الفصل السادس: سر الفستان!

5.8K 456 27
                                    

   مضى على خطوبة أندريا و ألكسندروس أسبوعان، اعتبرهما الخطيب مناسبان و كافيان جدا، و حدد يوم الزفاف في السابع من يوليو، أي بعد يوم واحد، قدم لها بطاقات إئتمانه واضعا تحت تصرفها ثروة طائلة لتكون عروسا متألقة يوم الزفاف، أنزلها أمام سلسلة من محلات الفساتين الفاخرة و قال قبل أن يحرك السيارة الضخمة بعيدا:

   -سآتي لاصطحابك بعد ثلاث ساعات، انتقي ما تريدين و لا تهتمي للثمن.

   وقعت كلماته الباهتة عليها كأنصال السكاكين الحادة، و أحزنها أنه لن يشارك كأي زوج في اختيار فستان عروسه، ربما يصدق أن رؤية العريس للفستان قبل الزفاف تجلب الشؤم! أقنعت نفسها بتلك الفكرة و هي تقف لوهلة متأملة واجهة المحل الأول، كانت فساتينه ثقيلة و متكلفة، و انتقلت إلى المحل الثاني، فالثالث، ثم تجمدت فجأة أمام الرابع مندهشة، على الواجهة الزجاجية فستان أبيض بأكمام من الدانتيل، قبته واسعة مما قد يبرز جيدها المنحوت و عنقها الطويلة بشكل جميل، و طرحته طويلة منسدلة كشعاع أبيض، متفرعة في طيات خفيفة من التل الناعم! أطالت النظر إليه، أحبته بشدة و تمنت أن يكون فستان زفافها، لكن البائعة التي لم تتعرف عليها بسبب نظاراتها الداكنة خيبت أملها قائلة:

  -آسفة آنستي، الفستان محجوز منذ أسبوع لعرض أزياء غدا.

   يا لسوء الحظ! تركت أندريا المحل بوجه متكدر، التفتت متأملة الفستان للمرة الأخيرة قبل أن تبتعد نحو المحل التالي، جربت عدة قطع، و عرض الباعة أشكالا جميلة مبالغين في السعي لكسب رضاها خاصة و أنها المغنية المحبوبة ذات الصوت الدافئ الحساس، لكنها لم تستطع إخراج ذلك الفستان من تفكيرها، و انتهى بها الأمر تسحب إحدى بطاقات الإئتمان و تهم بالدفع لقاء اختيار عشوائي! إلا أن الهجوم الذي شنه ألكسندروس على المكان أوقفها في اللحظة المناسبة، سحبها خارج المحل متسائلا:

   -لِمَ لم تشترِ واحدا بعد؟ انقضت المهلة المحددة منذ زمن!

   -كنت سأفعل قبل أن تهجم كإسبرطي قادم من الحرب!

   ابتسم بمرح لذلك التشبيه، و لاحظ أنها شاحبة، فلمس جبينها مستفسرا باهتمام:

   -هل أنت مريضة؟

   -كلا!

   أجابت مزيحة يده، فعلق بسخرية:

   -تبدين كذلك!

   تحركت باضطراب متمتمة:

   -ينتابني الشعور بالمرض في كل جولة تسوق!
لم تكن تكذب أو تبالغ، لكن السبب الفعلي لشحوبها لامبالاة خطيبها القاسية! رفع حاجبيه و علق هازئا:

   -ظننت أن التسوق و تبديد النقود أحب نشاط لدى النساء!

   -ليس بالنسبة لي طبعا.

   تفرس فيها بنظرة غريبة، و فجأة ألغى فكرة التسوق من أساسها، و قادها نحو السيارة، فاحتجت بحيرة:

   -و لكن ماذا عن الفستان، زفافنا غدا و...

   -ستخلدين للراحة الآن، سيكون يوم غد ثقيلا على أعصابنا بما يكفي و لن نضيف إليه وعكة صحية!

