الشمس في طريقها للهبوط، وبدأت المصابيح الزيتية تشتعل على استحياء في طرقات المدينة ..
الطرقات خالية، او تكاد ..
برغم فضول الكل ليرى موكب الأميرة الذي يتجه لبيت (رون) الحطاب، لكن المعظم فضلوا البقاء داخل منازلهم مراقبين من خلف النوافذ، فهذا أكثر أمنا .. لا أحد يرغب في الظهور الآن أمام أي من حرس الملك..حرس الملك غاضبون، وهناك ألف شيطان يتحرك على وجوههم .. ومع أنهم ليسوا من العائلة الملكية او من طبقة النبلاء، إلا أنهم يشعرون بالإهانة البالغة لما يحدث..
كانت فكرة أن يقودوا الأميرة لبيت أحد من الشعب الذي اختارها ليمارس معها الجنس، فكرة تثير اشمئزازهم ..
كانوا مقتنعين أن هناك حد فاصل بين القصر وبين الشعب، ولا يجب على أحد تجاوز هذا الفاصل .. من ناحية الشعب بالطبع..
لكن أن يجرؤ واحد من العامة على أن يختار قضاء ليلته مع الأميرة كحقه في ال (بريما نوكتا)، فهذا أمر لا يمكن احتماله..
بيد أنهم كانوا مرغمين .. حتى الملك وأسرته مرغمين على طاعة القوانين القديمة .. حتى الأميرة مرغمة أن تسلم جسدها لهذا الحطاب القذر ..
نعم كان (رون) جار لبعضهم بل وصديق للبعض الآخر أيضا .. نعم هم كانوا مسرورين من خطاباته وقت الثورة .. نعم كانوا يوافقونه -خفية- على فساد القصر ومن فيه .. نعم كانوا يتمنون لو يتحقق كل ما يتكلم عنه من التغيير والمساواة وتلك الاشياء التي تشعل الحماس، لكنه تخطى الحدود تماما هذه المرة ..
أن تهاجم النبلاء وأعمالهم في أحاديثك شيء، لكن أن تجبر ابنة الملك على المضاجعة فهو شيء آخر..
كانوا يرون أنه بتصرفه الأرعن هذا سيجلب الوبال على الجميع .. ربما رضخ القصر لطلبه لأنه لا سبيل آخر، ولكن ما حدث لن يمر أبدا بسهولة ..
انتقام القصر سيكون مرعبا .. نعم الانتقام سيطول رون أولا -وهو يستحق هذا بالتأكيد-، ولكن نار الانتقام لن تتوقف عنده .. معلوماتهم تقول أن القصر سيطبق العديد من الأحكام التي ستجعل حياة العامة -وهم بالطبع من ضمنهم- إلى جحيم..
هكذا وضعهم رون هذا في الاتون، فقط ليحظى بليلة مع الأميرة .. لايصدقون أن تبلغ الأنانية والشهوة بأحد لدرجة فعل كهذا .. حقا إن رون يستحق ما سيحدث له، ولكن ما ذنبهم هم؟وصل ركب الاميرة منزل رون الذي يقع في طرف المدينة مقابل الغابات المجاورة ..
منزل ضيق دون معالم مميزة .. جدران من الخشب .. سقف من الخشب .. باب من الخشب .. ونافذة واحدة .. من الخشب أيضا ..رئيس الحرس يترجل من فوق حصانه .. ينظر بقرف لا نهائي للمنزل الحقير الذي أمامه .. يتقدم ويقف أمام باب المنزل .. يمد قبضته المضمومة في عصبية ويقرع الباب في غلظة ..
ينفتح الباب .. يظهر رون ..
كان شابا في أوائل عشريناته .. واقفا بجوار الباب بينما ضوء المنزل من خلفه يعطي شكله تأثيرا دراميا وكأنه شبح نصف واضح ..
كان مرتديا ملابسا لا بأس بها بالنسبة لحطاب .. قميصا وبنطالا أبيضان، صديريا أسودا مطعم بشريط لامع على حوافه بالإضافة لحذاء أسود طويل الرقبة..
كان شعره مصففا في عناية ولحيته محلوقة بإتقان كأنها لم تنبت قط ..
لكن أبرز ما في منظره كانت تلك الابتسامة الساخرة الواثقة التي كادت تصيب قائد الحرس بالفالج .. لو كانت للقائد الحرية لأخرج سيفه في التو وأغمده بكامله في ذلك الفم المتسع على آخره .. ولكن القائد تمالك نفسه بالكاد .. ثم نظر إلى الخلف نظرة فهمها ذلك الجندي الذي يقود حصان الأميرة ..شد الجندي حصان الأميرة للأمام ببطء ليتقدم الحصان متجاوزا باقي أحصنة الحرس .. وعلى الحصان كانت الأميرة جالسة في صمت .. كانت ترتدي رداء أسودا فضفاضا يغطي ملابسها وقلنسوة تغطي شعرها بكامله .. كان رأسها مطرقا لأسفل ووجهها غارقا في الظلام ..
أوقف الجندي الحصان أمام باب البيت بجانب القائد وانتظر ..
نظر القائد في ألم مختلط بحسرة لوجه الأميرة المظلم، كان يود لو تعطيه إشارة صغيرة فيذبح هذا ال (رون) في لحظة .. سيكون في قمة سعادته لو سمحت له بهذا .. لا يحتاج حتى لإشارة، فقط أن تعلن الأميرة رفضها لهذا الموقف المخزي وسيكون رون في عداد الاموات قبل حتى أن تنهي كلامها، وليذهب كل شيء إلى الجحيم..
ولكن الأميرة لم تقل شيئا .. وأيضا ظلت جالسة على الحصان ..
عينا القائد معلقتان بها .. الجندي أيضا رفع رأسه نحوها في خجل .. ولكنها لم تتحرك..
لحظات أخرى تمر .. أو لا تمر .. وكأن الزمن لا يتحرك كما الاميرة ..
عيون باقي الجنود معلقة بها في تساؤل .. يد قائد الحرس تمتد في بطء متحفز إلى مقبض سيفه .. حتى كل المجتمعين خلف النوافذ المغلقة في البيوت القريبة يحدقون في ظهر الاميرة الجالسة في سكون على حصانها ..
أما رون، فابتسامته الساخرة لم تتزحزح .. كان يبدو انه الوحيد الذي لا يعنيه الأمر .. وكأنه يستطيع أن يظل واقفا هكذا آلافا من السنين..
صهل جواد الأميرة ليشق صمت الهواء ولتسر في داخل الجميع رعدة مفاجئة ..
هنا ظهرت يد الاميرة خارجة من داخل عباءتها لتربت على عنق الحصان في رفق .. ثم استندت بكفيها على ذات العنق لتترجل عن الحصان نازلة إلى الارض..وفي خطوات بطيئة صامتة اتجهت ناحية باب البيت وهي لا تزال مطرقة برأسها لأسفل ..
انزاح رون قليلا ليفسح لها مجالا للدخول، فمرت بجواره ودخلت البيت دون كلمة واحدة ..وكان آخر ما رآه قائد الحرس هو ابتسامة الحطاب الماكرة المثيرة للغثيان قبل أن ينغلق الباب الخشبي في وجهه في قوة....
أنت تقرأ
بريما نوكتا (+١٨)
Romanceقانون البريما نوكتا يعني أن من حق كل شاب عند بلوغه أن يختار امرأة واحدة ليمارس معها الجنس .. وليس من حق المرأة الرفض. ولكن ماذا يحدث إذا اختار أحدهم الأميرة؟!