أَحَدُهُما مُـعْتِم

أَمِيرةُ الخَيْزُران

من الصعبِ جداً تحديدُ نُقطةِ بدايةٍ لأمرٍ ما، لاسيما وإن اتصَفتْ طبيعتهُ المُبهمةُ بالتعقيد، ولكن إن حاولتْ بجهدٍ التفكير؛ فستعودُ بها الذكرى دوماً لذلك المساء، وهو أقربُ ما تستطيعُ وصفَهُ بالبداية.

كان خِتامُ نيسان. انقضت الأيامُ الباردة وأمسى الجو يتجهُ للاعتدال، ولاتزالُ الرياحُ العنيفةُ تهبُ أحياناً، وبفضلها تنقشعُ الغيومُ لتتجلى سماءُ الليل صافيةً مُزينة بالنجوم.

وقفت كاغو بالقُرب من الباب الخلفي، وأبقت عليه مفتوحاً ليترجل 'كيساكي' من السيارة التي تُقله بها لمسكنهِ كُل مساء.

هبت نسمةٌ قوية بعثرت خُصلاتها الفِضية التي تُبقي عليها مُثبتة في كومةٍ بترتيبٍ كما طُلب منها، فأرجعت بعضاً مما تَمرد من خُصلاتٍ خلف أذنها.

وانتبهت حينها بأن مُديرها في العمل كما تُفضل أن تُلقبه، لم يبرح مكانهُ بعد مُغادرته للسيارة، فرمشت عينين بزُرقة فيروزية نحوه، وإنتابها الجزعُ حين ظنت بأنها أتت بفعلٍ خاطىء، فقد كان يُحدق بها ولا تُبدي ملامحهُ أي تعبير، كما يفعلُ دوماً قبل تأنيبها.

ولكنهُ خالف مخاوفها حين سأل بهدوء:

-لاحظتُ أن هانما يُناديكِ بـ'كاغو' أهذا هو اسمكِ؟

فغرت كاغو فمها، وبقيت تُحملق به بعينين زاد اتساعهما، لقد عملت معهُ قُرابة الشهر ولا يزالُ غير واثق من معرفته باسمها؟

وبالتفكير في ذلك، فهو لم يُخاطبها سوى بـ'أنتِ' حتى الآن، وقد رجحت في البدء أن يكون السببُ هو نظرتُه الدونية لمركزها مُقارنة بمكانة شخصٍ مثله، والتي قد يرى معها أنها لا تستحقُ أن تُخاطب باسمها.

توارى ثغرها خلف قبضة يدها حين حاولت كبح رغبتها في الإبتسام، فلقد ظنت بأنهُ لا يأبُه حقاً باسماءِ موظفيه.

ثم غمغمت وهي تُجاهد لجعل صوتها ثابتاً:

-إنهُ كذلك يا سيدي.

-لا يبدو اسماً شائعاً.

-أوه..! رُبما لأنهُ إختصارٌ لاسمي-

أطبقت شفتيها على الفور بعد بوحِها بذلك دون قصد، اُمْتُقِعَ وجهها، وتصَّلبت أصابعها التي لا تزالُ مُمسكة بجانب باب السيارة المفتوح.

-إختصارٌ إذاً؟ وما هو اسمك—

-لا تشغل بالكَ به! 'كاغو' يفي بالغرض!

قاطعتهُ لأول مرة، وندمت حين تبدلت ملامحهُ لتبث الرُعب في نفسها، فقد تقارب حاجِباهُ تنديداً بجُرأتها، وباتت نظرتُه المُحتدمة كافية لعقد لسانها.