الفصل الثامن :ومضات من الماضي

37 2 0
                                    

أطوار القمر
الفصل الثامن
"غُصِصتُ مِنكَ بِما لا يَدفَعُ الماءُ"
أبو نواس

يجلس في غرفته في بيت الزوجية الخاص به هو وزوجته المتوفية "حنين"  يقلب في ألبوم صورهم معاً،  ومعهم  فيحاء و سعيد و نور وشمس وسعاد ،  أنهم عائلة،  جمعتهم الحياة في حيّ واحد، من مجرد جيران لعائلة مترابطة،  مستعدين لفعل أي شئ لأجل بعضهم البعض، لكن في حياة كلا منا حدث يمر عليه لا يعود منه كما كان عليه من قبل،  يتغير به كل شئ،  تفكيره وتعامله مع الاشياء،  وربما ملامحه أيضاً  كانت تمر في عقله كل تلك الأفكار حينما وقعت عينيه صورة للفتيات الخمسة، "حنين"،  "فيحاء"،  "نور"  و "شمس"  و "سعاد" كانوا يتضاحكن وفي لقطة عفوية إلتقطها "سعيد"  جعلت منها ذكرى سعيدة  دافئة يحنون إليها، لم يتوقع أحد منهم أن يصلوا لما هم عليه الآن،  كل ذلك بسبب اللعينين " سراج"  و" تيمور" وآخر كان من المفترض أن يكن هو مصدر الأمان بالنسبة له ولأخته ..
كم تمنى في هذة اللحظة أن يقضي عليهما في الحال ولكنه يعيش لأجل توأمه،" فيحاء" لا تقوى على العيش بدون نصفها الآخر، أما هو منذ أن قُتلت زوجته "حنين"  وجنينها  لا يجد "حبيب"  أي معنى لحياته بدونها،  كل مايفعله هو حماية اخته ومساندتها فقط...
تنهد بعمق و سرح في مشهد بعيد يجمعهم جميعاً منذ سنوات...
عودة بالزمن لما قبل سبع سنوات :

يجلس" حبيب" في فناء بيت أسرتهم الصغيرة يطالع حاسوبه بتركيز تتحرك أصابعه بإنسيابية على لوحة المفاتيح،  قطع تركيزه تلك الأصابع الرقيقة التي وضعت على عينيه
إبتسم بسعادة : متى أتيتِ حبيبتي! ،  كشرت "حنين"  حاجبيها بضيق تهتف : لمرة واحدة أريد أن أفاجئك ولكنك تكشفني في الحال..
إلتقط يديها الموضوعة على عينيه يقبلها بحب ويسحبها لتجلس بجواره يقهقه على ملامحها الظريفة بغضبها المصطنع،  لم تستطع الصمود أمام منظره وهو يضحك لتضحك معه بصوتٍ عالِ قطع تلك القهقهات العالية دخول "فيحاء"  للمنزل تنظر لهم بحب تحمل بين يديها كتبها الجامعية،  تقدمت تذهب جوارهم، قطع ضحكاتهم ذلك الصوت البغيض، إنه صوت " عباس" عم فيحاء وحبيب وزوج والدتهم، والذي حين تزوجها كان بدافع تربية أبناء أخيه المتوفي، لكن في حقيقة الأمر لم يكن أبداً هذا هو السبب...
إلتفت ثلاثتهم نحوه حين كان يقترب من "فيحاء" المحدقة به بسخرية لهيئته المزرية كالعادة..
"عباس" بنبرة متحشرجة إثر ما يتعاطاه :
أين كنتِ يا فتاة، ألم أخبرك بضرورة مجيئك في الساعة الخامسة؟ أين النقود؟ هل تأخرتِ وأيضاً تأتين خالية اليدين!
إنطلق "حبيب" نحو أخته ينزع يديها من قبضة ذلك المعتوه يزجره بعنف : ماذا دهاك من جديد؟ هل انتهى السم الذي تتعاطاه أم ديونك من القمار تراكمت من جديد!
تلك الكلمات استفزت ذلك المترنح الذي أمامه ليداهمه بلكمة لم تكن عنيفة نظراً لتمكن مفعول ما يتعاطاه منه...
صرخت فيحاء تُعبد أخيها عن هذا المعتوه تتفقد وجهه بيديها، بينما ظلت "حنين" تبكي بصمت من أفعال والدها "عباس" المخزية..
إلتفت "حبيب" نحوه من جديد ناوياً رد اللكمة لكن منعته يد فيحاء الملتفة حول ذراعه، ليصرخ "عباس" من جديد : أنا سأخرج الآن وحين أعود أريد أن أرى المال لا وجوهكم ال****
ثم خرج مسرعا خوفاً من أن يفتك "حبيب" به..
إقتربت "حنين" من زوجها باكية من أفعال والدها ومن تلك الكدمة التي اقتحمت وجه "حبيب"، ظلت تتمتم معتذرة بينما ظل هو يربت على كتفها يهدئها..
ظلت "فيحاء" تتابع آثر ذلك الراحل رغم ذهابه منذ دقائق، تعصف بها ذكرياتها وحاضرها التعيس بوجوده فقط، سنوات من العذاب والإهانة لها ولأخيها وأمها، أمها!
ظلت أمها سنوات تتحمل "عباس" ظناً منها أن وجوده كرجل في حياتهم هو المهم، متبعة المثل الشعبي " ظل راجل ولا ظل حيطة" لكن لم يجلب لها هذا الظل سوى الذل والمهانة لا حصر لهم ولا نهاية...
خرجت "فيحاء" من أمواج أفكارها العاتية حين استمعت لصوت وصول رسالة من هاتفها، ثواني وعانقت ملامحها إبتسامة دافئة حين رأت إسمه، زميلها في كلية الإعلام و أيضا.. حبها السري" أحمد" حيث كان يطمئن على وصولها للمنزل، توسعت إبتسامتها ورفعت عينيها ترى "سعاد" المراهقة القصيرة تجري نحوها تطوقها بحب و "سعيد" الذي يضحك من خلفها..
في لحظات تبدل الجو المشحون إلى لحظات هادئة يسرقونها من الزمن... بعد مرور عدة ساعات وأخيراً ظهرت والدة "فيحاء" حيث قررت الخروج من معزلها الذي اختارته بنفسها لتلقي التحية على الفريق المكتمل حيث انضمتا "نور" و "شمس" مؤخراً لذلك الجمع الهادئ، حين وقعت عيني فيحاء على والدتها ، رمقت والدتها بعتاب يحمل في طياته تراكمات من الخذلان على مدى السنين الماضية، ألقت التحية ورجعت مرة أخرى من حيث كانت...

أطوار القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن