١

2.7K 34 72
                                    

في أحد أحياء القاهره الراقيه وبداخل ذاك المنزل الضخم، كانت تصطف المقاعد في حديقه المنزل بينما هناك قرآن يقرأ ورجال جالسون ينصتون للقرآن بهدوء بينما هناك رجال يقدمون القهوه للجالسين، على باب الحديقه الخارجي كان يقف رجل كبير في العمر في أواخر الخمسينات بينما يقف بجواره شباب بأعمار مختلفه في سن الشباب والمراهقه يرحبون بالقادمون يأدون واجب العزاء

اما بداخل المنزل فقد كانت النساء تتوشح السواد والبكاء والنحيب يملأ الأرجاء، وفي وسط كل هذه الهوسه كانت تقف هي، تلك الفتاه الصغيره التي لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، كانت تقف بشعر هائش وثوب يملأه الغبار وتمسك بين يديها بلعبتها العروسه الصغيره، كانت تحتضن لعبتها وتبكي قليلاً وقليلاً أخرى تنظر حولها بتوهان لا تعلم ما الذي يحدث، تقدمت منها أمرأه في الثلاثينات من عمرها لتمسكها وترفعها وتحتضنها وهي تبكي وتقبلها

أم إبراهيم ببكاء:
كان الله في عونك يا صغيره، مره واحده فقدتي أمكي وأباكي، ااااااه يا حسره قلبكي عليهم

تتقدم منها إمرأه أخرى لتوبخها وتأخذ منها الطفله وتطبطب عليها وهي تأخذها للحمامات لتنظفها وترتبها لتظهر معالم جمال الصغيره، كانت جميله بشره بيضاء وأعين عسليه وشعر أسود وبها طول قليلاً، أعطتها المرأه رغيف خبز وبداخله بعض الجبن وأجلستها في المطبخ لتأكل بهدوء بعيداً عن دوشه العزاء

بينما هي تأكل دلف أحد الشباب الذين كانوا على الباب في الخارج لينظر لها وتدمع عينيه بهدوء، ينظر خلفه ويتنهد ليعود وينظر لها ويبتسم بهدوء ويقترب منها وزرقاوتاه تنظران لها بحزن وقهر، كان ذو بشره بيضاء شاحبه وشعر أشقر وأعين زرقاء بلون البحر وجسد نحيف وطويل، كان في عمر المراهقه يبدوا عليه في الخامسه عشر من عمره

بصوت فخم وثخين وهادئ وهو يلعب في خصلات شعرها :
كيف حالكي يا صغيره

تبتسم بطفوله لتمسك يده:
أين كنت يا ثاهين ولما كل النساء هنا يبكون، وأين أبي وأمي لما ليثوا هنا

شاهين يبتسم بألم ويحملها ويقبل وجنتيها:
متى سيتعدل هذا لسانكي يا أموله ها، أسمى شاااهين ش ش شاهين لا تخطئي به حتى لا أغضب منكي ها

تضحك أمل بضحكات صاخبه وشاهين يعض وجنتيها ويدغدغها بينما هي تحاول إبعاد يده، في تلك الأثناء تدلف أم إبراهيم للمطبخ بينما يدلف شاب آخر أكبر من الخارج

أم إبراهيم بغضب:
ما هذا الضحك فلتستحي على دمك يا شاهين لدينا عزاء هنا وأنت واقف تضحك مع تلك المزغوده

الشاب الثاني بحده وخفوت:
أصواتكم أخفضوا أصواتكم العالم في الخارج ينظرون نحو المنزل على صوت الضحك وكأننا في ملهي ليلى وليس عزاء عمنا

شاهين بحده ينظر للشاب:
ما بك يا إبراهيم لم نفعل شئ لكل هذا الغضب ثم نحن أهل الميت نبكي وقتما نشاء ونضحك وقتما نشاء ولا دخل لنا بأحد

إبراهيم ينظر لأمه بغضب:
خذيها للداخل مع النساء يا أماه ويكفينا فضائح حتى الآن (ينظر لأخيه) وأنت أخرج وأجلس مع الرجال وأترك جلسات الحريم تلك

شاهين يرفع حاجب:
لمعلوماتك كله عام بيننا أي ليس لك أن تأمر وتتحكم بي

إبراهيم وهو يخرج من البيت:
أوامر الوالد، تجرأ أن تعصيها

يزفر شاهين بضيق ليترك الفتاه أرضاً ويخرج من المنزل بخطوات غاضبه، تمسك أم إبراهيم بأمل وهي تجرها معها وتسبها كونها السبب في شجار أبنائها

أنتهت أيام العزاء ليجلس كبيرهم على الأريكه ويشير لهم ليجلسوا جميعاً

أبو إبراهيم بحزن:
إسمعوني جيداً، لقد فقدت سندي في الحياه وقد كسر ظهري فراقه والله، فقدته وترك لي إبنته وإمتداد ذكره في الحياه، لذا يا أبنائي أوصيكم بهذه اليتيمه خيراً فهي من رائحه الغالي، الفتاه ستحيا بيننا أختكم الصغيره، لم يرزقني الله بفتيات ورزقني بها فأحسنوا لها وعاملوها بالحسنى، وأنتي يا أم إبراهيم أعتبريها أنيستكي في المنزل وعلميها وكأنكي أمها، لا أريد أن يعاتبني أخي حين أقابله

الجميع بصوت واحد:
أطال الله لنا في عمرك

أبو إبراهيم ينظر لأبناءه:
إبراهيم أنت ستستمر معي في المحل كما أنت وأنت يا شاهين ستستلم محل عمك لتديره وسيكون لك راتب من وراءه، وبقيه إخوانكم سيعملون تحت إمرتكم

يومأ إبراهيم وشاهين ليتنهد أبو إبراهيم برضي

أبو إبراهيم يقف بتعب:
حسناً إنصرفوا لأعمالكم وبارك الله فيكم

يتحرك دالف لغرفته بينما يقف شاهين ويتوجه لغرفته لتجلس أم إبراهيم بجوار إبنها

أم إبراهيم بخفوت:
ما الذي ينويه أباك يا إبراهيم، هل ينوي تشغيل محل عمك حتى تكبر المزغوده وتأخذ كل شئ على الجاهز

إبراهيم يبتسم بجانبيه:
لا تستبقي الأمور يا أم إبراهيم ولا تستهيني بأبنائكي، أنا ذاهب لأرتاح قليلاً

يقف إبراهيم ويتحرك لغرفته لتجلس هي مفكره وحولها يلهو صغارها

الحاج حجاج هو تاجر أقمشه كبير ومعروف في السوق لديه ثمانيه أبناء وكلهم ذكور وبأعمار مختلفه، إبراهيم الكبير في السابعه عشر يليه شاهين في السادسه عشر ثم جمال في الثالثه عشر يليه على في العاشره فحسين في الثامنه فمحمد في الخامسه يليه ياسر في الثالثه ثم آخر العنقود إسماعيل رضيع لم يكمل العام

الحاج حجاج لم يكن يملك سوي أخ واحد وهو توفيق وقد وافته المنيه في حادث سياره هو وزوجته ونجت أبنتهم أمل بأعجوبه، أمل في الثالثه من عمرها وكان والدها يمتلك محلاً كبيراً للعطور ومعروف في السوق بتركيباته وعطوره التي لا مثيل لها في بقيه المحلات وقد كان شاهين إبن حجاج يساعده ويعمل تحت إمرته لحبه في مجال العطور عن الأقمشة وهو ما جعل والده يوكل له إداره المحل بعد وفاة عمه بينما إبراهيم كان يعمل تحت إمره والده في الأقمشة

شاهين وإبراهيم لم يكملا تعليمهم بل إكتفوا بالشهاده الإبتدائيه وأنخرطا في سوق العمل مع أباهم وعمهم بينما البقيه أكملوا تعليم كل حسب عمره ولكنهم في النهايه مرجعهم لمحل والدهم كما هو المتعارف عليه في عالم التجاره

أنتهى العزاء وباشر الجميع أعمالهم وعادوا لحياتهم الطبيعيه سوي تلك الطفله الصغيره التي بدأت حياه جديده في هذا المنزل بعد حياه العز والدلال تجهل تماماً ما يخبأه لها المستقبل

********

العائلهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن