(9)

9 2 12
                                    

- 9 -

وقد أكتشف الإسلام - قبل غيره - هذه الظاهرة ،
ودل على فعاليتها ، في التكوين النفسي والتربوي للفرد ، وقد حث بإصرار بالغ على أن تقوم الرابطة الزوجية على أساس وثيق من الإختيار والفحص عن سلوك الزوجين ، وسلامتهما النفسية والخلقية من العيوب والنقص ، ففي الحديث " تخيروا لنطفتكم فان العرق دساس " وأشار القرآن الكريم إلى ما تنقله الوراثة من أدق الصفات قال تعالى حكاية عن نبيه نوح :

(رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)(2). فالآية دلت بوضوح على إنتقال الكفر والإلحاد بالوراثة من الآباء إلى الأبناء ، وقد حفلت موسوعات الحديث بكوكبة كبيرة من الأخبار التي أثرت عن أئمة أهل البيت (ع) وهي تدلل على واقع الوراثة وقوانينها وما لها من الأهمية البالغة في سلوك الإنسان ، وتقويم كيانه .

على ضوء هذه الظاهرة التي لا تشذ في عطائها نجزم بأن سبط الرسول صلى الله عليه وآله قد ورث من جده الرسول (ص) صفاته الخلقية والنفسية ، ومكوناته الروحية التي امتاز بها على سائر النبيين ، وقد حدد كثير من الروايات مدى ما ورثه هو وأخوه الإمام الحسن من الصفات الجسمية من جدهما النبي (ص) فقد جاء عن علي (ع) أنه قال :

" من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه وشعره فلينظر إلى الحسن ، ومن سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه إلى كعبه خلقا ولونا فلينظر إلى الحسين "(3) وفي رواية أنه كان أشبه النبي ما بين سرته إلى قدمه(4) وكما ورث هذه الظاهرة من جده فقد ورث منه مثله وسائر نزعاته وصفاته .

الأسرة :

الاسرة من العوامل المهمة في إيجاد عملية التطبيع الإجتماعي ، وتشكيل شخصية الطفل ، وإكسابه العادات
التي تبقى ملازمة له طوال حياته ، فهي البذرة الأولى في تكوين النمو الفردي ، والسلوك الإجتماعي ، وهي أكثر فعالية في إيجاد التوازن في سلوك الشخص من سائر العوامل التربوية الأخرى ، فمنها يتعلم الطفل اللغة ، ويكتسب القيم والتقاليد الاجتماعية .

والاسرة إنما تنشأ أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان والبعد عن الشذوذ والانحراف فيما اذا شاع في البيت الاستقرار والمودة والطمأنينة وابتعد عن ألوان العنف والكراهية ، واذا لم ترع ذلك فإن أطفالها تصاب بعقد نفسية خطيرة تسبب لهم كثيرا من المشاكل والمصاعب ، وقد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة ، وأكثرها تمهيدا للإضطرابات الشخصية هي التي تكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بأبويه (6).

كما أن من أهم وظائف الأسرة الإشراف على تربية الأطفال فانها مسؤوله عن عمليات التنشئة الإجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة وقواعدها في صورة تؤهله في مستقبل حياته من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع .

وأهم وظائف الأسرة عند علماء التربية هي ما يلي :

أ - إعداد الأطفال بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والإجتماعية .

ب - إعدادهم للمشاركة في حياة المجتمع والتعرف على قيمة وعاداته .

ج - توفير الإستقرار والأمن والحماية لهم .

د - امدادهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع (7).

هـ - تربيتهم بالتربية الأخلاقية والوجدانية والدينية (8).

وعلى ضوء هذه البحوث التربوية الحديثة عن الاسرة ومدى أهميتها في تكوين الطفل ، وتقويم سلوكه بجزم بأن الإمام الحسين (ع) كان وحيداً في خصائصه ومقوماته التي استمدها من أسرته فقد نشأ في أسرة تنتهي إليها كل مكرمة وفضيلة في الإسلام ، فما أظلت قبة السماء أسرة أسمى ولا أزكى من أسرة آل الرسول (ص)...

لقد نشأ الإمام الحسين (ع) في ظل هذ الأسرة وتغذى بطباعها وأخلاقها ، ونعرض - بإيجاز - لبعض النقاط المضيئة النابضة بالتربية الفذة التي ظفر بها الحسين (ع) في ظل الأسرة النبوية .

التربية النبوية :

وقام الرسول الأعظم (ص) بدوره بتربية سبطه وريحانته فأفاض عليه بمكرماته ومثله وغذاه بقيمه ومكوناته ليكون صورة عنه ، ويقول الرواة :

إنه كان كثير الإهتمام والإعتناء بشأنه ، فكان يصحبه معه في أكثر أوقاته فيشمه عرفه وطيبه ، ويرسم له محاسن أفعاله ، ومكارم أخلاقه ، وقد علمه وهو في غضون الصبا سورة التوحيد(9)، ووردت إليه من تمر الصدقة فتناول منها الحسين تمرة وجعلها في فيه ، فنزعها منه الرسول (ص) وقال له :

لا تحل لنا الصدقة(10)
، وقد عوده وهو في سنه المبكر بذلك على الاباء ،
وعدم تناول ما لا يحل له ، ومن الطبيعي أن أبعاد الطفل
عن تناول الأغذية المشتبه فيها أو المحرمة لها أثرها الذاتي في سلوك الطفل وتنمية مداركه حسب ما دللت عليه البحوث الطبية الحديثة ، فإن تناول الطفل للأغذية المحرمة مما يوقف فعالياته السلوكية ، ويغرس في نفسه النزعات الشريرة كالقسوة ، والأعتداء والهجوم المتطرف على الغير ، وقد راعى الإسلام بإهتمام بالغ هذه الجوانب فألزم بأبعاد الطفل عن تناول الغذاء المحرم(11) وكان أبعاد النبي (ص)
لسبطه الحسين عن تناول تمر الصدقة التي لا تحل لأهل البيت (ع) تطبيقا لهذا المنهج التربوي الفذ ...

وسنذكر المزيد من ألوان تربيته له عند عرض ما أثر عن رسول الله (ص) في حق الحُسين (ع) .

فَواللّٰه إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ،

وَوَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ ، وَعَدُوٌ لِمَنْ عاداكُمْ ، ومُحباً لِمن أحَبكم

وإني أشهد أن لَوْلَا حَاءُ الْحُسَيْنِ
وَ بَاءُ زَيْنَبَ لَمَا خُلِقَ الْحُبّ ♡.

👇🏻
︎ ︎ ︎

الحُسـين هو الحـب ♡.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن