🎵الفصل الرابع🎵

18 3 0
                                    

 
أخرج أكرم من جيب بنطاله مفتاح الشقة، دس المفتاح بقفل الباب، لكن ما جعله يتوقف وقلبه ينبض بغضب عنيف هو ذلك الصوت الذي يكرهه ويكره صاحبه بكل ذرة بكيانه، التفتت هديل متفاجئة باغضة، لتنظر إلى ماجد الخارج من الشقة المقابلة لشقتهم، هاتفاً ببرود:

-حمدلله على سلامة العرسان، يا ترى رحلتكم كانت سعيدة؟ آه صحيح أنت قليل الزوق جداً نسيت أعرفكم إن أنا جاركم الجديد وهنشوف بعض كتير أوي الفترة الجاية!


تحرك لسان أكرم ليسمع ذاك البغيض من الكلمات أقساها، ليجد هديل تتوجه إليه رويداً بغنج قائلة بدلال وهي تمد شفتيها لتعطيه قبلة نارية جعلته ينسى وجود ماجد بل نسيّ العالم بأسره:

-حبيبي يلا بينا ندخل بيتنا، معندناش وقت نضيعه مع الأشكال دي!


هوت تلك الأحرف على مسامعه كسوط قوي يضرب رأسه ليجعل جرح كرامته غائراً وممن أتى جرحه، من تلك التي كانت تذوب بمجرد النظر إليه، قيدت الصدمة لسانه، شاهدهما وهما يدخلان شقتهما أمام عينيه بغيظ لو وُزِع على الكون لأحرَقَه!

لم يكن أكرم بذلك الغباء، كان يعلم جيداً أنه تقوم بإغاظة حبيبها السابق ليس إلا، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تماماً، دقت طبول الحب بقلب هديل بمجرد تلامس شفاهها بشفتيه، براعم العشق بدأت بالنمو بداخل صدرها لتزهر روحها بعد الإنطفاء، لم تصارحه بما شعرت لخجلها الشديد منه، اكتفت بابتسامة عذبة زينت وجهها عندما نظرت إليه قبل أن تدخل إلى غرفتها، لم يفهم المغذى من تلك الإبتسامة لكنها داعبت قلبه الهاتف دائماً بحبها!



لم يكن الحال جيداً عند ماجد الجالس بشرفته الملتصقة بجدار شرفة أكرم وهديل، يمتلئ صدره بقوة هائلة من الغيظ والغل، لا يدري لما تصرفت هديل بتلك الطريقة المهينة، حدث نفسه بصوت داخلي متسائلاً:

-معقول يكون أكرم قالها عني حاجه؟ أكيد طبعا قالها دا مش هيضيع أي فرصه عشان يقرب منها ويخليها تحبه وتنساني خصوصاً إنه أصبح جوزها رسمي ليه ميحاولش يخليها ملكه هو؟

هز رأسه منفضاً تلك الفكرة عن تفكيره، ليهتف صوته الداخلي مرة أخرى قائلاً بقلة حيلة:

-طب وليه ميكونش هو مقالهاش أي حاجه وتكون هي حبته فعلاً، هو بردو الواد نحنوح كدا وملزق وعلى طول هيمان في الرومانسيه التافهة بتاعته دي!

ضرب علي سور الشرفة بقوة متوعداً، صرخ بصوت مسموع نوعاً ما:

-والله يا أكرم لتشوف هربيك إزاي، مش ماجد البحراوي اللي يتاخد منه حاجه غصب عنه كدا، وإنتي يا ست الحسن دورك جاي والحساب يجمع!


طرق أكرم باب غرفة هديل فسمحت له بالدخول بعد أن اعتدلت في جلستها وهندمت شعرها برفق، قال بحنو:

-انا جبت أكل، أكل من اللي إنتي بتحبيه.
=طب وإنت تعرف أنا بحب أكل ايه منين؟
-متستهونيش بقلبي أوي كدا، دا يعرف عنك كل حاجه!
=أكرم.. أنا
-إنتي إيه كملي؟

ابتلع ريقه بصعوبة منتظراً أن تكمل حديثها، علها تقول شيئاً يعيد روحه للحياة، فتحت فمها لتستكمل حديثها، رن جرس باب الشقة بإلحاح جعلهما يتسائلان عن ماهية ذلك الطارق المزعج في ليلتهما الأولى بعد انعقاد الصلح بينهما.


توجه أكرم للباب، نظر في عدسة الباب السحرية، صرخ بغضب هادر أرعب هديل:

-ماجد!

فتح الباب بسرعة عازماً على تلقينه درساً يمنعه من الإقتراب منهما مرة أخرى، ركضت هديل تجاههما بخوف شديد يعتصر به قلبها من أن يمس ماجد أكرم بسوء، ما إن فتح الأخير حتى فوجئ بفتاة بصحبة ماجد، فتاة يعرفها جيداً، خمرية اللون، عيناها سمراوين كحيلة وسيعة، وجهها مستدير كالبدر، جمالها آخاذ بطريقة جعلت الغيرة تتقافز من مقلتيّ هديل!


صاحت هديل بسرعة متضايقة بعد أن سمعت أكرم يناديها بإسمها متفاجئاً:

-مين دي يا أكرم، هو في إيه بالظبط، مين هنادي دي يعني؟


تدخل ماجد قائلاً بخبث:

-أنا أقولك يا ديلا، هنادي دي تبقى..

قاطعه أكرم بصوت حزين:
-مراتي.. هنادي دي تبقى مراتي!


صرخت روح هديل قائلةً بلوعة"قلبي كمدفئة بيت قديم مهترئ تهزه الرياح كلما مرت عليه عاصفة"

تلك العاصفة مضاعفة الآن لأن حبها لأكرم مختلفاً، كانت تظن أنها تعيش الحب مع ماجد لكن شعور الحب مختلف تماماً عما ظنت، الحب داء دوائه موت القلب!

تكلمت تلك الهنادي لتقول بطريقة فجة في الحديث:

-أيوه مراته يا حبيبتي زيي زيك عندك مانع!

الكراهية كفهوة بركان ثائر يتلهف للانفجار!
هكذا كان قلب ماجد الملئ بالغضب ونيران الإنتقام، كبركان يغلي داخله متلهفاً كل لحظة للانفجار ليحترق كل من تجرأ على إثارة غضبه!
استمعت هديل لهنادي وهي تتحدث بسوقية مخبرةٍ إياها بتحدٍ ومعايرة:
-إيه مالك؟ إتصدمتي ليه كدا هو انتي مكنتيش تعرفي إنك زوجة تانية!
هوى قلبها ليسقط صارخاً على أرض الغدر المحاطة بنيران مستعرة، تلك المرة الثانية لذلك القلب المسكين ليسكنه تلك المشاعر السيئة، أخفض أكرم رأسه أرضاً، تحاشى النظر إلى عينيها كي لا تذبحانه بنظرات العتاب، قطعت هديل حاجز الصمت بينهما لتقول كلمة واحدة بإصرار:
-طلقني!
رفع رأسه بسرعة ملتاعاً مما سمع تواً، كاد أن يتحدث إليها معللاً ملابسات الموقف لكنها أوقفته بجمود قائلة:
-ورقة طلاقي توصلني بكره على بيت بابا.
تركته وغادرت من أمام الجميع بوقار جاهدت كي تصل إليه وحدثت نفسها برجاء ألا تخونها وتقع أمامهم باكية، هتف ماجد متسغلاً تلك المشاعر السيئة التي تشعر بها هديل:
-شوفتي بقا يا ديلا مالكيش غيري في النهاية ازاي، مش هتعرفي تثقي في شخص غيري ولا قلبك هيعرف يدق لراجل غيري!
استوقفتها تلك الجملة وبدلاً من أن تكمل طريقها إلى الغرفة؛ عادت أدراجها موجهة حديثها لماجد حيث قالت بنبرة تثق بما تتفوه به:
-إنت بالذات آخر واحد ممكن يتكلم عن الثقة والحب! إنت لعنة ممكن تصيب أي قلب يا ماجد، صدقني أنا بستحقر نفسي كل لحظة إني دخلت واحد زيك حياتي وإستأمنته على قلبي وحبي وأول دقاته راحت هدر لصالح شيطان زيك! أكرم دا إسم ومعنى أكرمني حقيقي وغرضه في جوازه مني كان نبيل جداً وميتقارنش بيك، طب هو ومكانش بيجمعنا حب ولا ثقة ولا وعود، إنت بقا إيه مبررك للي عملته فيا؟ أنا بسأل السؤال دا وأنا حقيقي مش حابه أسمع إجابته، إبعد عني يا ماجد أحسن ليك وليا عشان أنا بجد مش حِمل تعب وحزن تاني وعشان أنا مش حابه الإنتقام يسكن قلبي لأنك هتزعل أوي لو فكرت آخد حقي منك!
لم يفهم ماجد المغذى من ذلك الإنقلاب المفاجئ عليه، ود في معرفة أسباب ما يحدث لها وكيف تغيرت لتلك الدرجة، لم يخطر بباله أن يكون السبب هو أنها علمت الحقيقة من أكرم، زاد إصراره على الاقتراب منها وإخضاعها لجبروت سلطته في الحب مرة أخرى!
غادر ماجد تاركاً ورائه مخلفات الوقيعة بينهما "هنادي" التي تجولت في ردهة الشقة بانبهار وكأنها لم ترَ مثلها مسبقاً، بينما هديل تضع ثيابها في الحقيبة لتترك المنزل بلا عودة وأكرم يطالعها مستنداً على باب الغرفة بقلة حيلة وحزن كبير.
هتف أخيراً بصوت أشبه بالبكاء:
-طب حتى إسأليني! صرخي في وشي! إعملي أي رد فعل متسكتيش كدا!
أجابته بنبرة صوت منكسرة:
-مالوش لزوم، كل واحد حر وفي النهاية أنا وإنت كنا كدا كدا هنتطلق وأنا مبحبكش من أول لحظة شوفتك فيها وإنت عارف دا كويس! معتقدش إنها هتفرق في حاجة إني أفهم ليه عملت كدا، أرجوك خليك كريم معايا للآخر ومتأخرش عليا ورقة طلاقي.
شعر أكرم في تلك اللحظة بنصل سكين حاد يُطعن به قلبه بلا رحمة، اختنق صوته، ضاق صدره واضطرب تنفسه، حاول أن يخرج صوته ليجيبها مدافعاً عن نفسه لكن صوته غدر به ورفض أن يساعده!
راقبها وهي تغادر الشقة بقهر شديد يسكنه، بينما ودعتها هنادي بشماتة كبيرة تقفز من مقلتيها!
بمجرد أن أغلقت الباب وكأنها أغلقت باب الجنة بوجهه، أخذ يصرخ ويقذف كل شئ تطاله يده بالهواء، ارتعدت هنادي من هيئته فركضت للغرفة وأغلقت على نفسها بخوف شديد، بينما تبكي هديل مر البكاء وهي تهبط الدرج.
جال بخاطرها تلك اللحظات التي عاشتها بقربه في مأمن وطمأنينة لم تطئ قلبها من قبل، تذكرت حديثه، عيونه العاشقة، نبرته الحنونة، فرحته الكبيرة عندما توجه له أي نوع من أنواع الأحاديث، محاولاته المستمرة لإسعادها دون ملل أو تراجع.
ذرفت الدمع بلا توقف لشعورها أنها فارقته، كانت قد رغبت في إعطائه وإعطاء نفسها فرصة للحياة والتنعم بالحب الذي ظنت أنها عاشته لكنها كانت مخطئة لأن قلبها لم يشعر بالحياة والحب إلا في قربه هو!

جرح يديه بإحدى أغراض الزينة الزجاجية حتى سالت الدماء على الأرض أسفل قدميه، بعد برهة من الوقت خرجت هنادي من الغرفة لتراه بتلك الحالة فهتفت بفزع:
-أكرم! إنت بتنزف، إزاي سايب نفسك بالشكل دا؟ هات إيدك اطهر لك الجرح وأربطها لك.

نفض جسده من لمستها العفوية، ظلت نظرته ثابتة للفراغ أمامه والغضب يستوطن على الأجواء من حوله، بكت بحرقة قبل أن تقول بندم شديد:

-أنا آسفة أرجوك تسامحني مقدرتش أستوعب جريمتي في حقك رغم إني مشوفتش منك إلا الخير غير لما شوفت حالتك دلوقتي مكنتش متخيلة إنك تكون بتحبها بالشكل دا!

لم يجبها فأردفت حديثها بنفس النبرة والشعور:

-ضحك عليا وفهمني إني بالطريقة دي هقدر أكون جمبك وأظهر لك إني حبيتك ونفسي تكون ليا.

نجحت بتلك الكلمات في لفت إنتباهه حيث قال بسخرية:

-هتسبيني إمتى في حالي بقا يا شيخة، كرهت حياتي بسببك، سنه كاملة كل ما أفكر أحل موضوعك تقرفيني، هو دا جزائي يعني إني وقفت جمبك وجمب والدك؟ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان! إنتي مشوفتيش مني إلا كل خير يا هنادي، ليه بتعملي فيا كدا ليه، حياتي بتبوظ بسببك، شغل وحب وحياة بمعنى عام، كله بتبوظيه ونفس الإسطوانة كل دقيقة " بتحبيني" دا مش حب دا مرض، إنتي مريضة!

حاولت الاقتراب منه لكنه نفر منها بطريقة مهينة لم تعر لها إهتماماً وأكملت حديثها محاولةً إستعطافه:

-مريضة بيك يا أكرم، مريضة بحبك!

صرخ بعد أن فشل في المحافظة على هدوئه:

-لحقتي إمتى تحبيني عايز أفهم؟ كفاية تمثيل بقا.

=حبيتك لما شوفت أد إيه إنك إنسان بمعنى الكلمة وسترتني أدام نفسي وأدام الناس!

-أنا سترتك أدام الناس بعد إذن ربنا ليكي بالستر وأنا مجرد سبب لكن معتقدش إني قدرت أسترك أدام نفسك!

=متكونش قاسي للدرجة دي يا أكرم بالله عليك!

-اتقي إنتي الله وابعدي عن حياتي يا هنادي عشان أنا مش عايز أتحول لإنسان مش هتحبيه أبدا في سبيل إني أحافظ على حياتي منك!

=بس أنا مش هسيبك ولو حتى فيها موتي! إوعى تفكر إن أنا لو كنت عرفت بموضوع جوازك دا من الأول كنت هسيبك تتمم الجوازة دي! بس عموماً من يأتي متأخراً أفضل ممن لم يأتي مطلقاً!

فاض به الكيل، أمسكها من ذراعيه بغيظ شديد، نظر بمنتصف عينيها بتحدِ، ضغط علي حرف ينطقه متوعداً:

-إنتي طالق! وأعلى ما في خيلك اركبيه، وهديل خط أحمر لو تخطتيه هنهيكي من على وش الأرض، وزي ما كنت سبب بعد ربنا في إنك لسه واقفه بتفلسفي أدامي كدا هكون سبب في خجلك طول العمر، أنا اتحملتك بما فيه الكفاية ومكنتش عايز اتسبب لوالدك في أزمة نفسية ممكن ميقومش منها لكن كدا إنتي بقيتي جحيم لازم أخرج منه وأرتاح!

الكراهية كفهوة بركان ثائر يتلهف للانفجار!
هكذا كان قلب ماجد الملئ بالغضب ونيران الإنتقام، كبركان يغلي داخله متلهفاً كل لحظة للانفجار ليحترق كل من تجرأ على إثارة غضبه!

"لمن تدق القلوب"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن