اليأس

74 2 0
                                    

بعد هذا اليوم ولمدة اسبوع لم تخرج زينب من غرفتها ابدا ،لقد احضروا الطبيب لمعاينتها ومعالجة كدماتها وكان وجهها متورم وحالتها النفسية مذرية.
اما عن علي فلم يكن احسن حالا فبعد ان افاق من غضبه اكله الندم مع حرمانه من رؤيتها طوال الاسبوع كاد ان يجن من عدم رؤيتها ولم يستطع السؤال عن حالتها لقد اهانها وضربها لم يصدق ما فعله لقد تحول الى وحش ولم يستطع السيطرة على غضبه فكر كثيرا في كيفية الاعتذار منها ولم يجد طريقة الا ان يبتعد عنها تقوقع على نفسه ولم يكد يتكلم او يرى احدا بعد هذا الموقف ورفض الاكل وقرر معاقبة نفسه وتمنى الموت انه شبه انسان ،شبه حي ، لم يعد يريد الحياة لانه ضعيف كما قالت له زينب من قبل انه جبان لم يستطع مواجهه احزانه ودخل في رثاء نفسه واراد الموت فقرر الامتناع عن الحياة .
بعد ان افاقت زينب من صدمتها وارتاحت جائت السيدة والدة علي وقالت لها : يا بنيتي لقد عانيتي مع ابني كثيرا وتحملته كثيرا ولم اعد استطيع ان اطلب منك البقاء حفاظا عليكي ففكري جيدا اذا كنتي تريدين الاستمرار او الرحيل وسأظل ممتنة لكي طوال حياتي على محاولاتك ، اريد ان اعلمك ان منذ هذا اليوم المشؤوم انغلق على نفسه مرة اخرى ورفض الطعام بكت المراة المسنة وتقطع قلب زينب على علي ولم تكن تعرف ما تفعل .... قالت للسيدة المسنة: ارجوكي سيدتي سافكر مليا قبل اتخاذ اي قرار فأنا بالكاد تعافيت وانا حزينة جدا لما ءالت اليه الامور لكن ما باليد حيلة تركتها السيدة العجوز بعد ان ربتت على رأسها بحنان وهي تقول لقد قررت ان اعطيكي شقة سكنية بعقار نملكه بالقاهرة وذلك اقل ما يمكن ان نفعل ولكي مرتب ثابت سيوضع بحسابك بالبنك مهما كان قرارك .
ارتجفت زينب وشعرت بالعجز والامتنان ... العجز من مساعدة علي الذي شعرت اتجاهه بعاطفة لم تسميها بعد وبمساعدة والدة ترى ابنها يموت ببطئ وامتنت لها لتقديرها وحبها .
خرجت السيدة العجوز وجلست زينب تنظر في المرأة على وجهها الذي عاد لطبيعته جزئيا وفكرت هل تستلم وترحل هل فعلا امتنع علي عن الاكل ليعاقب نفسه على فعلته ،هل تسامحه وتساعده وتستغل ضعفه الحالي وشعوره بالذنب لتخرجه من يأسه واحباطه، لمعت في ذهنها فكرة ان تلعب على نفسيته الضعيفة لكن تخاف من ان تفشل خطتها ويؤذيها مرة اخرى ، هل تحاول؟ سالت نفسها لماذا تريدين البقاء بالرغم من كل الاذية التي طالتها منه ؟ هل هو تعلق مرضي بمريض ؟ هل لانه اول رجل يلمسها ويقبلها وتشعر معه انها انثى؟ هل تريد النجاح كممرضة؟ هل تريد ان ترجع لعلي شخصيته القديمة الجميلة التي حدثها عنها احمد ؟ هي لا تدري ما الدافع لبقائها لكنها تشعر ان عليها البقاء والمحاولة .... قامت وارتدت فستان صيفي قصير دون اكمام وقررت الدخول اليه والمحاولة .
دقت زينب الباب ودق قلبه معها ، فلم تسمع شيئا ... دقت مرة اخرى ولم يكن هناك رد ... فتحت الباب فوجدت الغرفة في ظلام دامس رغم انهم بالنهار والشمس مشرقة ... نادت بصوت رقيق منخفض (علي) فلم يرد ... دخلت واغلقت الباب خلفها واقتربت من السرير فوجدته نائما هزته هزة خفيفة ولم يفق فهزته بقوة اكبر ولم يتحرك وهنا خفق قلبها بسرعة وقاست نبض قلبه فوجدته ضعيف جدا ويتنفس ببطئ شديد وبارد كالثلج فجرت تطلب المساعدة واتصلت بالاسعاف وتجمع اهل البيت فبدأت الام بالبكاء وحضر الاب مسرعا من الشركة وفي عينيه الدموع وذهب احمد لاحضار الطبيب لحين وصول الاسعاف وبكت زينب بحرقة وهي تحاول اسعافه ،بعد قليل حضر الطبيب واكتشفوا انه اخذ علبه الدواء كاملة محاولا الانتحار واعطاه حقنة لحين وصول الاسعاف .
بعد ان نقل علي الى المستشفى واسعفوه كانت حالته سيئة للغاية ونسبة نجاته كانت ضئيلة ، شعرت زينب بالمسؤلية لما حدث له لو لم تدخل مشاعرها في الموضوع شعرت بالم شديد في قلبها وشعرت بانها لو فقدته ستموت فعرفت انها تحبه من قلبها ، بعد عمل اللازم افاق علي و شعر بحزن شديد من فشله بالانتحار ،حتى هذا الامر لم ينجح به ،والان سيضطر لمواجهه عائلته ويواجه زينب اذا استطاعت مسامحته واذا بقيت لقد توقع رحيلها بعد ما حدث ، لقد كان وحشا لا يرحم ، هل غار عليها لذلك ثارت ثائرته ... سمع احدهم يفتح الباب ولم يكن يريد ان يواجه احد فأغمض عينه كانه نائم واحس باحد يقترب من سريره وينظر اليه كانت هي عرفها من رائحتها ، لكنه استمر بالتمثيل وضعت يدها على شعره بحنان وقبلت جبينه واخبرته بصوت رقيق منخفض : اعرف انك مستيقظ لكني احس بما تحس به واعرف انك ندمت على ما فعلته معي ،ارجوك مهما فعلت فحياتك غالية على احبائك لا تحرمهم منك ،ففتح عينيه الزرقاوين ونظر اليها سائلا: ءأنتي بخير؟ ابتسمت بحزن وقالت: لا ، فقلبي مكسور ولا استطيع مداواته.
فأغمض عينيه وقال: ارجوكي اتركيني ، فامسكت بكتفيه وقالت تهينه: جبان .
ففتح عينيه مرة اخرى وهو غاضب من نفسه : اجل انا هو الجبان الذي يهرب من مشاكله فبرجاء تركي لحالي وارحلي وانجي بنفسك قبل ان اتهور واقتلك، فردت بغضب مماثل: انا هنا من سيعطي الأوامر وانت ستطيع فقد تساهلت معك كثيرا ،هل تعتقد انك ضحية ؟ هل تتوقع مني التعاطف معك بعد كل ما رايت وسمعت؟ وابتعدت عنه وهي تعرف ان ما ستقوله يمكن ان يؤثر بالسلب عليه ولكنها تأمل ان يحفزه فجمعت همتها وقالت بصوت غاضب : انت السبب بكل ما يحدث لك ،في البداية اخترت زوجه عاهرة ومشيت وراء رغباتك التي كانت تلبيها ورسمت لها صورة في خيالك انها امراة فاضلة وانجبت منها فتاة جميلة اغمضت عينك عن برائتها ووصمتها بوصمة امها ، ثانيا القيت بنفسك في حادث مريع بعد ان تجلت الحقيقة وفعلت بنفسك وعائلتك ما هو اسوأ،تخليت عنهم وعن نفسك وعن شركتك وعن والديك اللذان لا ذنب لهما في سوء اختياراتك . قال لها : كفى ، فاكملت غير مكترثة بمدى الالم الذي تراه في عينيه وقلبه وقالت: احببت كونك فاشل اعمى وتلذذت بدور الضحية وغرقت في بؤسك وانت تسحب معك كل من يحبوك ويهتمون لك ، وفي النهاية تضربني لانك شعرت انك لست رجل .
عند هذه النقطة شعرت انها كسرته لقد اهانته اهانه شديدة في رجولته ولكنها كانت تأمل ان تزرع فيه شرارة ان يثبت لها العكس ويحاربها ، قام ونزع المحاليل من يده وهجم عليها شادا شعرها وقال لها : الست رجلا ها ،الست الرجل الذي اذا قبلك استسلمتي له وكان يمكن ان افقدك عذريتك اذا اردت فصرخت بوجهه قائلة: ليس الرجل بقدرته الجنسية لكن بتصرفاته المسؤلة اتجاه من يحب .... انت فشلت في جميع ادوارك بالحياة فشلت كزوج وكأب لابنتك وكأبن ... ترك شعرها وشعر بالضعف الشديد وكأن كلامها طعنه بشده فاستند الى السرير وكاد يقع لولا اسندته فجلس وهو غير مصدق ما قالته فطلب منها ان تخرج ،قالت بصوت متألم : لن اخرج ابدا ، لو ضربتني واهنتني لن اخرج ،لو صرخت عليا لن اخرج فتوسل اليها بصوت حزين جدا فعرفت انه سيبكي وكم ارتاحت للفكرة ، وقفت امامه وضمت رأسه لصدرها وبدا علي بالبكاء كالاطفال وهو يحتضنها بشدة بكى كثيرا الى ان ارتاح وتكلم بصوت مهزوم : كل كلامك صحيح لكني لا اعرف من اين ابدا لقد شعرت بالالم الشديد حين اكتشفت خيانتها وشعرت بالعجز حين عميت وشعرت اني فقدت انسانيتي حين ضربتك ، انا محطم كليا ولا اريد ان اعيش دور الضحية لكني لا اعرف كيف ابدأ ، ارجوكي ساعديني كي اتخطى ذلك ، ضمته اكثر لصدرها ومسحت على شعره بحنان وهي تبتسم : اولا عليك مسح دموعك لان عيناك جميلتين جدا دون دموع ، فابتسم لها وقال: ماذا عن ثانيا ؟ قالت : ثانيا سنبدا بجلسات العلاج النفسي ونجعل طبيب العيون يفحصك لاني اريد الذهاب معك الى اماكن كثيرة وقيل لي انك مرشد سياحي ممتاز . فسالها: ومن قال لكي هذا ؟ قالت : سمعت احدى الخادمات تحكي ذات مرة عن ذلك ، قال وهو يقف ويمسك يدها : وثالثا ، قالت مرتبكة: ثالثا انت طويل جدا وتشعرني بالارتباك وانت مطيع فحاول ان تناكفني قليلا لاني لم اعتاد عليك هادئ من قبل ، نظر اليها بعيونه وامسك ووجهها وقبل شفتيها برقة وشوق وبادلته هي القبلة وهي تضع يدها على عنقه وبعد مده فصل القبلة ووضع جبهته على جبهتها وقال بصوت ممتن: شكرا لكي.
قالت : قبل ان تشكرني هناك رابعا ، فجعد جبينه وقال: وما هو رابعا : قالت : عدني انك لن تقبلني مرة اخرى الا اذا طلبت منك ذلك ، فابتعد مندهشا وهو يقول : ما هذا الشرط الغريب انا اعبر لكي عن امتناني ولم تعترضي ، قالت بخجل: ساجعلك تقبلني كحافز لك يعني عندما اشعر بتحسن حالتك الصحية سأكافك على هذا بقبلة لكن قبل الحصول على القبلة عليك ان تبذل مجهود للمكافاة .
كشر ولم يعجبه ذلك وقال : ستندمين على ذلك زينب وستتمنين ان اقبلك ولن افعل .
ضحكت وقالت : حسنا ايها العملاق والان عليك بالاستلقاء والراحة لحين يفحصك الطبيب ويسمح لنا بالمغادرة ، امسك يدها وهو ممتن قائلا: اشكرك لانك لم تتركيني بعد كل ما سببته لكي من الام ، وضعت يدها على شفتيه وهي تقول : ششششش من اليوم انا وانت شخص واحد لحين تعود على بدر الدين الذي سمعت عنه وبعد ذلك تشكرني .
قبل اصابعها وشعر براحة غريبة لم يشعر بها منذ سنوات ، وقرر ان لا ييأس فمعه ملاك اسمه زينب سيظل بجواره لحين تعافيه على الاقل.

الحب أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن