"لم تأتِ. قُلْـتُ: ولنْ...إذاً
سـأعيـد ترتيـب المـساء بما يلـيق بـخيـبتـي
وغيـابهـا:
أطفـأتُ نار شمـوعهـا،
أشعـلتُ نور الكـهرباء ،
شربتُ كأس نبـيذها وكسـرتُهُ،
أَبدلتُ موسيـقا الكـمنـجات السَّـريعةِ
بـالأغاني الفـارسيّـة.
قلـت: لن تأتي. سأنضـو رَبْطَـةَ
العـنق الأنيـقة [هكـذا أرتاح أكثر]
أرتدي بيـجامة زرقاء. أمشـي حافيـاً
لو شئـتُ. أجلـس بارتخـاءِ القُـرْفُصـاءِ
على أريكـتها، فـأنسـاها
وأنسـى كل أشيـاء الغـياب/
أعَدْتُ ما أعددتُ من أدوات حفـلتـنا
إلى أدراجها. وفتـحتُ كُلّ نوافذي وستـائري.
لا سرّ في جسـدي أمام الليل إلاّ
ما انتـظرتُ وما خسـرتُ...
سخـرتُ من هَوَسي بـتنـظيـف الهـواء لأجلـها
[عطـرته برذاذ ماء الورد واللـيمـون]
لن تأتي... سـأنقـل نَبْـتَةَ الأوركيـدِ
من جهـة اليـميـن إلى اليـسار لكـي أعاقبـها
علـى نسـيانهـا...
غَطّـيتُ مرآة الجـدار بِـمعـطفٍ كي لا أَرى
إشعـاع صورتهـا... فأندم/
قلـتُ: أنسـى ما اقتَـبَسْـتُ لهـا
من الغَـزَل القـديم، لأنّهـا لا تسـتحـقُّ
قصـيدةً حتـى ولو مسـروقةً...
ونسـيتُـها، وأكلـتُ وجبـتي السّـريعـةَ واقفـاً
وقرأتُ فصـلاً من كتـابٍ مدرسيّ
عن كواكبـنا البـعيـدةْ
وكتـبت، كي أنسـى إساءتهـا، قصـيدة
هذي القـصيـدةْ!"#محمود درويش