   قاطعها بحزم و أمرها باتخاذ مكانها داخل السيارة دون أن يفتح لها الباب مضيفا:

   -سنترك أمر الفستان لمساعدي سانتوس، إنه في أثينا منذ أيام، كما أن له ذوقا رفيعا!

   كادت تنفجر حنقا، هذا ما ينقصها، أن يختار رجل غريب فستان زفافها! أوصلها إلى الفيلا فترجلت من السيارة بسرعة قبل أن توجه له كلاما قاسيا تجمع على لسانها دفعة واحدة، ركضت متجاهلة نظرات نايومي و فيليبا باتجاه غرفتها، أوصدت الباب لتضمن خصوصيتها و استدارت على عقبيها جاهزة للبكاء، لكن العلبة البيضاء الكبيرة التي لمحتها فوق سريرها سرقت اهتمامها، و طردت الرغبة في الانتحاب شر طردة.

   فكَّت أندريا الشريط الأحمر المعقود حول العلبة، و رفعت الغطاء، لتصطدم ببريق جعلها تطلق شهقة منبهرة، أخرجت الفستان من علبته ذاهلة! و هتفت غير مصدقة ما يحدث:

   -إنه الفستان نفسه الذي أطار اللبَّ من عقلي! و لكن... ألم يكن محجوزا منذ ساعات؟!

   لاحظت أن حذاءً أبيضا جميلا بكعب دقيق يرافقه، حذاء على مقاس قدميها الصغيرتين تماما! تدافعت الأسئلة إلى عقل أندريا، و كادت تجن، هل حل سانتوس مشكلة الفستان بهذه السرعة؟ أنى له أن يعرف عن هذا الفستان بالذات؟! و كيف يعرف بدقة مقاس جسدها و قدميها؟! ألكسندروس نفسه نسي الكثير عنها، و لن يهتم لملاحظة جسدها الناضج و تقدير مقاساتها! تعبت من البحث عن أجوبة، فرفعت الفستان إلى كتفيها و دارت به أمام المرآة كطفلة! سقطت فجأة بطاقة من ثناياه، التقطتها أندريا معيدة الفستان إلى علبته، و قرأت الكلمات المدونة على البطاقة الحمراء بدهشة: ”لو حُجِزَ العالم بأكمله سأشتريه من أجلك لأعيد لك ابتسامتك!“.

   فقدت القدرة على الحركة لبعض الوقت، قرأت تلك الجملة مرارا و تكرارا متأكدة أنه الرجل المجهول، لا ريب أنه يراقبها! هل هو مهووس بها إلى هذا الحد؟ ضربت باضطراب على الجرس، فحضرت أغنيس على الفور.

   -من وضع هذه العلبة هنا؟

   -أنا.

   -أعني من الذي جاء بها إلى الفيلا؟

   -لا أعرف!

   -ألستِ أنت من تفتحين الباب للجميع عزيزتي أغنيس؟

  هزت الخادمة رأسها موافقة، و أجابت:

   -بلى! لكن هذه المرة حين فتحت لم أجد سوى العلبة!

   -هذا... هذا لا يعقل!

   شعرت أندريا بحيرة مربكة، و ازداد تعبها حين اتصل ألكسندروس و سأل دون إلقاء تحية على الأقل:

   -هل وصلك الفستان الذي أرسله سانتوس؟

   -أجل!

   -عظيم! أراكِ غدا يا عروسي!

   أغلقت أندريا الخط مرتعشة، توتر الزفاف، و دوامة التساؤلات التي تنهش عقلها بلا هوادة، كل ذلك جعلها تمضي ليلة عصيبة، كيف؟ كيف أرسل سانتوس هذا الفستان بالذات؟ كيف عرف؟! ثم ما قصة البطاقة؟ لا يعقل أن سانتوس كتبها أيضا! إنه نفس خط ذلك المعجب الغامض الذي يلاحقها منذ أشهر!

نهاية الفصل السادس.

متَاهتُناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن