واحِد وَعشـرون

52 1 1
                                    

"كأنّ ذرات الهـواء حولنـا أحجـارٌ كبـار، نتـمنـى لو كانت أجسـادنا ماء كلـها فـنقـدر علـى بعـض الحـراك في هذا الرُّكام الطّافي حولنـا.
كلّـنا معـلَّقـون فلا أقدامنـا علـى الأرض ولا في أيدينـا مَمـسَك.
بل إن السَّـهم الَّذي شبَّـه أبو الطَّيِّـب نَفـسه به:
«وما أنا غيـر سهـم في هواء/يعـودُ ولم يجـد فيه امتساكا»
أفضـل منّـا حالاً، فـهو في هواء ونحـن في أحجـار، وهو يعـود ونحـن لا ندري كيـف نعـود ولا كيـف نمـضي.

يسـمع المـاشي منّـا صلـيل سلاسل طوال في يديه وفي كعـبيـه وفي عنقه، يسـمعـها وهو يذرع غرفتـه جيـئة وذهاباً بلا معـنى، ويسـمعـها في طريقـه إلى دكان البـقَّال يشـتري لأهلـه ما طلـبوا، ويسـمعـها وهو يحـاول النَّـوم.

اللّـيل أثقـل، كأنَّ سواده من نبـاح تكـثَّف حتَّـى تجـمَّد وصار لونا، الصَّـباح سيِّـئ، ينـبِّهُـكَ من نومك، نومك المَـهرب الوحيـد، موت مؤقت، إجازة قصـيرة من حيـاة تقـلُّ فيـها مسـاحة حريَّتـك الصَّـغيـرة كـدمعـة في مقـلاة.

نحـن كالنَّـاجيـن من غرق سفـينـة إلى قارب في عرض المُـحيـط، السَّـعيـد من غرق، والنَّـبيـل الحَـكيـم من رمى نفـسه من القـارب قبـل أن يأكلـه الرِّفاق أو يأكلـهم، نبـيل لأنَّه كرَّم نفـسه عن هاتيـن الدَّناءتيـن وحكـيم لأنّه أدرك أنه، حتـى إذا سمـح لـنفـسه أن يتـحوَّل وحشـاً أو فريسـة، فإنَّ ساحلاً لن يلـوح لأحد، ومن يشـبع من افتـراس إخوته اليـوم، سـيمـوت من الجـوع غداً."

#تميم

ثُمَّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن