4- سجن الوحوش

32 4 0
                                    

رواية #تعويذة_الاختيار
#الفصل_الرابع
(سجن الوحوش)

في العام 2100 ميلادية، في مكان ما في كوكب الأرض نائٍ وبعيد عن الأنظار في قلب الصحراء؛ يوجد سجن ضخم ومحصن بشكل كبير لا يستطيع أحد ولا حتى حشرة الهرب منه. أُقِيمَ هذا السجن خصيصًا لحبس والسيطرة على الكائنات الغريبة والوحوش؛ ويُقصد بهذه الكائنات هنا بعض البشر ممن أقيمت عليهم تجارب علمية أدت لتحولهم لوحوش وصَعُبَتْ السيطرة عليهم فأُقيم هذا السجن ليضعوهم فيه حتى يستطيعون السيطرة عليهم واتقاء شرهم، نعم فنتيجة ما أُجري عليهم من تجارب أصبحوا عدائيين بشكل لا يوصف؛ فقد تألموا وعانوا كثيرًا جدًا.

داخل غرفة التجارب الكبيرة -والتي تقع في أعلى طابق من طوابق السجن- كان هناك شخص قابع داخل صندوق زجاجي مضبوطًا على قياسه يُشبه التابوت لكن الفرق أن به فتحات مُوَصلة بأنابيب أكسجين ليتنفس، كان ينظر حوله في وجلٍ وعيناه جاحظتان من الخوف وقلبه يرتجف وبرأسه ألف سؤال: يا ترى ماذا سيفعلون بي؟!
سأل نفسه وهو يراهم يتحركون حوله يُحضرون الأدوات التي سَيُجْرُونَ بها التجربة عليه لأول مرة. كاد يموت رعبًا خشية أن يصير وحشًا هو الآخر مثل باقي السجناء، وأخذ يلوم نفسه على ما اقترف في حقها ما أودى به أن يَلِجَ هذا العالم المريب ويمر بكل هذه الصعاب. أخذه الألم والحنين بالذاكرة للوراء ليتذكر كيف أتى لهذا المكان؛ آخر ما يتذكره من عالمه هو عندما كان جالسًا على صخرة أمام البحر ينتظر خطيبته أن تأتي كالمعتاد ليجلسا سويًا يتحدثان حول مستقبلهما معًا ويرسمون أحلامًا لا حدود لها، وأخذ يتسلى في قراءة كتاب اشتراه له صديقه من أحد تجار الأشياء القديمة؛ فقد أعجبه شكله العتيق وأراد أن يهديه لحبيبته فهي تحب كل ما هو عتيق. أخذ يتسلى بقرائته وشعر أن الكلمات تجذبه لا لجمالها ولكن يشعر أن الكتاب يسحبه بداخله شيئًا فشيئًا، وأنه لا يشعر بالوقت ولا المكان حوله، وفجأة وجد كلمات مُبهمة حاول تهجئتها رغم صعوبتها وما كاد يُنهيها حتى سحبه الكتاب داخله واختفى تاركًا إياه خلفه وصرخات خطيبته تَعلو في الأجواء تناديه من أعماق قلبها: هاري، أين اختفيت؟!

نزلت دموع هاري غزيرة على وجنتيه وهو يتذكر تلك اللحظة التي بدلت حياته وحولتها لجحيم لا يوصف؛ تذكر عندما انتقل من عالمه وظل يدور في مدار حلزوني يصعد به ويهبط وجسده مُستسلم له لا يستطيع أن يتحكم فيه ولا يدري أين يأخذه، هل مات وروحه هي التي تتحرك؟ أم ما زال حيًا وفي طريقه للموت؟ أم أنه تائه في درب مجهول؟ ورغم كل هذا كان جسده مستسلمًا وقلبه يرتجف، يمزقه الألم واللوم الشديد لنفسه على ما اقترفته بقراءة كتاب كهذا. كتاب!! صاح هاري في نفسه بصوت مكتوم وتابع قائلًا لنفسه: يا للهول! ماذا لو قرأته هيرا وحدث لها مثلما حدث معي؟ يا إلهي! أرجو أن لا تفعليها يا هيرا.

استفاق من شروده عندما اصطدم جسده بالأرض بقوة فنظر حوله وجد نفسه في مكان عجيب مليء بأشياء تتحرك بسرعة مخيفة!! حاول أن ينهض من سقطته وفور أن وقف على قدميه صدمه أحد هذه الأشياء العجيبة وغاب عن الوعي. أفاق هاري فوجد نفسه مُلقى على سرير في غرفة ضيقة بها بصيص من نور، حاول الحِراك فاكتشف أنه مُقيد من يديه وقدميه! اندهش وصرخ بأعلى صوته: أين أنا؟ لمَ قيدتموني؟ هل من أحد هنا؟ أجيبوني؟

ولكن لم يُجبه أحد، وآلمته حنجرته فآثر الصمت والبكاء. بعد فترة ليست بالقصيرة دخل عليه أُناس يرتدون زيًا غريبًا وزجاج على وجوههم! أدهش منظرهم هاري؛ فَزِيِّهم هذا غريب جدًا عليه لم يره من قبل.
عندما وجدوه مستيقظًا، تحدثوا إلى بعضهم ولكنه لم يفهمهم فقال لهم: ماذا تقولون؟ وما هذه اللغة الغريبة؟

لم يفهموا كلامه فتقدم منه أحدهم ووقف على مقربة منه وسأله: من أنت؟

ففهمه هاري وتعجب بشدة؛ لأنه سمع نفس اللهجة العجيبة ولكنها تُرجمت داخل رأسه بعد سؤال الرجل مُبَاشرة فأجابه هاري: أنا هاري. من أنتم؟ ولمَ زِيكم غريب هكذا؟ وأين أنا؟

أجابه الرجل: أنا الطبيب الأول؛ كبير الأطباء؛ نحن أطباء هذا السجن، وليس لنا أسماء، كلنا هنا نُلقب حسب المهنة ورقم تسلسل.

ارتبك هاري أكثر وصاح: سجن!! أي سجن؟ لمَ سجنتموني؟ لم أفعل شيئًا.

أجابه الطبيب الأول: لقد وقع لك حادث، أخذوك للمشفى، وجدوك ترتدي زيًا غريبًا، خافوا منك أن تكون وحشًا فأبلغوا إدارة السجن فقبضوا عليك وأودعوك هنا في سجن الوحوش حتى نحدد نوعك ونعرف إذا كنت مؤذيًا أم لا.

جحظت عينا هاري رعبًا وصاح: ماذا؟! سجن وحوش؟ هل تَرَونِني وحشًا؟ أنا بشر عادي، كيف تفعلون ذلك؟ اتركوني وشأني، هيا أخرجوني من هنا، هيا. 

ضحك الطبيب الأول بأعلى صوته وضحك باقي الطاقم الطبي، اقترب من عيني هاري ونظر فيهما بقوة نظرة مليئة بالشر وقال له: إن لم تكن وحشًا فأنت فأر تجارب إذًا، وسنجرب عليك علاجات جديدة أو.... -سكت قليلًا ثم قال بصوت كالفحيح وابتسامة شريرة-: سنحولك لوحش إذًا.....

يُتبع إن شاء الله.......
#تعويذة_الاختيار
#هبةالله_رزق_عيسى

تعويذة الاختيار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن