2- غموض

73 8 0
                                    

رواية #هومكا
#الفصل_الثاني
"غموض"

كادت الفتاة أن تصرخ رُعبًا مما شاهدته لكنها قبل أن تفعل ذلك أتى من خلفها ووضع يده اليمنى على فمها وقيد يديها من الخلف بيده اليسرى وسحبها بعيدًا عن ذلك المبنى بحذر حتى يتفادى أن يراه أيًا من العمال أو الحراس الذين كانوا يظهرون بين الفينة والأخرى لكنه كان يختبئ منهم بسرعة وخفة؛ فهو يعلم كل شبر في هذا المكان جيدًا. نجح أخيرًا في الخروج بها من باب المصنع وأخذها لمكان بعيد عن الأنظار خلف شجرة نائية في حديقة القصر بجوار أحد جدران السور الخارجي. كادت هي تموت رعبًا طُوال هذه المدة، وعقلها به ألف سؤال وألف تخيل عما يمكن أن يفعله بها هذا الغريب الذي لا تعرف من يكون؛ هل هو من قريتها وأراد إنقاذها؟ أم هو من رجال صاحب القصر وسيقوم بتسليمها له؟ أو ربما يقتلها، أو قد يفعل بها شيئًا مُشينًا! عندما انتهى بها عند ذلك المكان الآمن أزاح يده عن فمها وفَكَّ قيد يديها وقال لها بصوت هامس: لا تصرخي وإلا تسببتِ بقتلنا.

التفتت إليه وهي تقول بصوت منخفض: من أنت؟ وماذا تريد مِني؟

نظر لها وقال بحدة: أعتقد أن من يجب أن يسأل هذا السؤال هو أنا لا أنتِ، لماذا كنتِ تتجسسين؟ لِمَ دخلتِ هذا المكان من الأساس وكيف؟

كادت أن تُجيبه على سؤاله لكنها بادلته سؤالًا بسؤال وقالت: من أنت؟ ولماذا أنقذتني؟

لاحت على وجهه بوادر الغضب وقال لها وهو يَضغط على أسنانه: أيتها البلهاء! لا تُجيبي سؤالي بسؤال، لقد أنقذتك من موت محقق؛ فالأمر خطير، وهؤلاء أخطر، ولو علموا بما فعلتِ سيقتلونك على الفور دون تردد أو شفقة، هيا اذهبي من هنا سريعًا والحقي بأهلك، وعندما تخرجين من هنا لا تفكري بالعودة مطلقًا ولا تخبري أحدًا بما رأيتِ ولا حتى تتحدثي في الأمر بينك وبين نفسك وإلا وقتها سأكون أنا أول من يقضي عليكِ.

كانت تقف فاغرة فاهها كالبلهاء وتكاد عيناها تخرجان من محجريهما من الدهشة؛ فهي لم تستوعب ما قاله رغم أنها أذكى فتيات القرية والأولى دائمًا في كل مراحل تعليمها الذي أنهته نهائيًا منذ أيام. بلاهتها زادت من غضبه فصاح بها: هيا يا حمقاء! نفذي ما قُلته.

أفزعها غضبه فهربت مسرعة من أمامه وهي تهرول حتى استقرت إلى حيث تقف الأمهات مع أطفالهن أمام باب القصر فصرخت عندما رأت ما حدث لهم فانتبهوا لصراخها وسألتها النسوة عن سبب صراخها بهذا الشكل فقالت لهن: انظرن لأبنائكن! ما الذي حَوَلَهُمْ لهذا الشكل؟!

نظرن جميعهن في وَجَلٍ وما إن رأين أبناءهن حتى صرخن جميعًا وصرخ الأطفال عندما رأوا بعضهم البعض، فانتبه جميع من بالاحتفال لصراخهم وأقدموا عليهم، وعندما رأوا الأطفال صاحوا بنسائهن: ماذا حدث للأولاد؟

أجابتهم النسوة: لا نعلم! فجأة أصبحوا هكذا!!

كان يقف بين الرجال صاحب القصر فتكلم محاولًا تهدئة الموقف حتى لا يُكْشَفَ أمره: اهدأوا ولا تقلقوا، ربما هي طفرة أو ربما فيروس ما، سأجلب لكم أمهر الأطباء من القاهرة ليتحروا الأمر ويفحصوا أبناءكم جيدًا، ولكن الآن عودوا لبيوتكم، اهدأوا حتى لا يصاب الأطفال بصدمة عصبية ريثما أُجهز مكانًا لاستقبال الأطباء.

استجاب الجميع لطلبه وأخذ كل رجل أسرته وعاد لبيته، لكن عندما وصلوا لبيوتهم وأرادت إحدى النساء الدخول من باب منزلها لم تستطع؛ فقد اصطدم رأسها بنهاية الباب من الأعلى فصرخت وتتابعت الصرخات من كل البيوت وتلاها نحيبهن؛ فقد استطالت قامتهن هن أيضًا! ليس هذا فحسب بل زاد عرضهن فلم يستطعن الدخول من الأبواب وحاولن بكل الطرق ولم ينجحن. لم يعرف الرجال ماذا يفعلون في هذا التغير المرعب لنسائهم وأطفالهم؛ فقد أصيبوا جميعًا بنفس العدوى ما عدا الفتيات والشبان وآبائهم الرجال مما زاد دهشتهم! لِمَ حدث ذلك لبعضهم فقط؟ ترك كل منهم امرأته وأطفالها في الخارج عندما هاتفهم عمدة البلدة وطلب منهم أن يجتمع لديه في بيته كل من لم يُصَبْ بهذه العدوى، فذهبوا إليه.
عندما اجتمعوا عند العمدة قال لهم: إن النساء لا يستطعن دخول البيوت بسبب تعملق أجسادهن؛ لذلك أتيت بكم إلى هنا لأخبركم بما عزمت عليه.

سألوه جميعًا في آن واحد: ما هو؟

فقال: سيذهب المؤذن إلى المسجد الكبير ويُنادي في المكبر أن على جميع النساء الذهاب للمسجد للإقامة به ريثما يتم علاجهن فبابه ضخم ويستطعن الدُلوف منه، عندما يستقرون بالمسجد سنغلقه عليهن ونمنعهن من الخروج حتى يأتي الأطباء، وليأخذن الأطفال معهن أيضًا فأنا أخشى أن تكون عدوى وتصيبنا جميعًا. لقد بعثت الخفر بكمية كبيرة من الأطعمة إلى المسجد قبل أن يدخلوه، والآن من يوافق يرفع يده.

رفع الجميع أيديهم، فأمر العمدة المؤذن بالذهاب وأن يغلق المسجد فور دخول الجميع له، فذهب مسرعًا وعندما سمعت النسوة النداء اسْتَجَبْنَ له وأخذن أطفالهن وذهبوا، وفور أن أُغلق باب المسجد احتضنت كل منهن طفلها وأخذوا يبكون في صمت وهم يبتهلون إلى الله أن ينقذهم مما أصابهم فهو وحده القادر على ذلك.

عاد الأهالي إلى منازلهم وقد اعتلى الهم وجوههم، وملأ الأسى قلوبهم لفراق أحبابهم وحزنًا على ما أصابهم، ولكن قلوبهم تأمل بالله خيرًا وترجوه أن يشفيهم.

عادت الفتاة لبيتها يملؤها الأسى لفراق أمها وأخيها الصغير، كانت دموعها غزيرة؛ فقد أصبحت وحيدة، فهي يتيمة الأب والآن ستكون وحدها في البيت دون أن تجد من يواسيها في كُربتها. ظلت طوال الليل متيقظة تفكر وتربط الخيوط ببعضها محاولة استنتاج السبب وراء ما حدث حتى غلبها النوم.
قُبيل الفجر بنحو الساعة نهضت من نومها مفزوعة بعدما سمعت صوتًا خفيضًا يناديها وهو يهزها من كتفها طالبًا منها أن تستيقظ، كادت أن تصرخ وهي تفتح عينيها لكنها لم تفعل، بل قالت بدهشة: أنت! كيف دخلت إلى هنا؟ بل كيف عرفت أن هذا بيتي؟!

يُتبع إن شاء الله....
#سلسلة_المحققان_تقية_وسليمان
#العدد_الأول
#هومكا
#هبةالله_رزق_عيسى

هومكاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن