الفصل الخامس عشر: لطالما أخبرني الفنجان!

7.9K 553 61
                                    

   وسط طرقات متشابهة، و جدران شاحبة، ضاعت أندريا، و لم يظهر منقذها، فتحت فمها عاجزة عن إيجاد صوتها، مدت يديها داخل تلك المتاهة الضبابية كعمياء، و انتفضت على حين غرة عائدة إلى الواقع، شهقت رافعة جسدها المتعرق، فاستوى ألكسندروس جالسا و أمسك وجهها متسائلا:

   -هل راودك كابوس؟

   أحست بالجفاف في حلقها، فاكتفت بهز رأسها إيجابا، رتب خصلات شعرها المبللة بالعرق، و شجعها مدركا أنها لم تتخلص تماما من رعب أمس:

   -أنا معك، لذا لا داعي للخوف.

   أيقنت بعد ثوان أنها المرة الأولى التي يلازم فيها ألكسندروس الفراش حتى تستيقظ زوجته، المرة الأولى التي تفتح فيها عينيها و هي تشاركه الفراش و الحضن و الأنفاس! جعلها ذلك التغيير المبهج تهدأ و تبتسم بانشراح، و تقفز بغبطة نحو الحمام.

   بعد الظهر حملت أندريا بعض الجرائد مقلدة أمها، و جلست تطالعها في الشرفة الكبيرة لتمضية الوقت، فكرت أثناء ذلك في فعل شيء يسعد زوجها، بغض النظر عن ظروف زواجهما، فقد حمى أمها من البقاء دون زوج و مال،و ضمن مستقبل أختها الطائشة، و حفظ كرامتها أمام كريستين، ثم رتب لها حفلا بذلك الحجم فقط ليعيدها إلى واجهة الفن!

   انتهت من جريدة التجارة و المال المضجرة، و انتقلت إلى جريدة الفن و الموضة، و على أول صفحة رأت نفسها هي و ألكسندروس يرقصان بقناعيهما، شكلا معا الشمس و القمر في سماء واحدة، و إلى جانبهما كانت هناك صورة للعازف الإسباني المبدع، ابتسمت أندريا للوقار في تلك الوقفة النبيلة و النظرات المعبرة، لكن قلبها اهتز أمام صورة أخرى صغيرة في ذيل الصفحة، و قرأت العنوان الذي يعلوها بدهشة:

”من المصح العقلي إلى حفل ضخم! نيكوس وريث عائلة ساماراس الذي هرب منذ ساعات قليلة من المصح، يُعثرُ عليه فاقدا للوعي في أطلال الأكروبوليس إثر اعتداء عنيف من قبل مجهولين! أكدت جدته أنها لن توفر المسؤول عن هروبه، و ستتم إعادته للمصح فور شفائه

   تأكدت أندريا مما قرأته عن نيكوس أنه ليس المعجب السري، لا يعقل لمريض في مصح عقلي أن يرسل لها تلك الأشياء، و أن يحادثها أيضا على وسائل التواصل، و أن يعرف عنها كل تلك التفاصيل. لمحت سانتوس يدخل البيت على جناح السرعة متجها نحو مكتب زوجها، فلحقت به حاملة الجريدة، و دون انتظار انضمت إليهما بفضول و قلق. لم يمانع ألكسندروس وجودها، و أشار على مساعده أن يفضي بما في جعبته، فسحب سانتوس مظروفا و فضه أمام السيد، لتسقط على المكتب الأسود مجموعة صور و أوراق، راح يفرزها و يشير إلى هذه و تلك قائلا:

   -انتهيت من تحرياتي حول ذلك الرجل ألكسندروس، اتضح أنه نيكوس ساماراس حفيد السفيرة السابقة بياتريس ساماراس، يعاني من اضطراب عقلي ما بعد الصدمة، تعرضت خطيبته قبل سنة لحادث خطير و توفيت على إثره، و ذلك ما جعله يفقد صوابه و يدخل المصح.

متَاهتُناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن