خَلفَ الواجِهَة

847 74 271
                                    









الِمصعدُ الذي لم تَمتلك 'كاغو' تصريحاً لاستخدامِه قبلاً، فسيحٌ ذا سقفٍ عالْ، بأرضيةٍ رُخامية لامعة، تُغطي مرآة أحد حِيطانِه بالكامل، بينما تحملُ بقية الجُدران زخارف مُلفتة للنظر.

وبينما كان المصعدُ يرتقي بها للطابق الثامن عشر، تبادر لذهنها تملكها لإحساسٍ مُستهجنٍ بعدم المصداقية حين كان هانما يتحدثُ معها، وقد اهتدت أخيرًا للسبب.

لقد أخبرها بأن زميلها في المكتب 'كاواشيما' قد اضطر لأخذ إجازةٍ لظرفٍ عائلي، ولكنها تعلمُ بأنهُ لا يمتلكُ أي أقرباء.

فما جعل علاقتها بزميلها تتوطد؛ هو الوقتُ الذي تبادلا فيه بعض المعلومات الشخصية، ليتطرق بهما الحديث إلى عوائِلهم، وقد أفضى إليها بأنهُ يتيمُ الأبوين، قضى سنوات طفولتهِ في الميتم ولا قريب له، وذهل تماماً حين أفصحَت عن ظروفها المُشابهة.

فَقدت كاغو والديها إثر كارثة زلزال فوكوشيما في العام ٢٠١١. حينها كانت طالبة في السِنة الأخيرة وتستقرُ في سكن جامعة يوكوهاما، مما جعلها بعيدة عن مركز الزلزال.

غَدت يتيمةٍ في عُمر الحادية والعشرين، ولكن ذلك لم يمنع كاواشيما من الشعور بأنهما يتشاطران الماضي ذاته، لاسيما وأنها لا تمتلكُ أقرباء سواهما.

لم تحزن كاغو كثيراً لموت أبويها، فهي لم تكن مُتعلقة بهما بشكل خاص،فقد استقلت بنفسها بعد تخرجها من المدرسة، واختارت الانتقال من مسقط رأسها لمواصلة تعليمها.

علِمت فيما بعدُ بأنهما تُوفيا بسببِ المّد العالي الذي أعقب الهزة الأرضية، فقد طُمست القريةُ حيثُ يوجد منزلُ أبويها كُلياً حين غُمرت بالماء، وكان الناجي الوحيد هو الكلبُ الذي تمتلكهُ عائلتها، ولم تسمع كاغو قبلاً عن كلبٍ عديم الوفاء حتى أخبروها بأنهُ سبح لأميالٍ نافذاً بجلدهِ وتاركاً أصحابهُ وراءَه لمواجهة مصيرهم.

وقد عُومل كالأبطال حين عَثرت عليه فِرقُ الإنقاذ، وسرعان ما ذاع صِيتهُ وأُعتبر رمزاً للأمل وتميمة حظ تمدُ الناجِين بالشجاعة، وتم تَقليدهُ بوسامٍ شَرفي من قِبل مُحافظ المنطقة. وحين ذهبت لرؤيته أخيرًا، تَنكَّر لها وتظاهر بعدم تمييزِها، فالكلبُ الدنيء فَضل حياة الشُهرة والمجد على العودة إلى صديقة طفولته.

وكان لها نصيبٌ من الاهتمام الصِحافي كابنةٍ لأحد الضحايا، واستغلت كونها محط الأنظار لتمثيل دور اليتيمة البائسة واستفادت من العديد من المُساعدات.

قُوطع استرجاعُها للماضي حين لمحت شاشة المصعد تومضُ بالرقم السادس عشر، فاِستدارتْ نحو المرآة لتُرتب هيئتها، وفكرت بأن كاواشيما رُبما يكون قد ورط نفسهُ بفضيحة ما، أو قام بفعلٍ مُشين مما أجبرهُ على كتمان أمر امتلاكه لعائلة جديدة، ولكنها ستواجههُ بذلك، وستستمتعُ برؤية ملامحهِ المُرتبكة حين يعودُ من إجازته المزعومة.

أَحَدُهُما مُـعْتِمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن