استمعت هديل لهنادي وهي تتحدث بسوقية مخبرةٍ إياها بتحدٍ ومعايرة:
-إيه مالك؟ إتصدمتي ليه كدا هو انتي مكنتيش تعرفي إنك زوجة تانية!
هوى قلبها ليسقط صارخاً على أرض الغدر المحاطة بنيران مستعرة، تلك المرة الثانية لذلك القلب المسكين ليسكنه تلك المشاعر السيئة، أخفض أكرم رأسه أرضاً، تحاشى النظر إلى عينيها كي لا تذبحانه بنظرات العتاب، قطعت هديل حاجز الصمت بينهما لتقول كلمة واحدة بإصرار:
-طلقني!
رفع رأسه بسرعة ملتاعاً مما سمع تواً، كاد أن يتحدث إليها معللاً ملابسات الموقف لكنها أوقفته بجمود قائلة:
-ورقة طلاقي توصلني بكره على بيت بابا.
تركته وغادرت من أمام الجميع بوقار جاهدت كي تصل إليه وحدثت نفسها برجاء ألا تخونها وتقع أمامهم باكية، هتف ماجد متسغلاً تلك المشاعر السيئة التي تشعر بها هديل:
-شوفتي بقا يا ديلا مالكيش غيري في النهاية ازاي، مش هتعرفي تثقي في شخص غيري ولا قلبك هيعرف يدق لراجل غيري!
استوقفتها تلك الجملة وبدلاً من أن تكمل طريقها إلى الغرفة؛ عادت أدراجها موجهة حديثها لماجد حيث قالت بنبرة تثق بما تتفوه به:
-إنت بالذات آخر واحد ممكن يتكلم عن الثقة والحب! إنت لعنة ممكن تصيب أي قلب يا ماجد، صدقني أنا بستحقر نفسي كل لحظة إني دخلت واحد زيك حياتي وإستأمنته على قلبي وحبي وأول دقاته راحت هدر لصالح شيطان زيك! أكرم دا إسم ومعنى أكرمني حقيقي وغرضه في جوازه مني كان نبيل جداً وميتقارنش بيك، طب هو ومكانش بيجمعنا حب ولا ثقة ولا وعود، إنت بقا إيه مبررك للي عملته فيا؟ أنا بسأل السؤال دا وأنا حقيقي مش حابه أسمع إجابته، إبعد عني يا ماجد أحسن ليك وليا عشان أنا بجد مش حِمل تعب وحزن تاني وعشان أنا مش حابه الإنتقام يسكن قلبي لأنك هتزعل أوي لو فكرت آخد حقي منك!
لم يفهم ماجد المغذى من ذلك الإنقلاب المفاجئ عليه، ود في معرفة أسباب ما يحدث لها وكيف تغيرت لتلك الدرجة، لم يخطر بباله أن يكون السبب هو أنها علمت الحقيقة من أكرم، زاد إصراره على الاقتراب منها وإخضاعها لجبروت سلطته في الحب مرة أخرى!
غادر ماجد تاركاً ورائه مخلفات الوقيعة بينهما "هنادي" التي تجولت في ردهة الشقة بانبهار وكأنها لم ترَ مثلها مسبقاً، بينما هديل تضع ثيابها في الحقيبة لتترك المنزل بلا عودة وأكرم يطالعها مستنداً على باب الغرفة بقلة حيلة وحزن كبير.
هتف أخيراً بصوت أشبه بالبكاء:
-طب حتى إسأليني! صرخي في وشي! إعملي أي رد فعل متسكتيش كدا!
أجابته بنبرة صوت منكسرة:
-مالوش لزوم، كل واحد حر وفي النهاية أنا وإنت كنا كدا كدا هنتطلق وأنا مبحبكش من أول لحظة شوفتك فيها وإنت عارف دا كويس! معتقدش إنها هتفرق في حاجة إني أفهم ليه عملت كدا، أرجوك خليك كريم معايا للآخر ومتأخرش عليا ورقة طلاقي.
شعر أكرم في تلك اللحظة بنصل سكين حاد يُطعن به قلبه بلا رحمة، اختنق صوته، ضاق صدره واضطرب تنفسه، حاول أن يخرج صوته ليجيبها مدافعاً عن نفسه لكن صوته غدر به ورفض أن يساعده!
راقبها وهي تغادر الشقة بقهر شديد يسكنه، بينما ودعتها هنادي بشماتة كبيرة تقفز من مقلتيها!
بمجرد أن أغلقت الباب وكأنها أغلقت باب الجنة بوجهه، أخذ يصرخ ويقذف كل شئ تطاله يده بالهواء، ارتعدت هنادي من هيئته فركضت للغرفة وأغلقت على نفسها بخوف شديد، بينما تبكي هديل مر البكاء وهي تهبط الدرج.
جال بخاطرها تلك اللحظات التي عاشتها بقربه في مأمن وطمأنينة لم تطئ قلبها من قبل، تذكرت حديثه، عيونه العاشقة، نبرته الحنونة، فرحته الكبيرة عندما توجه له أي نوع من أنواع الأحاديث، محاولاته المستمرة لإسعادها دون ملل أو تراجع.
ذرفت الدمع بلا توقف لشعورها أنها فارقته، كانت قد رغبت في إعطائه وإعطاء نفسها فرصة للحياة والتنعم بالحب الذي ظنت أنها عاشته لكنها كانت مخطئة لأن قلبها لم يشعر بالحياة والحب إلا في قربه هو!
جرح يديه بإحدى أغراض الزينة الزجاجية حتى سالت الدماء على الأرض أسفل قدميه، بعد برهة من الوقت خرجت هنادي من الغرفة لتراه بتلك الحالة فهتفت بفزع:
-أكرم! إنت بتنزف، إزاي سايب نفسك بالشكل دا؟ هات إيدك اطهر لك الجرح وأربطها لك.
نفض جسده من لمستها العفوية، ظلت نظرته ثابتة للفراغ أمامه والغضب يستوطن على الأجواء من حوله، بكت بحرقة قبل أن تقول بندم شديد:
-أنا آسفة أرجوك تسامحني مقدرتش أستوعب جريمتي في حقك رغم إني مشوفتش منك إلا الخير غير لما شوفت حالتك دلوقتي مكنتش متخيلة إنك تكون بتحبها بالشكل دا!
لم يجبها فأردفت حديثها بنفس النبرة والشعور:
-ضحك عليا وفهمني إني بالطريقة دي هقدر أكون جمبك وأظهر لك إني حبيتك ونفسي تكون ليا.
نجحت بتلك الكلمات في لفت إنتباهه حيث قال بسخرية:
-هتسبيني إمتى في حالي بقا يا شيخة، كرهت حياتي بسببك، سنه كاملة كل ما أفكر أحل موضوعك تقرفيني، هو دا جزائي يعني إني وقفت جمبك وجمب والدك؟ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان! إنتي مشوفتيش مني إلا كل خير يا هنادي، ليه بتعملي فيا كدا ليه، حياتي بتبوظ بسببك، شغل وحب وحياة بمعنى عام، كله بتبوظيه ونفس الإسطوانة كل دقيقة " بتحبيني" دا مش حب دا مرض، إنتي مريضة!
حاولت الاقتراب منه لكنه نفر منها بطريقة مهينة لم تعر لها إهتماماً وأكملت حديثها محاولةً إستعطافه:
-مريضة بيك يا أكرم، مريضة بحبك!
صرخ بعد أن فشل في المحافظة على هدوئه:
-لحقتي إمتى تحبيني عايز أفهم؟ كفاية تمثيل بقا.
=حبيتك لما شوفت أد إيه إنك إنسان بمعنى الكلمة وسترتني أدام نفسي وأدام الناس!
-أنا سترتك أدام الناس بعد إذن ربنا ليكي بالستر وأنا مجرد سبب لكن معتقدش إني قدرت أسترك أدام نفسك!
=متكونش قاسي للدرجة دي يا أكرم بالله عليك!
-اتقي إنتي الله وابعدي عن حياتي يا هنادي عشان أنا مش عايز أتحول لإنسان مش هتحبيه أبدا في سبيل إني أحافظ على حياتي منك!
=بس أنا مش هسيبك ولو حتى فيها موتي! إوعى تفكر إن أنا لو كنت عرفت بموضوع جوازك دا من الأول كنت هسيبك تتمم الجوازة دي! بس عموماً من يأتي متأخراً أفضل ممن لم يأتي مطلقاً!
فاض به الكيل، أمسكها من ذراعيه بغيظ شديد، نظر بمنتصف عينيها بتحدِ، ضغط علي حرف ينطقه متوعداً:
-إنتي طالق! وأعلى ما في خيلك اركبيه، وهديل خط أحمر لو تخطتيه هنهيكي من على وش الأرض، وزي ما كنت سبب بعد ربنا في إنك لسه واقفه بتفلسفي أدامي كدا هكون سبب في خجلك طول العمر، أنا اتحملتك بما فيه الكفاية ومكنتش عايز اتسبب لوالدك في أزمة نفسية ممكن ميقومش منها لكن كدا إنتي بقيتي جحيم لازم أخرج منه وأرتاح.
أنت تقرأ
"لمن تدق القلوب"
Romanceأدركت هديل أنها تقبع بأحضان أكرم وأنها نادته بإسم ماجد للتو، نهضت تترنح، يصرخ صوتها بوهن: - إبعد عني.. إنت إزاي تمسكني بالشكل دا إنت إتجننت وسع كدا من طريقي عايزه أروح أوضتي! أفسح لها أكرم المجال بقلب منكسر لم يقوى على قول أي شئ فماذا يقول والعتاب ل...