اين انا؟
فتحت عيني لأجد نفسي في غرفة بيضاء بالكامل ليس فيها سوى سرير وطاولة صغيرة بدرج اسفلها، نظرت حولي فلم أجد شيئاً.. متى غير فيغاس غرفتنا؟
نظرت الى ملابسي لكنها بدت غريبة وكأنه رداء مشفى..
لا اعلم كيف دخلت المشفى وانا لم اصب حتى! اشعر وكأنني نمت لعدة سنوات.. حاولت ان انهض من السرير لكن جسدي كان اثقل من ان اتحرك.. صرخت بصوت متعب لكن لم يسمعني احد..
ما خطب صوتي؟ لماذا لا يخرج؟ اين فيغاس؟
بقيت لفترة احاول ان افهم ما يحدث لكن كل ما اعلمه انني خرجت مع فيغاس من ذلك المكان المشؤؤم حين طلب يدي للزواج ثم عدنا بعدها الى غرفتنا السرية ثم استيقظت هنا..
هل فقدت ذاكرتي؟ هل جننت؟ هل كان لقائي بفيغاس مجرد حلم؟ جلست لساعات بمفردي انظر الى السقف، انا محبوسة بمفردي في غرفة مقفلة بمكان لا اعرفه حتى ولا اعلم ما يحدث.. سأصاب بالجنون هنا، اريد فيغاس، اريده ان يخبرني ان كل شيء بخير.. اريد ان اراه فقط لكنه ليس معي.. بقيت اردد اسمه حتى فتح الباب وظهر امامي مرتدياً الابيض فجأة، نظر الي ثم قال:
-مرحباً طوكيو، كيف حالكِ اليوم؟
-فيغاس اين انا؟ ما الذي يحصل؟ لماذا انا محتجزة هنا؟ هل قمت بتغيير الغرفة؟ هل هذه لعبة جديدة؟
-انتِ في المستشفى، وهذه ليست لعبة، لا يلعب الدكتور مع مرضاه.
-لماذا تفعل هذا بي؟ ما الذي تقصده بمريضة؟! انا لست مريضة!!
-إذاً لا زلتِ مصرةً على عدم التعافي.
-ما الذي سأتعافى منه بحق الجحيم؟!!
-اخبريني إذاً ما اسمك؟
-طوكيو تشايكامون، الا تعرف اسمي بالفعل؟
-في أي عام نحن؟
-2022
نظر الي مطولاً ثم اكمل:
-هل تعلمين كم مضى على وجودك هنا؟
-لا اعلم، لقد استيقظت لأجد نفسي هنا فجأة.. لقد كنا معاً البارحة واليوم انت تهذي بكلام غير معقول! هل تراجعت عن الزواج بي؟ إن كان الامر كذلك اخبرني فقط!
تفاجئت بنظراته الباردة على غير العادة، يبدو مختلفاً جداً وكأنه شخصاً آخر..
-سيدة كولينز، أنتِ هنا منذ سنة ولا زلتِ تنكرين وجودكِ
هنا كل هذه المدة، أنت مصابة باضطراب الهوية التفارقي، كما تؤثر شخصيتك الاخرى سلباً بشكل كبير عليكِ وستصبح حالتكِ اخطر ما لم تفهمي وضعكِ بشكل جيد وتستجيبي للعلاج.. إن لم يكن من اجلكِ فمن اجل اطفالك، انهم بحاجة اليكِ طوكيو.
لم اغضب هذه المرة بل قلت بهدوء تام:
-هل انا متزوجة؟
-نحن في العام 2026، انتِ متزوجة منذ 4 سنين ولديكِ توأم لطيف جيكوب وآنا كما ان زوجكِ المحب يأتي لزيارتكِ كل يوم تقريباً لكنكِ تدعين أنكِ لا تعرفينه.
وإن ظننتِ أنني اكذب فتحققي من الدرج بجانبك.
تلاشت كل حياتي فجأة امام عيني.. كل ما عشته قبلاً لم يكن سوى كذبة.. تغيرت حياتي بأكملها بعدة دقائق وحتى ما ظننته ملاذي الآمن كان وهماً فقط!
ترتعش يداي بينما احاول فتح الدرج.. انا اخاف مما سأراه، هل انا حقاً متزوجة؟ بمن تزوجت؟ ولدي طفلين لا اعلم بشأنهما حتى؟
حملت الصورة لأرى، انها انا حقاً! لقد.. لقد تزوجت جون واصبح لدي طفلين منه!! تراكمت الاحداث فجأة في رأسي لأسقط ويغمى علي من الاجهاد الشديد..
فتحت عيني بعد مدة.. نظرت حولي فلم يتغير المكان، أملت لوهلة أن يكون كل هذا وهم لكنني كنت لا ازال محتجزة في ذلك المكان وحدي.. حتى فيغاس الطبيب اختفى.. بقيت انظر الى الصورة لا اصدق ما حدث، اختفت سنة كاملة من حياتي بلمح البصر وتحولت الى اوهام غير موجودة، بل ان 4 سنوات لا اذكر منها شيئاً كان اكثر ما يخيفني..
انطويت على نفسي في السرير وانتظرت قدومه مرة اخرى، اتى يحمل الطعام بعد قليل ليضعه امامي..
-لم تأكلي شيئاً منذ الصباح، عليكِ أن تأكلي طوكيو.
-لا اريد، لا اشعر بشهية للطعام.
دفعت الطعام بعيداً.
-عليكِ أن تأكلي وتصبحي اقوى من اجل طفليكِ.
-ليس لدي اطفال ولست متزوجة ايضاً.
-إذاً عليكِ أن تأكلي من أجلي.
دفع الطعام نحوي فأكلت من اجله فقط.. يمكنني تحمل الامر إن كان بجانبي، حتى ان كان لقائي به منذ عام وهم فلا بأس ان التقيه هنا مجدداً.
-انا أأكل من اجلك فقط، كما أنني إن تحسنت فسيكون من اجلك ايضاً.
-لماذا تفعلين كل هذا من أجلي؟
نظر الي كما نظر الي قبلاً حين سألني نفس السؤال..
-لأنني احبك. يمكنني ان افعل اي شيء من اجلك فيغاس.
-لكنكِ متزوجة، زوجك يدعى جوناثان كولينز.
-لقد تركته من اجلك قبلاً على اية حال، لا يهم إن تركته مرة اخرى.
-عدنا الى هذا الحديث مرة اخرى!
-إن كنت تريدني ان اتحسن واعود الى حياتي السابقة فأعدك بأنني سأفعل، وفي المقابل ابق معي لمرة واحدة.
يوم واحد فقط وأعدك أنني سأعود بعدها الى المنزل ولن اثير اي مشكلة وسأتذكر كل شيء ايضاً.
-طوكيو! أنتِ مريضتي!
-بالضبط! وظيفتك هي جعلي اتحسن لذا إن لم توافق فسأثير المشاكل ولن اعود بل وسأرمي نفسي من النافذة
-هل ستعودين الى منزلك حقاً؟
-لم أخلف بأي وعد قطعته لك من قبل.
-حسناً. يوم واحد فقط.
اخذ نفساً عميقاً ثم قال:
-حسناً. يوم واحد فقط.
"سأكون معه ولو ليوم واحد فقط"
وإن كانت سنة غير حقيقية لا يهم فلقد عشتها معه بكل تفصيل.. سأكون معه لآخر لحظة ممكنة ثم سأموت بعدها كما كنت في السابق غير مدركة لمعنى الحياة سوى على يديه...
-إذاً ماذا تريدين ان تفعلي؟
عقد يديه ونظر نحوي..
-نخرج معاً في موعد؟ أو ربما.. نشاهد فيلماً مع الفشار والمشروبات هنا.
-كما تريدين، لنذهب الى الحديقة فهي الوحيدة المزودة بتلفاز كبير.
احضرنا الفشار والمشروبات وجلسنا لنشاهد me before you.. ذلك الفيلم الذي شاهدته خمس مرات بالفعل ولا ازال اشاهده كأول مرة لكن هذه المرة ستكون مختلفة، هذه النسخة ستكون الاكثر ايلاماً، سأودع فيها فيغاس لآخر مرة كما ستودع هي ويل...
كان فيغاس غارقاً يشاهد الفيلم بينما سرحت في مكان اخر كلياً حتى التفت الي فجأة وقال:
-من المفترض ان تشاهدي الفيلم لا ان تشاهديني.
-لأنها المرة الاخيرة التي سأراك فيها، خلال ساعات سأعيش كالميتة مرة اخرى ولن اراك او اسمع صوتك مجدداً، لن ارمي بنفسي من اجلك من فوق البناية، ولن المسك او اقبلك مرة اخرى..
نظر الي مطولاً وسأل:
-لماذا تحبيني الى هذه الدرجة؟
-لا يحتاج الحب لسبب.
اقتربت منه وقبلته للمرة الاخيرة.. كان ذلك وداعنا...
عدت الى المنزل في صباح اليوم التالي، رأيت منزلاً غريباً لا يمت لي بصلة، وطفلان ركضا الى حضني لم اتعرف عليهما، وشخص عانقني بقوة حين دخلت لكنني لم ابادله العناق، بل قبلت شخصاً اخر قبلها بيوم..
نظرت حولي وحاولت استنكار الامر لكن كل تفصيل في ذلك المنزل يشبهني، اللون الرمادي الممزوج بالابيض، واللمسات الوردية في المكان، الزهور بل والكتابات التي تملأ ارجاء المكان.. ذلك النوع من الاثاث الذي لا يظنه احداً انيقاً سواي...
نظر جون الي والدموع تملأ عينيه:
-لقد عدتِ اخيراً.
-انا اسفة.
ذلك كل ما استطعت قوله..اسفة..
صعدت الى غرفة الاطفال لأرى كم كنت اماً سيئة لتترك اطفالها هكذا كل هذه المدة.. عانقتهم برغم انني لا اتذكر حتى اسمائهم، لكنني على الاقل قرأت لهم قصة قبل ان انام من التعب دون ان ادري...