فيلم اخرجه شيطان

69 5 0
                                    

فيلم أخرجه شيطان

1684 بعد الميلاد – 1800 بعد الميلاد.

في ظلمة هذا الليل البهيم البارد.. سكتت كل الأصوات في أذنك ولم تعد تسمع سوى صوت فحيحي واهتزاز لساني المشقوق في الهواء.. وييدو أن فحيحي قد تركك في حالة من الخدر المندهش مما سمعته من أمري.. لكني اليوم قد أعددت لك قبسات من الأسرار قد لا يقدر عقلك البشري المحدود على استيعابها كلها.. سأجهز لك أطيب شراب دافيء تحب.. وسألتف حول رقبتك لأدفئها.. وسأريك في هذه الليلة عجبًا.. ولأنك إنسان حديث فسأتعامل معك بأساليبك الحديثة هذه المرة.. لقد جهزت لك فيلمًا وثائقيًّا شيطانيًّا لن تراه في أي مكان إلا في مكتبتي.. مكتبة الثعبان.. استرخ يا صديقي على هذا المقعد.. وانظر إلى تلك الشاشة الحديثة أمامك.. واستمع إليَّ جيدًا.. فسأحكي لك كمالة قصتي.. بأسلوبك العصري الذي تألفه.

بدأت الشاشة عملها وبدأت تعرض لك مشهدًا مهيبًا.. أناس مجتمعون في أحد الشوارع.. عرفتَ من نظرتك إلى ملابسهم أنهم في زمن قديم ما.. دعني أوفّر عليك مشقة الظن.. هؤلاء شعب إنجلترا.. هل ترى كيف يقفون في صمتٍ فلا تسمع حتى حركة أجسادهم.. إنهم ينتظرون الملك.. وبكلمة أكثر دقة.. هم ينتظرون إعدام الملك.. الملك "تشارلز".. إنهم يحبونه ويبدو أنه قد فُرِض عليهم حكم إعدام ملكهم هذا فرضًا.. وفجأة فُتِح باب خشبي.. وظهر على عتبته رجل.. يرتدي ملابس ملكية وقبعة ملكية.. وبدأ الرجل يمشي على جسرٍ خشبي ارتفاعه يحاذي رؤوس الناس.. إنهم ينظرون له بصمت مهيب.. بعضهم يبكون وبعضهم يئنون.. بعضهم يمد يده ليلمس قدم الملك وهو يمشي على الجسر.. وصل الملك إلى نهاية الجسر.. وهاهو ينظر إلى عتبة عليها قماش أبيض.. يقف بجوارها رجل قوي البنية يمسك ببلطة حادة.. لابد أنك فطنت ما هية هذه العتبة.. لقد كانت المكان الذي سيضع الملك عليه رأسه ليقطعها صاحب البلطة.

هذا الملك يتصرف بأنَفة عجيبة.. حقًّا هكذا يكون الملوك ملوكًا حتى في إعدامهم.. وهاهو يضع رأسه على العتبة.. ويقول بلهجة آمرة لحامل البلطة :

- انتظر إشارتي.

_179_


حقا يعجبني هؤلاء الملوك الذين يظلون ملوكًا حتى آخر ثانية في حياتهم.. وهاهو يعطي الإشارة للرجل.. وها هي البلطة تنزل على رأس الملك "تشارلز" لتقطعها.. ويضج الجمهور بالأنين والبكاء وتحدث جلبة.. يُسكتها رجل بزي قيادي يضع يده على دماء الملك ثم يرفع يده للجمهور ويقول :

- هل رأيتم؟ إن دماءه حمراء مثلنا وليست زرقاء.. ليس موفدًا من عند الله كما كان يقول.

وركزت الكاميرا على وجه ذلك الرجل قليلًا.. هذا الرجل يدعى "كرومويل".. وعلى طريقة أفلام هوليوود التي تحبها تموهت صورة "كرومويل" هذا لتظهر لك لقطة من الماضي.. لقطة لهذا الرجل وهو يكتب رسالة موجهة لجهة لا تعرف ما هي.. جاء في الرسالة "سوف أدافع عن قبول اليهود في إنجلترا مقابل المعونة المالية.. ولكن ذلك مستحيل طالما الملك تشارلز لازال حيًّا.. ولا يمكن إعدام تشارلز دون محاكمة".. ثم عرضت لك الشاشة لقطة أخرى لهذا الرجل وهو يتسلم خطاب الرد فيما يبدو.. وقد فتحه ليجد رسالة جاء فيها " سوف نقدم المعونة المالية حالما تتم إزالة تشارلز ويُقبل اليهود في انجلترا.. يجب أن تدبر طريقة تُهرِّب بها تشارلز ثم تقبض عليه.. وبهذا يكون هناك سبب مقنع للمحاكمة" والآن أخذتك الشاشة للقطة أخرى من الماضي.. إنه الملك "تشارلز" نفسه.. وهو يجلس على منصة خشبية تتوسط قاعة مليئة بالرجال ذوي الملابس الرسمية.. إنها محاكمة الملك "تشارلز".. إن "كرومويل" قد نفّذ ما أملته عليه الرسالة التي تلقاها.. ودبر هروب الملك "تشارلز" والقبض عليه والآن ها هو يحاكم.. قال له المتحدث :

انتخريوستسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن