الأقْربُ للسَماء

741 51 499
                                    










خمسةٌ وستون يوماً، هو عددُ الأيام التي قضتها كاغو في العمل دون إجازة -باستثناء فترة مكوثها في المشفى- وحين مُنحت العُطلة التي طالما تَمنتها، وجدت نفسها مُنشغلة البال بأمورٍ تمنعها من الاسترخاء والاستمتاع بوقت فراغها.

كانت مُنفعلةً للغاية ليلة عودتها من العمل بعد ترك كيساكي في ذلك المكان ذو الحراسة المُشددة. لا تذكرُ تماماً متى خلدت للنوم، ولكنها موقنة أن ذلك أعقب ساعاتٍ طوال من التفكير.

بدا اليومُ التالي طويلاً بشكلٍ ممل. نهضت باكراً قبل أن يرُن المُنبهُ كما اعتادت أن تفعل طيلة الشهرين الماضيين، لتَجِد نفسها مُكتئبة على نحوٍ مُشين، وكرهت الإقرار بأنها ألفت العمل حتى أصبح يومُ العُطلة شيئاً مُستهجناً بالنسبة لها.

لم تُغادر شقتها، وإِنْكَبَّت على قراءة الكُتب بنهمٍ لبقية اليوم وهي تلفُ نفسها برداء نومٍ دافىء، دون أن تجد الرغبة للقيام بأي شيء آخر، ورغم أنها تُتقن الطهي، فإن انشغالها في الفترة الأخيرة جعلها تتكِلُ كُلياً على خدمة توصيل الطعام الجاهز، ولم يختلف ذلك يوم إجازتها.

أخذت كاغو تتفقدُ هاتفها بين الحين والآخر، وعندما لا تجدُ رسالة مِنهُ تُخبرها بموعد العودة للعمل؛ يزدادُ الانقباضُ الموجع الذي تشعرُ به في قلبها.

وبعد يومين مُتشابهين شديدي الضجر، استقبلت زائراً عند انتصاف نهار اليوم الثالث.

السيدة هاروكامي يوريكو -قاطِنة الشقة المُقابلة لمسكن كاغو- ربة منزلٍ في بداية العقد الثالث من العُمر، وأقل ما يُمكن وصفها به هو أنها مُفعمة بالحيوية وذات تعطشٍ دائم لتكوين صداقاتٍ مع كل من تُقابله، ذات ملامح لطيفة مُريحة للنظر بعينيها الصغيرتين وفمها دائم الإبتسام، كانت تُغير لون شعرها بحسب مِزاجها،وتمتلكُ ضِحكة مُعدية.

بادرت بالحديث إلى كاغو بعد فترة وجيزة من انتقالها لتلك الشقة، ورغم أنها حاولت التخلص منها بأدبٍ ظناً بأنها إحدى الجارات الفوضوليات مُحبات الثرثرة، إلا أن سُرعان ما نشأت صُحبةٌ بينهما، وأصبحت من القلة الذين ترتاحُ لهم ، تماماً كزميلها الراحل، حيثُ تتخلى عن شيء من التحفظ في سلوكها وتتصرفُ بسجيَّة في حضورها.

والآن جاءت لزيارتها لأول مرة منذُ مُدة، بشعرٍ زهري فاتح تُسرحه على هيئة كعكة عند قمة رأسها.

شبكت السيدة يوريكو ذراعيها وخاطبتها بمسحةٍ من العِتاب الممزوج بِحسها الفُكاهي:

-كاغو-تشان! كِدتُ أن أقلق عليكِ لولا ثقتي بأنكِ بتِسع أرواحٍ كالقطط! ما رأيكِ بصبغة شعري الجديدة؟ لا زلتُ أقصدُ مُصفف الشعر الذي نصحتِني به! يالهُ من شاب وسيم وذو مهارة فذَّة!

أَحَدُهُما مُـعْتِمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن