الفصل السادس عشر

284 11 0
                                    

الفصل السادس عشر بين القلب و الجسد

بعد يومين فقط لا غير قدمت والدة جاسر لتخطب عزة إلى ابنها.
عبرت عن فرحتها باختيار ابنها ثم عقدت حاجبيها قليلا و قالت ببطء : انتظروا ، لقد أوصاني بقول شيء ما لكن يبدو أني قد نسيت
انتظرنها في صمت و فجأة لمعت عيناها و قالت بسرعة : آه تذكرت ، إنه يقول لك أنه لم يكن جادا في حياته كما في هذه اللحظة
سكتت ثم أضافت بحيرة : والحق أني لا أدري لم قد يقول مثل هذا الكلام فهل يمزح الرجال في أمر كهذا ؟
تبادلت ميسون و عزة نظرات ذات مغزى لم تفت المرأة الذكية التي قالت لهم : يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها
ضحكت الفتاتان فضحكت معهما ثم سألت عزة بين ابتساماتها : حسنا يا ابنتي ماذا تقولين ؟
أضافت اللمسة المميزة لأي حماة حين قالت بفخر : طبعا ستقبلين فأنت لا تتصورين يا ابنتي كم ستكونين محظوظة برجل مثل ابني ، رجل لن تجدي مثله لا في السند و لا في الهند
صمتت عزة و هي تشعر بالحرج ثم أطرقت برأسها و الحمرة تصبغ خديها. فما كان من المرأة إلا رفعت صوتها بزغرودة طويلة عريضة سمعها جاسر و هو واقف أمام الباب الخارجي فابتسم.

كان قد أمضى اليومين الأخيرين يفكر في أمره . فبعد الجرح الذي أصابه و الذي كان ليصيبه في مقتل لو كان اللص أكثر مهارة في التصويب أطال جاسر التفكير في حاله و حال هذه الدنيا وقرر أنه بالتأكيد لا يريد أن يموت أعزبا. كان منذ أن خطب ميسون تلك الليلة قد وطن نفسه على الزواج و العيش مع امرأة تحت سقف واحد ، امرأة يحدثها و تحدثه ، يلاعبها و تلاعبه و ترافقه إلى كل مكان إن لم يكن بجسدها فبذكراها التي تعيش بداخله.
حاول أن يفكر في الفتيات اللاتي كانت أمه قد اقترحتهن عليه و لكنه لم يستطع أن يستحضر أي واحدة منهن، في الوقت الذي وجد فيه نفسه قادرا و بكل يسر أن يتذكر وجه عزة بكل تفاصيله و خاصة نظراتها ، نظراتها التي كانت تحمل في البداية شوقا جليا و لهفة واضحة ثم بسببه امتلأت بالحزن و الانكسار .

لم يستطع أن يمنع نفسه من التفكير فيها و من الشعور بالشفقة عليها. فبعد معرفته بما وراءها ، أصبح يراها بعين أخرى : خوفها ، فزعها ، صمتها الطويل ، كل ذلك بسبب ما تعرضت له. و بدت له الفتاة معذورة فقد عاشت محنة أكبر من سنوات عمرها و تحتاج وقتا لكي تنسى و تطلق ذاتها من عقالها.
كان و مازال يكره جمود الطباع لكنها لم تكن جامدة أبدا، كلا لم تكن كذلك ، تذكر دموعها الغزيرة ، شهقاتها و زفراتها. كانت الفتاة تكتم بدخلها عاطفة عارمة.
اشتد تأنيب ضميره له و أراد أن ينساها و يريح باله ولكنه كلما حاول إخراجها من عقله كلما ازداد تفكيرا فيها.

كان أكثر ما أثر فيه هو عدم غضبها منه و تقبلها الأمر بحزن لكن بدون موجدة، لم ير أي نظرات حقد في عينيها و لا شعر بأي غل في كلماتها ، فقط بعض العتاب الخفيف الذي لا يؤلم. لم يشك في أن الفتاة أحبته بالفعل إلا أنها رغم ذلك لم تسعى إلى توريطه في أمر لا يريده ، امرأة أخرى كانت لتخبر أمه بما كان منه و تخبر جميع من حولها و ربما كان ليضطر حينذاك أن يتزوجها درءًا للألسنة التي لن ترحمه لو عرف أنه يخطب النساء مازحا ثم يتخلى عنهن.

رواية الرحيل اليه لكاتبة نغم الغروبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن