حين كنت صغيراً كان حلمي ان اصبح طبيباً لمعالجة جدتي المريضة، توفيت بعدها حين اصبحت في الخامسة عشر لكنني اخبرت امي وابي انني لا ازال اريد ان اصبح طبيباً من اجلها...
انا الابن الوحيد في العائلة مع اخت واحدة تصغرني بسنتين، ولأنني الابن الوحيد في عائلة تغلب عليها النساء تعلمت أن اكون متفهماً وعطوفاً دوماً تجاه النساء،
علمتني امي أنهم مخلوقات رقيقة يجب عليك معاملتها جيداً، انهم يمرون بالام وتغيرات معينة كل شهر لذا في ذلك الوقت من الشهر عليك تغطيتهم جيداً واعطائهم شيء ساخن لشربه، كما يجب ان تشتري لهم الواح الشوكولا.. حفظت كل وصايا امي عن ظهر قلب واعتنيت بأمي واختي جيداً دوماً.
ذات يوم اصر صديقي ان اذهب معه لجامعة الحقوق اثناء مقابلة اختباره لذا ذهبت معه، في ذلك اليوم غادرني قلبي ولم يعد ابداً...
كان ذلك حين رأيتها اول مرة.. اسرتني تلك الفتاة ذات الشعر الاسود الطويل.. وجدت نفسي اتبعها بينما تمشي مع فتاة ثانية ربما اختها او صديقتها لا اعلم لكنني تمنيت ان اشكرها حين نادتها (طوكيو).. جلست بعدها في المقهى لتطلب كابتشينو بجرعة حليب زائدة وسكر، عزيزتي طوكيو تحب ان يطغى طعم الحليب على الكابتشينو اكثر.. كان اول شيء نختلف فيه لأنني احب النكهة القوية للكابتشينو.. اخرجت كتاباً من حقيبتها وجلست لتقرأ، شعرت وكأنها غادرت العالم حين امسكت ذلك الكتاب.. لم استطع سوى ان ابتسم كالاحمق وانا اشاهدها تقرأ.. لو كنت كتاباً لاصبحت لي فرصة ان تلاحظيني...
شاهدت تعابير وجهها تتغير مع تغير السطور، رأيت ابتسامتها الجميلة، رأيتها تعقد حاجبيها بتركيز، رأيتها تعبث بقلادتها حين تتوتر، ورأيتها غاضبة..
من هذا الذي اغضب عزيزتي طوكيو؟
لم تخرج حتى انهت قراءة الكتاب، توجهت بعدها الى متجر للشموع، عزيزتي تحب رائحة الفانيلا، الكراميل، جوز الهند، والياسمين. اظن انها تحب شراء الكثير من الشموع.. عزيزتي شخص ليلي...
تحب عطور فالنتينو كما يغلب اللون الوردي على ملابسها،
(هل يمكنني ان اصبح لوناً؟)
تلك الساعات القليلة غيرتني فجأة لانطق بتلك الكلمات لأمي وابي:
"اريد ان ادخل كلية الحقوق"
لم يعترض اي منهما على رغبتي بل كانا داعمين لي، هكذا استطيع ان اكون بالقرب من طوكيو واشاهدها اكثر..
تم قبولي وذهبت في اول يوم لي على امل ان احصل ولو على لمحة منها، دخلت وجلست في القاعة، شممت عطرها فجأة فشعرت بتوتر يملأ جسدي بأكمله..
لم اتجرأ على النظر خلفي.. دخل الدكتور حينها معرفاً:
-مرحباً، انا الدكتور والتر وسأكون استاذكم لهذا الفصل.
قال صوت من خلفي حينها:
-عذراً، هل لديك قلم؟ قلمي معطل.
التفت لأراها.. عزيزتي طوكيو تريد قلماً.. اعطيتها قلمي الوحيد وكانت تلك اول محادثة صغيرة تدور بيننا..
ذهبت بعد الفصل في الكافتيريا فوجدتها امامي مع تلك الفتاة.. رأيتها تبتسم بسعادة لوجود الباستا في قائمة الطعام، عزيزتي تحب الباستا...
اكلت الباستا بسعادة لأول مرة برغم انني لم احبها قبلاً..
لم تكن الباستا يوماً بهذه اللذة...
-عيناك ستخرج من مكانها.
-همم؟ ماذا تقصد؟
-لقد كنا جالسين هنا منذ نصف ساعة ولم تستطع ابعاد عينك عن تلك الفتاة!
-من؟ انا؟ متى؟
-عزيزي لقد كنا اصدقاء منذ ان كنا نتبول في سراويلنا، منذ متى وانت تأكل الباستا؟ الا يجب على الاقل ان تقوم ببادرة ما بدل ان تجلس هنا وتحدق بها كأنك مطارد مختل؟ هل اكلمها بدلاً عنك؟
-يمكنك فقط ان تصمت عزيزي!
-راقب وتعلم!
-هاي! ايها المجنون، انتظر!
ذهب نحو طاولتها وتكلم معها ومع صديقتها لكنني لم اسمع ما قاله، جلس قليلاً ثم التفت وناداني
ذهبت نحو طاولتها بتوتر فقدمني اليهما..
-طوكيو، بيث، هذا جون صديقي منذ ايام الطفولة،
جون، اقدم لك طوكيو وبيث.
ابتسمت حينها وقالت:
-اوه، اسمك جون؟ لم يتسنى لي شكرك على القلم.
-لم يكن سوى قلماً بسيطاً، ستسرني مساعدتكِ في اي وقت.
اصبحنا اصدقاء منذ ذلك الوقت، نساعد بعضنا في الدراسة ونخرج معاً احياناً لكنني لم استطع اخبارها في ذلك الوقت انني احبها وفي كل مرة انوي الاعتراف يحصل شيء يمنعني.. ستنتهي السنة بالفعل، هل مضى كل هذا الوقت؟
كان عيد الميلاد قد اقترب، ولأنها بعيدة عن عائلتها احتفلنا به نحن الاربعة سوياً، كان الثلج يتساقط وقتها، تقف امام شرفة منزلي لتنظر الى جمال المنظر في الخارج بينما تبتسم بسعادة نظرت الى يديها الصغيرة الباردة فامسكتها ووضعتها في جيبي لادفئها، لم اعي ما فعلت حتى كان الاوان قد فات.. نظرت الي مطولاً دون تنطق بحرف، استجمعت ما تبقى من شجاعتي وقبلتها، سطعت الشمس في قلبي لأول مرة، مذيبة كل الجليد في لحظات...
-احبكِ طوكيو.
ردت الامر بابتسامة.. لن تزيف ابتسامتها ابداً.. طوكيو تحبني ايضاً.. كانت تلك بداية علاقتنا...
مرت خمس شهور خرجنا فيها في الكثير من المواعيد وتبادلنا فيها القبلات الصغيرة لكنني لم المسها بتلك الطريقة ابداً.. احببتها دون سبب رغم وجود العديد من الاسباب التي تدفعني لحبها، لكنها لم تقلها بشكل واضح الى الان.. اخبرتني ذات مرة انها معجبة بي لكنها لم تقل احبك، ظننت برغم ذلك ان تلك الكلمة لا يجب ان تقال لتُعرَف.. ظننت هذا حتى ذلك اليوم الذي قلقت فيه عليها وزرتها في شقتها.. حبيبتي التي لم ترسمني يوماً ملأت حائطها بصور شخص اخر.. رسمته بكل تفاصيله ولم تغفل عن شيء.. حتى قبلته لها!
تمنيت لو لم افتح درج غرفتها بالخطأ ذلك اليوم فحينها لم اكن لأرى ما رأيته، خدعت نفسي اكثر فادركت بعدها انني لن اتمكن من لمسها على الاطلاق.. وغداً لن يبقى هناك "نحن"... عزيزتي طوكيو ستخرج معي في اخر موعدٍ غداً....