرَأةً فِي مكَانٍ يكَادُ يَكُونُ مَكشُوفً تمَامًا، ولَولَا ظِلالُ أحدِ السَّتَائرِ لإستَطَاعَ الجَمِيعُ هُنَا المُشاهِدَة.

Majestic Eclipseحيث تعيش القصص. اكتشف الآن