تقلبت أندريا في نومها بقلق، إنها ترى نفس الحلم للمرة الثالثة، قدماها تسوقانها داخل متاهة غريبة، و رجل مجهول يتناول يدها و يهرب بها بعيدا... إلى فسحة من النور الغامر، ثم يغرقها بين ذراعيه في عناق ناعم. تعرق جسدها، و تململت في فراشها تلوي رأسها يمينا فيسارا، و استيقظت فجأة لتقفز جالسة على ركبتيها بأنفاس مقطوعة، كان شعورا غريبا أن تنساق بذلك الانصياع التام مع رجل لا تعرفه، بحثت في الغرفة عن أشياء مألوفة، تعودت عيناها التائهتان على حقيقة أنها ليست في تلك المتاهة، إنها في بيتها بأثينا، لكنها لا زالت ترتعش من طيف ذلك الغريب، و لم تجد صوتها بعد لتنادي الخادمة.أغرقتها موجة الحر التي راحت تلفها في سيول من العرق، نجحت أخيرا في بلوغ المنضدة الجانبية و لمس الجرس الموصول بغرفة الخادمة. انطلق رنين مكتوم في مكان ما من الطابق الأرضي، ليليه ارتطام أقدام مسرعة على الدرج و في الرواق. اقتحمت الغرفة بعد ذلك شابة سمراء قلقة الملامح قائلة بشحوب:
-آنسة هيل! هل هناك خطب؟
تأملت الخادمة أغنيس الغرفة و صاحبتها بحيرة، فلم تجد ما يثير القلق سوى سيدة شابة خائرة الجسد زائغة العينين تحاول تهدئة خفقات قلبها. دنت من سيدتها مخاطبة باهتمام:
-أنت لا تلمسين هذا الجرس إلا عند الضرورة!
تمالكت السيدة المذعورة نفسها، لم تجد القوة لتصف ما رأته في حلمها للخادمة، لكنها عثرت على صوت باهت يخرج من حلقها معلنا:
-لا شيء، أعتقد أنني رأيت كابوسا، عودي إلى النوم عزيزتي أغنيس، أنا آسفة!
ابتسمت أغنيس بلطف، و أقنعت سيدتها أن تفكر في أشياء تجذب نحوها أحلاما جميلة. أخذت هذه الأخيرة تراقب ظل الخادمة و هي تبتعد و تغلق الباب، ثم تكورت تحت لحافها مجددا تفكر بحزن أن الأحلام الجميلة لم تعد من نصيبها!
عانت أندريا من مطبات خلال الأشهر المنصرمة جعلت حياتها تعيسة، الشهرة التي تمتعت بها لسنوات كمغنية إنجليزية باتت على وشك التبخر، و شركة الإنتاج الموسيقية التي أنشأتها مع صديقها اليوناني أنتوني كوركيس فشلت و ها هي ذي تغلق أبوابها و تفلس، و لن يمضي وقت طويل قبل أن ترى بيتها و كل أغراضها تباع في المزاد العلني غصبا عنها!
رفعت مدينة أثينا الغافية وجهها نحو السماء طاردة سكون الليل، نفضت الشوارع نفسها من غبار الظلام، و استلقى كل شبر يوناني هناك تحت سطوة الشمس باستكانة! ألقت أندريا نظرة سريعة إلى ساعتها مدركة أن سُهد الليلة الماضية جعلها تتأخر ساعة كاملة عن موعد استفاقتها المعهود، لقد أفرطت في التفكير، و أجهدت عقلها بشكل جعلها تبدو شاحبة على الفطور أيضا. تأملتها أمها باستغراب و قالت بينما تتصفح جريدة أخبار اليوم:
-تبدين في حال مزرية عزيزتي!
-لم أنم جيدا.
كان ذلك ما تلفظت به أندريا ملتقطة فنجان قهوتها، فعلقت نايومي بشيء من التحذير:
أنت تقرأ
متَاهتُنا
Romanceأندريا المغنية الجميلة تقف فوق جسر على وشك الانهيار، زواج أمها المهدد بالدمار، و نجاحها الذي بات على المحك، على ضفة ينتظرها حل جذري لكل المشاكل في يد رجل يكرهها و يطلبها لتشاركه زواجا شكليا، و على الضفة الأخرى رجل آخر يمكن أن يحبها إلى الأبد و لا ي...