أَحَدُهُما مُـعْتِم

بِلَوْنِ القَمَر

تسّمرَت كاغو مشدوهةً أمام السيارة الفارهة ذات الصِناعة الأوروبية، تتأملُ بإعجابٍ لمعان هيكلها الأسود وجمالية تصميمها الأخاذ، وحين أفاقت من ذهولها، خطت مُقتربة لتحظى بنظرةٍ مُتفحصة عن كثب.

كان زُجاجُ النوافذ قاتماً تماماً، ولم تستطع رُؤية ما بالداخل حتى عندما ألصقت وجهها قريباً منه، وكان بوسعها الجزمُ بأنهُ سميكٌ للغاية حين نقرت فوقهُ.

أما شكلها الداخلي، والسِعة بين مقاعدها الجلدية المُريحة، فقد سَلب لُبَّها، حين أضحت خلف مِقود التحكم.

-لا تُقارنُ مُطلقاً بقطعة الخُردة تلك...

تمتمت بصوتٍ مسموع، وهي مُنشغلةٌ بتفقد كُل زاوية، و'قطعةُ الخُردة' هي السيارةُ التي امتلكتها سابقاً، والتي قامت ببيعها لتُغطي نفقات انتقالها لطوكيو.

تَخلت كاغو عن جميع ما تُدين به لسيارتها القديمة لحظة تشغيل المُحرك والانطلاق بسلاسةٍ وانسيابيةٍ تامة.

خُيل إليها وهي تعبرُ شوارع شيبويا، بأن السيارة تسيرُ فوق طريقٍ مُمهدٍ بالحرير وليس الاسفلت، لتؤكد لنفسها بأن الفرق يكمنُ في جودة المُحرك والإطارات دون ريب.

ومرة أخرى فكرت بازدراء في سيارتها السابقة.

--------------------------

وقفت وعلى مُحياها يترسمُ عبوسٌ طفيفٌ ترمقُ انعكاسها في المرآة الجِدارية، بشُقتها الواقعة في الطابق الخامس عشر لبناية سكنية في إحدى ضواحي شيبويا.

كانت قد انتقلت للعيش هناك بعد حصولها على الوظيفة في 'المؤسسة'، رُغم اضطرارها لدفع إيجارٍ مُرتفع لشقة في أحد الطوابق العُليا مع إطلالة مميزة؛ لأنها لم ترغب أن تمكث لساعاتٍ طوال في ذلك المكتب الأشبه بجُحرٍ لتعود وتدفن نفسها في مكان مُشابه.

تُضحي بأكثر من نِصف مُرتَّبها كل شهر، ولكنها ترى العائد مُجزياً.

'قد أُمنحُ زيادة في الراتبِ لتولي المهام الجديدة..'

كان ما رددتهُ في ذهنها طوال الطريق لمنزلها، وساهم في جعلها -على نحوٍ ما- تتناسى حقيقة أنها ستعملُ مُباشرة لصالح زعيم مُنظمة إجرامية، وجميع تهديدات هانما.

تفحصت مظهرها بالبدلة السوداء الرسمية التي تمكنت من العثور عليها بعد أن أضحت أرضية الغُرفة مُكدسة بالملابس، وكان من المُفارقة أنها ما لبستهُ خلال تشييع والديها، وعليها الآن تذكرهُما في كُل مرة ترتديها للعمل ريثما تشتري لنفسها بدلة جديدة.