هل تساءلت يوما عن أكثر مناطق العالم عزلة؟!.. ربما لن تجد الإجابة بسهولة.. ففي عصر العولمة وتوفر وسائل المواصلات بكل أنواعها.. بات السفر متاحا لكل مكان تقريبا على كوكب الأرض.. حتى القارة القطبية نفسها.. لكن.. هناك بقعة منعزلة تماما بالفعل.. بل وتعتبر أكثر مناطق العالم عزلة دون منازع.. والوصول إليها ليس سهلا أبدا!!.
نتحدث هنا عن جزيرة (تريستان دا كونا) (Tristan da Cunha) التي تقع في جنوب المحيط الأطلسي وتبلغ مساحتها تقريبا 98 كم مربع وعدد سكانها أقل من 300 شخص فقط.. يعمل معظمهم في الزراعة وصيد السمك!!.. وحتى تعرف مدى عزلة هذه الجزيرة الصغيرة عن العالم.. لك أن تعلم أن أقرب يابسة لها هي جزيرة (سانت هيلانة) (Saint Helena) التي تبعد عنها بمسافة 2000 كيلو متر.. أما أقرب دولة لها فهي (جنوب أفريقيا) وتبعد عنها مسافة 2400 كيلو متر.
لقد تم اكتشاف الجزيرة عام 1506م من قبل المستكشف البرتغالي (تريستاو دا كونا) (Tristão da Cunha) حيث قام بإطلاق اسمه عليها.. لتظل منسية تماما منذ ذلك الحين وحتى عام 1816 حين قامت بريطانيا باستعمارها.. فأصبحت الجزيرة بريطانية الجنسية حتى يومنا هذا.. لكنها ظلت مهملة لسنوات طويلة.. إلى أن قامت الحكومة البريطانية في عام 2005 باستحداث رمز بريدي للجزيرة ليسهل على الأهالي طلب البضائع والمراسلات والاتصال بالعالم.
وفي عام 2008.. حدث التحول الأكبر.. حين قامت الحكومة البريطانية بإيصال التيار الكهربائي رسميا للجزيرة.. بعد أن ظل الأهالي لسنوات طويلة يعانون الأمرين معتمدين على مولدات الكهرباء التي تتسبب دوما بمشكلة انقطاع التيار في فترات متقاربة قد تصل إلى عدة مرات في اليوم الواحد.
أما بالنسبة للاتصالات الهاتفية الدولية.. فإن الجزيرة تحمل نفس رقم الاتصال الدولي البريطاني .. إذ يتم تحويل أي اتصال إلى شركات الهواتف في بريطانيا.. ومن ثم يتم تحويلها إلى الجهة المراد الاتصال بها في أي مكان في العالم.. والعكس صحيح.. وبالطبع لا تتوفر هناك خدمة الهواتف النقالة.
أما بخصوص الحياة في الجزيرة.. فتعتبر اللغة الإنجليزية لغتها الرسمية.. وهناك نظام حكم يعتمد على انتخابات تجري كل 3 سنوات يتم خلالها انتخاب مجلس يتكون من 3 أشخاص يديرون شؤون الجزيرة.. كما توجد مدرسة واحدة بسيطة الإمكانيات تحوي 5 فصول.. وتستقبل الأطفال من سن الخامسة إلى مرحلة الثانوية.. وتحوي الجزيرة أيضا عيادة طبية صغيرة يدير شؤونها الطبيب الوحيد هناك.
والواقع أن زيارة الجزيرة لا تتطلب استخراج أي تأشيرات.. فقط عليك مخاطبة حكومتها عبر بريدها الإلكتروني الرسمي enquiriestdc1@gmail.com ليتم تسليمك تأشيرة دخولك حال وصولك.. لكن المشكلة تكمن في الرحلة التي ستكون شاقة بالفعل وتتطلب بعض التخطيط .. إذ تبدأ من الطيران من بلدك إلى (جنوب أفريقيا) في رحلة تستغرق بضع ساعات.. ثم عليك أن تأخذ سفينة لتصل إلى الجزيرة في رحلة بحرية تستغرق 6 أيام تقريبا!!.. نعم.. فلا يوجد هناك مطار.. وهذا ما جعل الجزيرة أكثر مناطق العالم عزلة.
وبخصوص التنقل داخل الجزيرة.. فهناك طريق واحد مسفلت.. ويستخدم للحافلة التي تذهب بالسكان إلى وجهتهم أثناء تنقلاتهم اليومية.. وهي الحافلة الوحيدة المتاحة.. ولا توجد هناك أي سيارات أخرى.. فالأسلوب الأمثل للتنقل هو المشي أو بالدراجة لصغر مساحة الجزيرة.
وتحتوي الجزيرة على مقهى واحد فقط يقدم الوجبات الساخنة والباردة.. مع خدمة الانترنت التي تقدّم للأهالي بقدرات محدودة جدا لا تتجاوز إرسال البريد الإلكتروني مع بعض الخدمات البسيطة الأخرى كزيارة مواقع التواصل الاجتماعي.. وبالطبع لا توجد هناك قناة تلفزيونية.. بل محطة إذاعية أنشأها بعض الأهالي وتبث برامجها بأوقات محدودة بين الحين والآخر وليس بصورة دورية.
ولم ينس أهالي الجزيرة الجانب السياحي رغم قلة السائحين الذين يزورونها سنويا.. إذ يقوم مكتبها السياحي الصغير بتنظيم رحلات صيد السمك.. أو تسلق الجبل البركاني الذي ثار لآخر مرة عام 1962.. أو حتى لأخذك في رحلة سياحية قصيرة للسير في كل أنحاء الجزيرة.. وهناك أيضا لعبة (الجولف) التي تم تخصيص ملعبا لها.. كما توجد بعض المنازل التي قام أصحابها بتحويلها إلى فنادق صغيرة تقدم للزائر غرفة بوجباتها الثلاث.. ويقال أن من يزور الجزيرة سيتملكه شعور رائع بالطمأنينة.. خاصة مع منظر النجوم ليلا والذي يعتبر لمن يشاهدها من هناك مبهرا بكل المقاييس!!!.
هذا كل ما قد نرغب بمعرفته عن تلك الجزيرة التي تعتبر -رسميا- أكثر مناطق العالم عزلة دون منازع.. وربما أكثرها أمنا أيضا!!.. نعم.. إذ لا يوجد هناك جهاز شرطة رسمي لانعدام الجرائم.. ربما بسبب قلة عدد سكانها والحياة البسيطة التي يعيشها الأهالي والروابط الاجتماعية التي تجمعهم.
وتجدر الإشارة أن من القوانين الصارمة التي أقرتها حكومة الجزيرة.. عدم السماح لأي أجنبي بتمّلك أرض هناك.. حفاظا من الأهالي على تراثهم وعلى تركيبتهم السكانية البسيطة.
كما ترون.. مكان قد يبدو حميما للغاية للكثيرين ويستحق الزيارة بالفعل.. بعيدا عن زحمة الحياة والانفجار السكاني والتلوث الذي وصل إلى كل بقعة من كوكب الأرض.. لكن.. بقيت تلك الجزيرة وحدها صامدة أمام كل التغيرات التي شهدها العالم.. بسبب عزلتها.. وصعوبة السفر إليها.
أنت تقرأ
وراء الباب المغلق
Contoعزيزي القارئ .. كانت فرحة إصداري الأول لا توصف عام 1999.. بل ولم أكن أصدق نفسي وأنا أحمله بين يدي وأتصفحه عالما أنه بمثابة الحلم الذي تحول إلى واقع .. وآملا أن يكون إضافة للمكتبة العربية كونه يتناول بعض المواضيع العلمية والتاريخية والثقافية الغريبة...